استباحت الساحة السياسية العراقية لفترة ما بعد السقوط تنظيمات تطلق على نفسها سياسية متفاوتة في دقة التنظيم واشكال التوجه وذلك بسبب انحسار تاثير الاحزاب العراقية التقليدية على هذه الساحة ولاسباب لا يمكن شرحها الان ، غير ان المراقب يجد ان هناك قواسم مشتركة كثيرة ما بين هذه الاحزاب مما جعلها متنافرة لا يطيق بعضها البعض الاخر حتى ولو كان من نفس الكتلة او التحالف ، ولقد كان لحداثة وسرعة التطبيق الديمقراطي الاثر الاهم في كل تلك التوجهات ، خاصة وان جميع الاحزاب العاملة الان لا تملك توجه حكومي واضح ، ولا تحتكم على برنامج سياسي محدد بل وحتى لا تملك مخطط وهدف اقتصادي يعمل على انقاذ البلد من ازماته الاقتصادية ، وبالعكس كان لهذه الاحزاب التي تقاسمت السلطة وفق منهج المحاصصة انها هي كانت وراء هذه الازمات الاقتصادية ، كما انها افقدت الدولة توجهها العام ، فاصبحت دولة لاتملك هوية سياسية ، وليس لها عنوان اقتصادي محدد الملامح فلا هي دولة راسمالية ينمو الراسمال في ظلها بشكل منتج ولا هي دولة اشتراكية تعمل على تنمية وازدهار القطاع العام ، بل وحتى لا تملك مميزات الدولة التعاونية ، ظلت احزابها الحاكمة متجاهلة دور الاقتصاد وعاملة في حقل السياسة المستهللك للطاقات غير المنتج للخيرات ، وتعاقبت الاعوام وظلت هذه الاحزاب تنتج المشاكل لنفسها وللغير تاركة مؤسسات الدولة تزاحم احداها الاخرى والكل يعمل في دائرة الكل ، وتداخلت الصلاحيات وتعددت القوى الضاغطة على الدولة وظلت السلطة غير متطابقة مع الدولة، وتحول العراق من جديد الى دولة الاشخاص لا دولة المؤسسات ، وتتابعت الاحداث لينتقل الصراع من الساحة الى داخل اروقة البرلمان وتحول الاخير وبمرور الايام الى حلبة منابزة ومناكفة ، تاخرت بهذا التنافر الكثير من القوانين المهمة عن الصدور ، وتحولت السياسة الى ترف واحاديث تتناقلها الفضائيات ، لا يقف وراءها منجز ولا مشروع بل وحتى التبشير في المستقبل وقد رافق كل ذلك وجود الخلل في الاجهزة الامنية التي مكنت عصابات ليس الا من دخول محافظات يعتد بها ، وبدات مرحلة جديدة تجاوزت قدرة الاحزاب والدولة معا الا وهي المعركة مع عصابات داعش ، مما دفع بقوى اقليمية للتدخل ، ولنفس الحجة عادت الويلايات المتحدة من جديد للعراق ، وهنا بدا الصراع بين الجهات الدولية المتقاطعة على ارض العراق ، والعراقيون عادوا من جديد لدفع ضرائب الدم من شبابه المنتج اليافع ، وان ماكنة الحرب تقرع الطبول كل يوم وبكل الحجج لتاتي على بقايا اموال هذا البلد ، الذي لم يترك له الفساد من اموال النفط الطائلة التي تواردت عليه منذ عام 2007 ولغاية عام 2014، وهنا اجتمع الفساد والحرب ، ليلعبا بكل الميادين والساحات لان يظل العراق فاقد الاهلية امام صعود دول اخرى تحكمها هي الاخرى احزاب دينية لكنها كانت موفقة جدا في الاتيان بدول ومجتمعات متقدمة ، فالاحزاب الدينية في ايران كانت موفقة للخروج من الحصار الدولي المفروض على ايران بحكمة قادة تلك الدولة وفي الطرف الاخر وقف حزب العدالة والتنمية ليبني تركيا الحديثة ليحول الليرة التركية من الملايين الى الوحدات وليسيطر الاقتصاد التركي تدريجيا على دول اسيا الوسطى ليحولها الى اسواق جاذبة للصناعة والعمالة التركية ،
ان اي حزب يريد ان يبني لنفسه كينونة عليه ان يبدا بالتنظيم القائم على وحدة الحزب وطريقة استمالة الناس اليه وان يكون الحزب جماهربا من خلال الكسب المستمر للانصار والمؤييدين ، وان يعقد المؤترات السنوية او الدورية لنقد حركة ومنجزات الفترة السابقة وان يتخذ قرارات ذات طابع انتقالي تقدمي وان يكون الحزب وسيلة الدولة في تطبيق القرارات والقوانين من اجل التنمية والبناء على ماهو مبني ، لا ان يكون الحزب وسيلة للهدم وطمر منجزات الفترات السابقة ، وهذا ما حصل لاحزاب ما بعد السقوط في العراق ، فقد ظلت احزاب عالقة في السلطة وحولت السلطة لخدمة اشخاص لا فئات اجتماعية تمثلها هي او جهات جماهيرية محتاجة لمن ياخذ بايديها الى الحياة الاحسن ، فالقسم منها ظل احزاب نخبة والقسم الاخر ظل احزاب عقيدة دينية خالية من برنامج ديني يهدف لبناء عراق بلا عقد ولا مناكفات طائفية ، وقسم ثالث اخذ ينفتح على دول اخرى متطابقا مع مصالحها على حساب مصلحة الوطن ، وفي النهاية ظل العراق تقوده احزاب قومية تسعى الى تقسيمه واحزاب دينية تركض وراء شعاراتها مفضلة استمالة الناس عن طريق العقيدة لا البناء والانجاز او احزاب اشخاص ظلت النخبة فيها تستهلك الزمن مستفيدة من موارد المناصب في الدولة ومتربعة على الكراسي التي كانت تحلم بها قبل السقوط ، والمحصلة كان في الاخفاق الذي اشتركت فيه كل الاحزاب الحاكمة الامر الذي تسبب في انفضاض الناس عنها ، بل واخذ المواطن يعمل على ابعادها عن السلطة بالتظاهر او الاحتجاج واخيرا بدا يلعن العملية الديمقراطية ويرغب كثيرا بمقاطعة صناديق الاقتراع ، وعادت الاحزاب نفسها بدلا من ان تلوم نفسها اخذت بكل وسائل الاعلام تلوم المواطن المسكين…