15 نوفمبر، 2024 3:59 م
Search
Close this search box.

“علاء الديب” .. رصد إنعزالية المثقف داخل ذاته وانسحابه من المشهد

“علاء الديب” .. رصد إنعزالية المثقف داخل ذاته وانسحابه من المشهد

كتبت – سماح عادل :

هو روائي وقاص مصري اسمه بالكامل “علاء الدين حب الله الديب”، ولد في  1939، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1960، عمل بالصحافة وكانت له مجموعة مقالات شهيرة باسم”عصير الكتب”، نشرها لعدة سنوات في أكثر من صحيفة، حيث عرض فيها مئة وأحد عشر كتاباً في مختلف المجالات الثقافية من الرواية والشعر والقصة والموسيقى والتاريخ والاجتماع والسياسة.. كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2001.

ثلاثية “علاء الديب”..

ثلاثيته “أطفال بلا دموع” 1989، “قمر على المستنقع” 1993، “عيون البنفسج” 1999، تتجلى فيها مدى براعته ككاتب روائي.. تدور معظم أحداث الثلاثية في فترة الثمانينيات والتسعينيات في مصر.. رصد فيها “الديب” وحدة الإنسان المصري، رجل أو امرأة، واغترابه إزاء التحولات السريعة اجتماعياً واقتصادياً، والتي كانت تحولات سلبية نحو الانهيار.. استطاع “علاء الديب” في ثلاثيته أن يفضح بدايات هذا الغزو وتأثيراته على شريحة من المثقفين، الذين انصاعوا لسطوة “مال النفط” بعد سماح الدولة للجميع بالهجرة إلى دول النفط التي صعد نجمها.

“أطفال بلا دموع”..

في الرواية الأولى “أطفال بلا دموع” انتقل السرد بحرفية وعذوبة ما بين أواخر السبعينيات، والتي شهدت هجرة كبيرة لأغلبية المصريين نحو دول الخليج، وفترة الثمانينيات.. حيث كان البطل “منير فكار” أستاذ جامعي من أصول فقيرة، ساعدته الظروف ليذهب في إعارة لإحدى دول الخليج.. وتبدت في الرواية صراعات “فكار” النفسية ما بين انبهاره بالأموال الكثيرة التي انهمرت عليه وحرصه الشديد على تكديسها ليضمن حياة آمنة له ولأسرته، وبين فقدانه لذاته وإمعانه في القسوة على زوجته التي كانت تعاني وطأة الغربة أيضاً، حيث كان قد سعى لتكوين أسرة بشكل عقلاني وتزوج  بأستاذة جامعية من الطبقة الوسطى تدعى “سناء فرج”، لكنها لم تتحمل العيش في تلك الظروف ونشأت المشكلات.

تناولت الرواية رؤية البطل “فكار” لحياته المشتركة مع زوجته “سناء”، ووحدته وعذاباته الداخلية وعدم تفهم زوجته لنوازعه وانفصالها عنه، وقسوتها في قرارها بحرمانه من أطفاله “تامر ولمياء”، من خلال سرد ثري يعتمد على محاورة الذات وحوار قليل.

كما صور الكاتب مبررات “فكار” النفسية لتحوله إلى آلة لجلب النقود، والاتجاه إلى كتابة مقالات نمطية وجوفاء، مجرد كلام منمق ومرصوص يبدو قيماً، لكنها لا تعبأ بهموم وطنه، ولا تسعى لإنقاذ بلاده من أزمتها التي بدأت بـ”نكسة 67″، والتي استفحلت في الثمانينيات وتعاظم سياسة الانفتاح، وإنما تسعى لتكريس الأوضاع، ومع ذلك لم يكن “فكار” راضياً عن نفسه بل كان ساخطاً عليها ومتهماً إياها بالشر، كان موزع بين شخصيتين، الرجل الذي جذبه سحر المال، والرجل الذي يهتم بقضايا وطنه ويحزن لانهزامه.

استخدم “علاء الديب” الرمز في الرواية من خلال قصة “رقصة الديك”، وهي حكاية تعلق بها “فكار” في طفولته لترمز إلى غواية المال التي لا يستطيع الفكاك منها أحد بحسب رؤية البطل.

“قمر على المستنقع”..

الرواية الثانية “قمر على المستنقع”.. ترك الكاتب للبطلة “سناء فرج” حرية التعبير عن نفسها.. ففي احترافية مدهشة استطاع أن يصور مشاعر امرأة من الطبقة الوسطى تعاني أيضاً من اغتراب بسبب زواجها من رجل يعاملها بعنف ويدفعها إلى غربة مكانية ونفسية، ويقسو على ترفها الذي لم يعيشه في طفولته، ليترك القارئ في حيرة، فهو لم ينتصر لا لـ”منير فكار” ولا لـ”سناء فرج”، وإنما صور عذاباتهما واغتراب روحيهما بكل دقة ونقل تصورات كلاً منهما عن الآخر.. وأهم ما برع فيه، في رأيي، غوصه في نفسية المرأة وتصويره أدق مشاعرها خصوصية حول الجنس والحب والأمومة، والإحساس بجدوى الحياة في فترة انتشر فيها الفكر المحافظ وابتلع معه أغلبية النساء، وفي وقت لم ينهزم فيه الرجل المصري فقط وإنما المرأة أيضاً وبشكل مضاعف.

“عيون البنفسج”..

أما الرواية الثالثة “عيون البنفسج”، كانت فكرة الكاتب أن فقدان “مصر” لهويتها وتميزها لصالح صعود نجم دول النفط كان بمثابة سرطان نهش روح الأب والأم وانتقل بوحشيته إلى الأبناء ليفقدهم توازنهم وسلامهم الداخلي، ويجعلهم يدورون في دوائر مفرغة من “توهة” لجيل التسعينيات والتي تنتهي بالخواء أو بالالتجاء مرة أخرى للغربة في دول النفط، وكان بطله هذه المرة “تامر فكار” الابن الثاني للبطلين، والذي هزمه اغترابه.

في هذه الثلاثية يرصد “الديب” بداية الغزو من خلال البطل “منير فكار”، الذي أبهره بريق المال لكنه مع ذلك لم يملأ فراغ روحه، وإنما حكم عليه بحياة جوفاء خسر فيها أطفاله وعائلته، كما عاب على فئة من المثقفين استسلمت لنفوذ المال وباعت أفكارها وكتابتها بل وتماهت مع الفكر الرجعي الذي تمثله دول النفط وبعضهم روج له.

وتتجلى روعة “الديب” في أنه جعل أبطاله يتمردون ويقاومون.. فبطلته “سناء فرج” زوجة “منير فكار”، قاومت غربة النفط وتمسكت بالرجوع إلى بلدها لتحمي أطفالها، كما أنها قاومت محاولات قتل روحها وإخضاعها باسم الدين والتقاليد.

وامتدت المقاومة للجيل التالي، ففي الرواية الثالثة “عيون البنفسج” لم ينصاع “تامر فكار” للرجعية لكنه أيضاً لم يعثر على ذاته، فعلاء الديب صور بدقة رفض أبطاله للتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وضياع هوية وطنه لصالح هوية بدوية قبلية، تحتجز النساء في كومة من قماش، والرجال في ذقون طويلة وعنف مقنن.

رواية “أيام وردية”..

رواية “أيام وردية” كان بطله “أمين الألفي” معزولاً أيضاً، بشكل طوعي لرفضه مواكبة التحولات، يتفرج في حسرة على تحول زوجته “شادن” من يسارية ثورية، كانت تشاركه لحظات تمرده إلى امرأة محافظة تملأ بيتها بكتب عن عذاب القبر، وتسعى لإدخال أطفالها في الكهف الجديد.. دوماً ما صور “علاء الديب” انعزالية المثقف داخل ذاته، وانسحابه من المشهد كما فعل هو في حياته الحقيقية، وذلك كان حلاً أكثر مبدئية بالنسبة له من الانجرار وراء تزلف الرجعية وتسول مالها والترويج لفكرها، وهنا تكمن شجاعته، في وجهة نظري، وهي أنه في ذروة قوة الغزو الرجعي أبداً لم يسلم له.

“وقفة قبل المنحدر”..

عام 1990 أصدر كتابه الأشهر “وقفة قبل المنحدر.. من أوراق مثقف مصري 1952 – 1982”.. الكتاب سيرة ذاتية وقراءة لثلاثة عقود من تاريخ مصر، بين فيه ظاهرة الاغتراب الذي شعر به المثقف ما بعد ثورة تموز/يوليه، والتقلبات التي ضيعت أحلام جيله وآمالهم عبر تلك العقود الثلاث.

برع “علاء الديب”، ليس في كتابة الروايات والقصص فقط، وإنما تميز في النقد الأدبي أيضاً وكان عموده في مجلة (صباح الخير) “عصير الكتب” مكاناً هاماً للتعريف بالكتاب والأدباء وبأهم الكتب في مختلف المجالات الثقافية، ثم انتقل “عصير الكتب” فيما بعد إلى صحيفة (الأهرام).

اعتزل “علاء الديب” حياة المثقفين قبل وفاته بأكثر من 20 عاماً.. يقول في سيرته الذاتية: “هذه الأوراق أراها، محزنة، محيرة، وكئيبة، لكنها صادقة، صدق الدم النازف من جرح جديد، هي أوراق حقيقية، كان من الضروري أن تكتب، لأنها كانت البديل الوحيد للهروب مع أي شيطان أو للانتحار”.

توفى “علاء الديب” في منطقة المعادي بالقاهرة 2016.

أعماله..

قصص قصيرة:

  • القاهرة، 1964.
  • صباح الجمعة، 1974.
  • المسافر الأبدي، 1999
  • الشيخة، 1964
  • الحصان الأجوف 1974

الروايات:

  • زهرة الليمون، 1987.
  • أطفال بلا دموع، 1989.
  • قمر على المستنقع، 1993.
  • عيون البنفسج، 1999.
  • أيام وردية، 2002
  • وقفة قبل المنحدر، 1995.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة