حاورته – سماح عادل :
الشاعر العراقي “كريم جخيور حاجم”، ولد في البصرة 1959، وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب منذ 1995، ورئيس اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة منذ 2010 إلى عام 2016، ورئيس للجنة التحضيرية لـ”مهرجان المربد” للأعوام من 2010 إلى 2016.. حاورته (كتابات) حول شعره المميز..
(كتابات): في شعرك العشق عذب، والمرأة أجمل من الحوريات.. حدثنا عن العشق والمرأة في قصائدك ؟
- أنا لا أتحدث عن الحب والعشق أنا أعيشه وأكتبه.. أنا المأمور فكيف لي أن أعصي قول اﻵمر وقد أوصاني بلطف أن لا أحب سوى واحدة من النساء، ولهذا أشعر أن قصائدي خضراء ولم يقرب منها الظمأ، المرأة هي الغيمة التي لا تمسك كفها عن المطر.. فلا شعر دون امرأة وحب.
(كتابات): أشاد النقاد بتميزك في كتابة قصيدة النثر، واحتفوا بشعرك.. في رأيك أين يكمن تميزك ؟
- الشعر قيمة جمالية وبما أن الجمال واضح وعميق الشعر كذلك أيضاً.. هكذا أراه وأكتبه وقد انتبه أغلب النقاد الذين تناولوا مجاميعي الثلاث وقصائدي الجديدة نقدياً بأنني أكتب بأسلوب السهل الممتنع، معتمداً على المهل فاجعله متناً ومن الهامش ليكون مركزاً.
مهمة الشاعر ليس بنقل الواقع بل كتابته برؤية جمالية وشعرية.. وهنا لا أريد أن أثبت ما قاله النقاد عني، واكتفي بما كتبه الشاعر والمترجم “ياسين طه حافظ” في جريدة (المدى): “كريم جخيور يقدم المحلي عالمياً”.. وقال ذات مرة الناقد الكبير (فاضل ثامر): “هذا الجيل هو جيل كريم جخيور”.
(كتابات): هموم الوطن، والاحتفاء بالكادحين، والحزن في خلطة معجونة بالعشق هل هذه هي الموضوعات الرئيسة في قصائدك ؟
- أنا من جيل الحرب والجوع والمنافي والسجون.. الحرب التي أكلت أيامنا وقتلت أحلامنا، والمتتبع لقصائدي سيجد هذا إما واضحاً أو متخفياً في قصائدي:
كان يروي ﻷبنته
وهو يبكي
مأساة من ماتوا في الحرب
فسألته؛
وهل كان الله يعرف
فأجابها
نعم هو يعرف
فقالت؛
لماذا لم يوقفها إذاً..
كتبت عن الجوع والسجون
كانت السماء
معصوبة بالحديد
وللعصي
متكأ على خاصرة الضياء..
مجموعتي الأولى “خارج السواد” كتبتها وأنا أبيع الكتب أحياناً والبطيخ على أرصفة سوق البصرة القديمة، ألم اقل لك أنا من “جيل الحرب والجوع”.
(كتابات): الكلمات لديك لها سحر.. هل تحرص على استخدام كلمات خاصة لها تأثيرات موسيقية ولها إيحاءات خاصة ؟
- لا أدري لماذا أرى أن الجواب عن هذا السؤال لا يكون إلا بالشعر.. هذه القصيدة التي كتبتها ونشرتها لي جريدة “الصباح” بخط يدي بمناسبة اليوم العالمي للشعر، تعبر عن رؤية إلى الشعر وكيف يجب أن نعيشه ونكتبه، طبعاً كلمة يجب خاصة بي ولا أعني اﻵخر ولكن من الممكن التعميم.
وأنت تنظر إلى العالم من نافذة الشعر
عليك أن تزيل عن جسد الكلمات
الدمامل والفقاقيع
وتمنحها ما تملك من إكسير الحياة
فأنت لا تذهب مع دمية
مهما برعوا في تجميلها إلى السرير
حتى لو كان وثيراً
أن تكتب شعراً
عليك أن تفطم الكلمات من ثدي القواميس
حينها ستشع وتبرق ويراها الناس
فلا تحتاج إلى بوق نحاس
أو راوية ألثغ
أن تكتب شعراً
عليك أن تتثبت من قوسك جيداً
فالطيور تهادن صيادها لحظة
ثم تكسر صمت المكان
وكلما كانت دانية عناقيد الكروم
فلا تقطف منها إلا ما يزيدك فتوة وصحواً وبهجة
عليك أن لا تذهب إلى وادي عبقر
فما عاد صالحاً لرعي الثيران المجنة
أن تكتب شعراً
عليك أن تقف وسط الريح مخضبا بالرؤيا
تنظر إلى شجرة
وتتعلم منها درساً في الفصول.
(كتابات): ما هو تأثير التراث على شعرك ؟
- يبقى التراث العربي شعراً وسرداً ونثراً المنهل اﻷكثر عذوبة وغنى نغرف منه شرط أن لا نقلده، لأن الشعر هو ابن الحياة، ونحن الآن في اﻷلفية الثالثة عصر ما بعد الانترنت وعلينا أن نتجاوز حياة وثقافة الخيمة لست بحاجة إلى بلاغة اﻷمويين ولا العباسيين ولا الجاهليين، وليس من المنطق أن أجلس قبالة “اللاب توب” واكتب لحبيبتي ولقد ذكرتم والرماح نواهل.. وربما ستغضب مني إذا وصفت عيونها بعيون البقر الوحشي أو مشيتها وهي بحذائها اﻷنيق بمشية الناقة.. علينا ابتكار لغة جديدة.. استعارات جديدة.. تشبيهات جديدة.. وبلاغة جديدة.
(كتابات): من الشعراء والكتاب الذين تأثرت بهم ؟
- أنا من مدينة البصرة المدينة التي تربى على منابرها “المعتزلة” ومن مدارسها استقامت ألسنة العرب، وفي سمائها طير “أخوان الصفا” رسائلهم، ومنها خرج “السياب” و”محمد خضير” وغيرهم، والشاعر يتأثر بمن يحيط به نعم كلنا تأثرنا بـ”السياب، وسعدي يوسف، والبريكان، ومحمود درويش، ونزار قباني، ومحمد الماغوط، وأدونيس، وكاظم الحجاج”، ولكن استطعت أن اخط لي أسلوباً خاصاً ومفردة خاصة وجملة شعرية تعرف باسمي.
(كتابات): لما سادت قصيدة النثر في رأيك في العالم العربي.. وكيف تختلف عن باقي أشكال الشعر ؟
- يقول الناقد غدامير “الشعر جوهر الفنون”.. والمتتبع لحركة الفنون يجد أنها في تطور وتغير دائمين، فكيف نريد لجوهرها أن يخلد إلى الثبات، والقارئ لتاريخ الشعر العربي يجد أنه لم يعرف الثبات وفي حالة تجريب مستمرة، حتى جاء “السياب” ليكسر العمود الخشبي للمرحوم “الفراهيدي” ويستبدل زحافاته بالمطر ويفتح الباب لحملة شعلة قصيدة النثر، ولا أريد هنا أن استعرض حركتها التاريخية ولكن أريد أن أقول أن قصيدة النثر هي الجواب الحقيقي لفتح سر الألفية الثالثة.
قلت على الشاعر أن يتحرر من الشكل بعد أن صارت بلاغة العباسيين والأمويين والجاهليين غير مجدية.. فهي تعبر عن ثقافة الخيمة وهو الآن يرتدي بنطاله “الجينز” ويجلس قبالة “اللاب توت”، وليس بحاجة إلى القمر ليشبه به حبيبته ولا إلى الغزال أو السيف.
هذا من الجانب الجمالي أما الجانب المسكوت عنه فهو أن العمود الشعري تحول إلى خطاب لمدح السلطة، الخليفة.. الوالي.. اﻷمير.. الحاكم الآن، ولذا صار جزء من السلطة وإعلامها والخروج عليها يتطلب أيضاً الخروج على هذا البوق الهرم، ولهذا جاءت قصيدة النثر التي راحت إلى اليومي والهامش والمهمل بدلاً من الوقوف أمام باب السلطان، وختاماً أقول أن أسوأ تعريف للشعر هو أنه كلام موزون ومقفى.
(كتابات): من هم أعلام الشعر في العراق في العصر الحديث.. وفي رأيك متى ازدهر الشعر العراقي ؟
- لكل عصر وزمان شعراؤه وأدباؤه وخطباؤه ومبدعوه.. اﻷسماء كثيرة وكما تعرفين العراق بلاد شعر كما هي مصر بلاد رواية.. واتحرج من ذكر اﻷسماء فبعضهم أساتذة وبعضهم أصدقاء وأكرر هنا ما قاله الراحل الكبير محمود درويش: “كن عراقياً لتصبح شاعراً”.
(كتابات): هل واجهت صعوبات في طريق الكتابة الإبداعية ؟
- الكتابة الإبداعية هي خلق وكل خلق جديد يحتاج إلى ظروف لولادته وبالتالي فهو يعاني حتماً إذا لم يجدها.. أنا قلت من قبل أني من جيل الحرب والجوع والمنافي والسجون، أكبر مصدات الإبداع هي غياب الحرية وقد عشناها بكامل جبروتها، وثاني المصدات هو عدم وجود الرعاية الحقيقية للمبدع فها هو الآن يقتطع من قوت أطفاله ليطبع إنتاجه الأدبي ثم يجلس في المقهى ليوزعه هدايا إلى الأصدقاء.
(كتابات): ما رأيك في الشعراء الشباب.. والذين أتاحت لهم وسائل التواصل الاجتماعي الظهور والتعبير عن أنفسهم ؟
- أنا مع الشباب مع تحررهم وانعتاقهم من سلطة الوصايا.. وجود الشباب يعني ديمومة لاخضرارنا، العراق بلد ولاد للشعراء، أنا مع الشباب بدون تحفظ وبدون وصايا، وقد أتاحت لهم الشبكة العنكبوتية فرصة للانتشار والتواصل والإبداع فها أنا أتابع الشعراء والشاعرات العرب والعالميين.
وقبل الختام أحب أن أقول خلال رئاستي لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في البصرة منذ 2010 إلى 2016 أقمت مهرجانين لقصيدة النثر ودورتين لملتقى الرواية و6 دورات لمهرجان المربد.
قصائد للشاعر:
ﻻ أحبك عارية
انزعي اﻷزرق
حتى ﻻ أقول هناك سماء ثامنة
فيتهمني الفلكيون بالجهل
ويرميني الوعاظ بالضلالة
أنا الذي كلما رأيتك
ازددت يقينا أن الله جميل
أنزعي اﻷخضر
حتى ﻻ أقول
رأيت اﻷشجار ترقص حافية
فيقول الناس مجنون
انزعي اﻷحمر الشفيف
حتى ﻻ أشتعل
فتسري في اﻷرض عدوى الاحتراق
انزعي الأسود
فأنا ﻻ أحب لعبة اﻷضداد
انزعي
انزعي
إﻻ قلبك
فأنا ﻻ أحبك عارية
أوراق السنة الجديدة
إنها ليست للذبح
كما نفعل، عادةً ، في الأضاحي
سأخفي طلعتها
عن الغزاة، وصانعي الحروب،
ومبتكري السرطانات الحديثة
وبكل ما أملك من مسامير
ورغبة في البقاء
سأثبتها على الحائط
أوراقك 365
وبأصابع ممهورة بالرفق
أقلبها
واحدة
واحدة
وأتركها ترعى في الشوارع،
والمقاهي، والحدائق
وأمنحها فسحة للتهجد
ورخصة للتعرّي
وأجعلها تجري وراء الأنهار
وترقص تحت المطر
وحتى لا تصدأ صباحاتها
ويداهم عصافيرها الكسل
سأفتح كل نوافذها للشمس
أوراقك 365
سأطوف بها القارات السبع
والسموات السبع
وهي معلقة على الحائط
المرأة الحلم
أينها
تلك المرأة التي
تردنا عن مذاهبنا
آخذة بقلوبنا
إلى مذاهب الجمال
حيث لا تفريط في ليل
و حرج في قبل
ولا حرمة في الكأس
أينها
تلم التي ثيابها من وجد
وحضنها جمر انتظار
ولا تقوم إلى صباح
وسريري بارد
أينها
تلك التي لا تعقد يمينا
إلا على عناق
ولا تفكه
في عتق جارية
من جواريها
فيا بن حطان
عمران بن سدوس
لقد بلغت في هجير الخوارج
مالم نبلغه في ربيع الفيس
حامل رايات الجمر
إلى بدر شاكر السياب
لك الآن أن تبتسم
أيها الحزين مثل مقبرة ٍ
لا يطرق بابها أحدٌ
فكلماتك ما زالت تلمع كالنجوم
في صباحاتنا المطفأة
لك الآن أن تبتسم
فمازال أتباعك
ينسجون على قارعة الخلجان أحلامهم
أشرعة ً للطيران
لك الآن أن تبتسم/
فقامتك النحيلة والمنكسرة
والتي لم تستهو الفتيات، ذات يوم
قد أصبحت راية
يهتدي بها حاملو مشاعل الجمر
واسمك الذي كان معلماً
بالأحمر الصارخ
ومثيراً للريبة
أصبح ماركة تجارية
تحتل واجهات الشوارع والفنادق
ومحال الصيرفة
لك الآن أن تبتسم
فلن يطول وقوفك
فصحيفتك بلون القطن
والسدنة ُ لم يدونوا ضدك
سوى دعوى واحدة
أقامها السيد الفراهيدي
بأنك كسرت عموده الخشبي
واستبدلت زحافاته بالمطر
وقد عفا الله عنك
في قراره الأخير
بتبييض النار من الشعراء
عراق
هكذا رسمته السماء
بلطف مبارك
وألوان قزح
من فمه ابتدأ الحرف
طيعا وفارها
وفي بيوته كان الورد أسيجة
وجنائن باذخة
قلبه حكاية عشق
وفوق ترابه نصب الأنبياء خيامهم
فكان للوحي مزارات
هكذا رسمته السماء
ثم تنازعته التيجان
وجالت في مهجته الطعنات
حكومات خراف
صفويون برايات سود
وانكشاريون بطرابيش عثمانية
الانكليز بمدافعهم ومقابرهم أيضا
بيانات العقداء
والتي تبدأ دائما بالرقم واحد
عجلات الكاز 66
طائرات الأباتشي
وفتاوى التفخيخ
هكذا
هكذا تنازعته التيجان
ولم يزل ينطق بالسلام
تظلله قباب الذهب
أطفاله يذهبون إلى المدارس
يقرأون الأناشيد
ويرفعون العلم
الملوك
ما الذي يجعلني أهتم بحياة الملوك
بسلالاتهم
بأيام حروبهم
بأنساب خيولهم وسيوفهم
بنوادرهم ونزواتهم
بقصورهم
بموائدهم يطوف عليها ولدان مخلدون
بنسائهم
قطعان الجواري وما ملكت الأيمان
ما الذي يجعلني أهتم بمراسيم اعتلائهم على العرش
ومراسيم انزالهم في القبر ؟؟
هل كنت احلم أن أكون ملكاً
هل كنت انتمي إلى إحدى سلالاتهم
بالطبع لا
فإن جدي السابع عشر
كان أما فلاحاً بلا أرض
أو راعياً من دون قطيع
أو كان ينتمي إلى تنظيمات
عروة أبن الورد
أو مجموعة تأبط شراً الانتحارية
مع هذا إنه ينام الآن سعيداً
في قبره الخرب
لأن أحد أفراد سلالته
وهو أنا بالتأكيد
قد أصبح شاعراً
يتجمع على أبوابه الملوك