19 ديسمبر، 2024 1:40 ص

الحزام الوطني العراقي الاخضر… الحُلم الذي وُلد ميتا

الحزام الوطني العراقي الاخضر… الحُلم الذي وُلد ميتا

في بلد عصفت به الحروب، وانهكه الحصار والمشاكل الاقتصادية، وقضى على اماله فقدان الامن والاضطرابات السياسية، في سلسلة مشاكل مستمرة منذ اكثر من ثلاثة عقود، فاصبح هم المواطن الأول الحصول على لقمة العيش وسلامته وافراد اسرته، واقصى طموح للمسؤولين توفير الامن للشعب، ضمن احداث متسارعة لمسلسل يومي من الانفجارات والاغتيالات وعمليات الخطف والابتزاز.

وفي خضم هذه الاوضاع، لم يتجرأ احد على الكتابة او القول او مجرد التفكير بالتغيرات المناخية واثارها الواضحة في ارجاء البلد والمنطقة، ففي العراق قد يبدو الحديث عن هذا الموضوع ضربا من الخيال، او ربما يتهم المتحدث عنه بالسذاجة والتغريد خارج السرب.

غير ان د. حسن الجنابي الذي كان سفيرا للعراق لدى منظمة الاغذية والزراعة العالمية (الفاو)، قد كان طموحا جدا في احلامه ورؤاه، وتولد طموحه هذا من شعوره بالمسؤولية حيال شعبه ووطنه الذي يعاني من موجات الجفاف المتكررة وتقلص الغطاء النباتي والزحف الصحراء باتجاه الاراضي الزراعية الخصبة في العمق العراقي، حيث يخسر العراق 100 الف دونم من الاراضي الزراعية سنويا، بحسب تقرير قسم العلوم الطبيعية في منظمة اليونسكو– مكتب العراق.

ففي النصف الثاني من العام 2012 اطلق د. حسن الجنابي مبادرة “مشروع الحزام الوطني الاخضر” الذي يحتضن العراق من اطرافه الشمالية الغربية (شمال مدينة الموصل) مرورا بغرب العراق وينتهي باقصى جنوب العراق (مدينة البصرة)، وكان مخططا لهذا المشروع (لو تم تنفيذه) ان يكون خط الدفاع الاول للعراق لمقاومة الزحف الصحراوي وايقافه عند الحدود الغربية لأرض الجزيرة العراقية غربي نهر الفرات، ويبلغ طول الحزام حوالي 1000 كم تقريبا، ويغطي مساحات متنوعة يتراوح عرضها من1-5 كم بحسب الظروف المحلية وجغرافية المنطقة.

واوضح د. الجنابي ان “الحزام يتكون من اشجار النخيل واشجار مثمرة واخرى غير مثمرة تغرس بخطوط متوازية وبمسافات محددة وتتخللها اعشاب صحراوية ومزروعات محسنة اخرى قابلة للعيش في البيئة الصحراوية القاسية وتروى من المياه الجوفية الغزيرة في تلك المناطق وفق انظمة ري مغلقة تؤمن ارواء مستمر ومغلق”.

لم تكن الغاية من مشروع الحزام الاخضر ان يعمل كمصدات رياح لايقاف حركة الكثبان الرملية فحسب، انما يهدف لانقاذ العراق من الوقوع في فخ التصحر والجفاف والفقر، وانتشال الزراعة الوطنية العراقية من الواقع المزري لها، وايقاف التدهور البيىئي وحماية التنوع الاحيائي المهدد بالخطر، وايقاف هجرة المزارعين من الريف الى المدينة وكذلك تعزيز البحث العلمي وتطوير القدرات في مجال الطاقة المتجدة والبيئة وتنمية قدرة العراق على التأقلم مع التغيرات المناخية، كما وسينشط هذا المشروع الصناعات الغذائية وسيخلق فرص عمل كثيرة للشباب العاطلين عن العمل للتقليل من حجم البطالة المستشري في البلد، كما وان المشروع سيعزز موقف العراق من التزاماته ضمن الامم المتحدة بمكافحة التصحر والتقليل من التلوث الذي وقع عليه العراق في مؤتمر باريس للمناخ 2015.

لقد كانت مبادرة د. الجنابي بمثابة مشروع متكامل وقابل للتطبيق حيث شمل المشروع على شرح واف لمراحل المشروع والكلفة التخمينية والتحديات والمعوقات المتوقعة وسبل معالجتها، بالاضافة الى تفاصيل دقيقة كثيرة اخرى.

الان وبعد مرور اكثر من خمس سنوات على ولادة هذه المبادرة، الا انها لا تزال مجرد فكرة تدور خَلَد د. الجنابي، وحبر على ورق لا يزال مركونا على رفوف مكتبه، فعند ولادة هذه الفكرة كان العراق يشهد اضطرابات سياسية حرجة، تعرض العراق بعدها الى هجمة تنظيم داعش الارهابي الشرسة التي فقد العراق فيها نصف مساحة اراضيه تقريبا، وكذلك الهبوط الحاد لاسعار النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الوطني العراقي الرئيسي، والعجز الكبير والواضح في موازانات الدولة طيلة هذه السنوات واعتمادها على القروض الدولية لسد النقص الحاصل.

اما اليوم، فإن معظم اراضي البلد المحتلة قد تحررت او اوشكت ان تتحرر من قبضة التنظيم الارهابي، وهناك انتعاش وتعافي في اسعار النفط، و د.حسن الجنابي اليوم يشغل منصب وزير الموارد المائية وبات قريبا من مركز صنع القرار، فعسى ان يفعل شيئا لإنعاش وإنقاذ مشروعه الذي وُلِد ميتا، او اماتته الظروف التي مر بها البلد، وعسى ان يأتي ذلك اليوم الذي يخرج فيه المشروع من رفوف مكتب معالي الوزير ليعود بالنفع والفائدة لحاضرنا ومستقبل اجيالنا.

أحدث المقالات

أحدث المقالات