23 ديسمبر، 2024 11:40 ص

إقبال – يوم أقبلت..!! – قمة التراجيديا.. التي أبكت الملايين !!

إقبال – يوم أقبلت..!! – قمة التراجيديا.. التي أبكت الملايين !!

لن يشدني مسلسل تراجيدي، يمثل قمة المأساة في تدهور أخلاقيات المجتمع وفي ظلم الأبناء على الآباء والأمهات ، وظلم الرجل للمرأة وتنكره لرفع شأنها وأعلاء كلمة عائلتها ، مثلما شدني المسلسل الكويتي في شهر رمضان المبارك : إقبال يوم أقبلت!!

مسلسل “إقبال يوم أقبلت “.. هو ليس قصة فقط ، كما يبدو من حلقاته التي أطلت علينا في رمضان ، بل يكاد ان يكون رواية تراجيدية رائعة ، أبدع فيها مؤلفها ايما ابداع ، بل وتكاد قمة الابداع العربي الخليجي في زمن تهاوى الابداع، مثلما تهاوت القيم وتدحرجت كثيرا الى الوراء!!

مسلسل // اقبال يوم أقبلت.. // لاتمل مشاهدة حلقاته ، بل تشدك اليها دون ان تشعر بالزمن ولا بحوادثه الأخرى ، وقد تتابعها لأشهر وسنوات ، وتتمعن في جمالية وروعة هذا الحبك القصصي الروائي الجمالي التراجيدي، الذي يوضح كيف يمكن ان تتحول حياة أديبة ومثقفة وإنسانة جديرة بالإحترام الى حطام من الآمال المتكسرة، على مقربة من البحر والصحراء، ترى فيها مصائب الدنيا وقد نزلت على رأسها ، وهي تعبر في كل مرة عن قمة صمودها وعن قمة أخلاقها وروعة الأداء ، وفي تلك الحالات التي تفشت في مجتمعنا ، وهي جحود الابناء لامهاتهم او لابائهم، حتى انهم تركوهم في العراء، بعد ان كانوا اعلاما شامخة للعطاء وللتوقد الانساني وللثروة السعيدة التي كانت ( نعمة)، واذا بمواقف الابناء وقد حولوها الى (نقمة) بل وتراجيديا مأساوية رهيبة في زمن راحت القيم تتدحرج كثيرا الى الوراء!!

(هدى حسين)..الممثلة العراقية الأصل التي عاشت في الكويت سنوات طوال، كانت بطلة مسلسل ( إقبال يوم أقبلت..) لقد أبدعت تلك المرأة في تقديم عمل تمثيلي يرقى الى العالمية، ويشكل ادانة لسلوكيات الكثير من الابناء وحتى الرجال في التعامل مع زوجاتهم ومع أسرهم!!

إقبال يوم أقبلت..قمة في الروعة..لقد أبكت الملايين بسحر ملهاتها التي عاشتها ، وجعلت القلوب تنشد اليها ، حتى انك ليس بمقدورك ان تفارق ولو لحظة من لحظات المسلسل، الذي يعد مفخرة للانتاج الكوميدي الكويتي، الذي لم يتوقف ابداعه يومأ ، وتكاد الكويت من قلائل الدول العربية من تلك التي اهتمت بإصالة الأمة وكيف ترتقي باينائها الى المعالي..وعلمت الاجيال دروسا كبيرة في الرقي الخلقي وفي كيف يمكن للقيم ان تعاني الاهمال والصد وان تنكسر موجاتها وتتحطم أخلاقيات البشر، وتنزوي الاخلاق بعيدا عن شاطئها ، وتظهر قساوة القلوب وانعدام الضمائر وفقدان أبسط مقومات الحس الانساني، في مجتمعات آيلة الى السقوط والانحدار الأخلاقي ، يكاد القلوب تتفطر من شدة وهول الصدمات التي عايشها هذا المسلسل بل الرواية الرائعة ، التي لابد ان يكون مؤلفها من فحول الكتاب ومن لهم السبق في اعلاء شأن القيم والمحافظة على بعض ما تبقى من أخلاقيات المجتمع وعوامل تدهوره، وهو يحاول في كل تلك المواقف التراجيدية ان يصنع اسطورة لإمرأة مثلت الدور ببراعة..إنها ( العراقية هدى حسين ) التي أرفع لها قبتي اجلالا واكراما لكل تلك الصور التعبيرية والمشاهد التمثيلية الواقعية القديرة التي عايشت تلك المأساة بكل صدق وعبرت عنها أفضل تعبير، ربما لم يكن حتى بمقدور مؤلف الرواية ان يصدق ان روايته بلغت تلك الدرجة العالية من التراجيديا التي شدت الانظار وكان الملايين من العرب وحتى الاجانب حتى وان لم يعرفوا اللغة العربية ، يروا حقيقة ما يحل بمجتمعنا من نكران الرجال لمواقف الرجولة ومن تنكر الابناء لامهاتهم وتخليهم عنهم وهي التي اوصلتهم الى قمم المجد ، وكانوا في عيشة مرفهة، لكن الطمع والجشع وانعدام الإحساس بآدمية البشر ، الذي استشرى بين البشر أفقد الانسانية كل شيء، وهي تودع آخر معالم قيمها الى غير رجعة.

((إقبال يوم أقبلت..)) صحوة عربية ثقافية غاية في الابداع والتألق القيمي..نعم انها (صحوة ضمير) حتى وان كانت متأخرة، لأن هناك من ظهر من بين مشاهد حلقات المسلسل من عبر عن مواقف انسانية سامية ، وأظهر خدم وأقارب مواقف مساندة لتلك الإمراة التي تحولت من أديبة ومثقفة وبرجوازية الى تائهة في الصحراء تعاني التشرد والمأساة بكل عنفوانها وتراجيدتها ، وهي شاردة من الدنيا ومن قسوة ابنائها وزوجها وتدني أخلاقيات العوائل التي لم يعد بين جنباتها أدنى اهتمام بأسرها ، بل لم يحترموا مكانة اقدارهم واقدار أمهاتهم وأبائهم وقد تركوهم وحدهم يجرون أذيال الخيبة والخذلان في مشاهد مروعة أذهلتنا وابكتنا، وشدتنا بإسلوبها الساحر واثاراتها البارعة ، وفي تدرج احداثها وترابطها، وتماسك حلقاتها ، وفي روعة اداء تلك البطلة ( اقبال ) او هدى حسين ، العراقية الاصيلة التي اعدها من راوئع من قدمت عملا ابداعيا ختمت به مسيرتها الفنية واوصلها الى قمم الابداع والتألق، وتستحق عليه جائزة كبرى تكريما لكل هذا الاداء الرائع والمتميز ، وهي تستحق مثل هذا التكريم عن جدارة، مثلما يستحقه المؤلف الذي روى كل تلك المشاهد وابدع فيها ، وهي ليست من واقع خيال بل من واقع حقيقي استشرى في مجتمعنا العربي وعلى صعيد عالمي ، وينبغي دق جرس الانذار حين تنطفيء القيم وتتدهور مكانتها، لتدحرج بنا قهقهريا الى الوراء!!

“إقبال يوم اقبلت “..عمل ادبي وقصصي رائع ، يرتقي بنا الى الأعالي ، من حيث البناء والنظم الفني وانسجام الافكار والمواقف وقدرته على التعبير الواقعي الأصيل عن تلك القيمة والمثل الكبيرة المدوية التي تركتها رواية (الشيخ والبحر) لارنسمت همنغواي ، من حيث الأثر الفني ، وحازت في وقتها على جوائز عالمية ثمينة، وغيرها من القصص الانسانية التي نالت شهرة عظيمة على مر الزمان ..وهذه القصة او المسلسل يرتقي الى تلك المكانة التي نالها همنغواي عن جدارة!!

إقبال ذكرتني بإمراة عراقية ، شبيهة لها في تكوين الشخصية، حتى وان لم تعايش نفس فصولها أو محنتها، لكن لها أوجه شبه معها، في السلوك ، وكلما تمعنت فيها وفي شخصيتها تذكرت تلك العراقية الأصيلة المبدعة، الساهرة على عملها وابداعها، وهي تحاول ان ترتقي بسلوكياتها الى تلك الإمرأة، من حيث النضوج الفكري والقيمي، والتساؤلات وتعبيرات الوجه وسحنة الألم التي ترتسم على خدها، وقد شدتني الى حلقاتها الممثلة الرائعة هدى حسين، وأشعرتني بالفخر والاعتزاز لقيمة إمرأة لم يستطع الدهر ان ينال منها رغم فداحة المصاب وقساوة الحياة وجورها وظلمها عليها، حتى وإن بكت في آخر حلقات المسلسل وأبكتنا معها ، ومزفت قلوبنا واحالتها الى ما يشبه الهشيم المتناثر !!

تحية واحتراما يشعرنا بالزهو والفخار..ونحن نتابع حلقات هذا المسلسل الكويتي الذي عبر عن محنة أليمة وقاسية شدتنا طوال حلقاته في الشهر الفضيل، وهو بمضامينه يشكل ادانة صارخة لهذا الإنحدار القيمي في السلوك ، الذي لم يبق في القلوب إلا غصات ألم مريرة ، يكاد تتفطر من محنتها القلوب والضمائر ، وتنعى الحياة ومثلها وقيمها واخلاقياتها حظها العاثر، لأن اوضاع وسلوكيات بعض تلك النماذج من الآباء والابناء وصلت الى كل تلك القطيعة، مع أسرها وغابت معالم الأبوة والابناء والرجولة وابسط معانيها ، وحلت القيم المادية وطمع البشر وجشعهم الرهيب، وتنكرهم لأبسط القيم الانسانية لتحول حياة الكثيرين الى جحيم لايطاق، وحسرات تكاد تتفطر منها السماء من شدة هولها وفجاعة المصاب الجلل الذي حل فينا، حتى جفت تلك القيم الخصال الرائعة التي كانت تختزن بين جنباتنا ، واذا بها وقد ذابت وذبلت ولم تبق لنا الا أجسادا وعظاما بلا مشاعر وأحاسيس واختفت الكرامات ، وكل بقايا لإشعاع من نور في تلك الدنيا التي إظلمت وغادرت شمسها وهجرها قمرها المنير ليحولها الى أيام وليال حالكة ، لاتدري الاجيال ان ينتهي بهم المسار في زمن قلما وصل الانحطاط القيمي الى تلك الدرجة السحيقة من الانهيار!!

أرفع قبعتي إجلالا واكراما مرة أخرى ، لذلك المسلسل الذي أبهرني وشدني وأبكاني ومزق جوانحي، وجوانح الملايين الذين تابعوه يشغف (اقبال يوم أقبلت) …ولكل من شارك في هذا المسلسل الرائع كل محبة وتقدير..!!.