حاورتها – سماح عادل :
الكاتبة المصرية “منال عبد الحميد” كاتبة من الصعيد.. تتنوع أعمالها الروائية ما بين روايات رعب، ورومانسية وروايات تتناول التاريخ القديم.. أصدرت “سلسلة الليالي الألف ج1 (جنون شهرزاد) 2013 – سلسلة الليالي الألف ج2 (جام جامشيد وخمست طيباوي) 2013 – رواية (الدفينة) 2015 – رواية (ستيغماتا) 2015 – رواية (السبي) وهي أول أجزاء الثلاثية التاريخية (على أنهار بابل) 2016 – المجموعة القصصية (تابوت العهد) 2016”.. أجرت (كتابات) معها هذا الحوار حول كتابة المرأة للتاريخ وروايات الرعب..
(كتابات): في روايتك “بتول” انتقدت بشدة وضع المرأة في مصر خاصة بعد ثورة كانون ثان/يناير.. حدثينا عن ذلك ؟
- بتول آخر عمل روائي كتبته.. وهي واحدة من أكثر تجاربي الأدبية تفرداً واختلافاً، تركت أجواء الرعب والأساطير والخوارق لأنزل إلي خوارق أكثر قرباً وملامسة لنا، وهي خوارق مجتمعنا.. وفي رأيي المجتمع العربي بشكل عام لديه نظرة ضيقة ومحدودة جداً للشرف.. إنه يختزل الشرف في جسد المرأة أو الفتاة، ولا يهتم مطلقاً بما وراء ذلك من معاني، فما سمعته منذ كنت صغيرة من حوادث تعدي واغتصاب لبعض الفتيات، وما كنت أسمعه بعدها من تعليقات تؤكد أن تلك الفتاة أو المرأة (المغُتصبة) قد صارت لعنة وسبة، باعتبارها امرأة فاقدة الشرف وغير مرغوب فيها، دفعني إلي التفكير في معني أن يُدان المجني عليه، وهو المرأة هنا، ويصير هو الموصوم وليس الجاني، الرجل أي يكن وصفه القانوني أو العقوبة المطبقة عليه، ورواية “بتول” هي نتاج كل تلك الأفكار وخلاصتها، و”بتول”، بطلة الرواية، باعتبارها فتاة ثورية، تتعرض للاعتقال، تجد نفسها في آتون تلك المعركة الضارية، التي لا هدف لها سوى التحقق من كونها لم تفقد شرفها في المعتقل.. بغض النظر عن أنها كانت معتقلة ومقيدة الحرية ومجبرة على كل شئ.. إنها قصة ذلك المجتمع الفريد الذي يطال فيها العقاب المجني عليه وليس الجاني، والذي تصير فيه الفتاة المجني عليها هي الملعونة والمجللة بالعار بينما لا يلحق بالجاني أي تعيير أو مهانة !.
(كتابات): في رواية “على أنهار بابل” لما الاهتمام بتاريخ المملكة اليهودية وشتاتهم الأول على يد ملك بابل ؟
- في الحقيقة فإنني أعشق طرق الأبواب المغلقة والضرب على الأوتار.. التي قلما فكر أحد من قبل في الضرب عليها، لا أعني طبعاً أنه ما من أحد قد كتب عملاً أدبياً حول تلك الفترة الشائكة، والغامضة أيضاً، من تاريخ ما يسمي بـ(مملكة إسرائيل) قبلي، لكنني أقصد أن قراءتي الخاصة، وربما المختلفة للموضوع، جعلت لدي رؤية أحب أن أقدمها في شكل عمل أدبي بعيداً عن جمود السرد التاريخي الخالص، وعن النظرة الأحادية لقصة من أهم قصص التاريخ القديم.. بداية أن لا أعتقد مطلقاً في وجود أية علاقة بين العبرانيين وبني إسرائيل القدماء، وبين من يدينون باليهودية اليوم، ومن هذا المنطلق تناولت قصة (السبي البابلي) بحرية تامة، لم أتعمد نفي أي حادثة تاريخية أو تفسيرها على نحو ينفي العلاقة بين (يهود يهوذا وإسرائيل) القدامى وبين المستوطنين اليهود المحتلين لأرض فلسطين اليوم، لأنه لا وجود لتلك العلاقة من الأساس بالنسبة لي.. وقصة السبي قصة مؤلمة مثلما هي موحية وملهمة، وفي باطنها معاني كثيرة، بعضها منطبق بشدة على تاريخنا الراهن، وجملة ما قصدته هو أن أقدم شكلاً من القص التاريخي يعتمد على تمحيص النص وليس على التبرؤ منه وتفسيره بوجهة النظر الشخصية.
(كتابات): ما الهدف في رواية “ستغماتا” من تناول الرهبنة المسيحية ؟
- بداية أنا عندما أكتب فأنا أكتب (فكرة) وليس (هدف).. بمعنى أنني أحب الفكرة أولاً وأدرسها، ثم أعكف على الكتابة دون تعمد دس رسائل معينة في العمل، ومثلما فعلت عندما كتبت (ثلاثية على أنهار بابل)، وحاولت أن أتخلص تماماً من تحيزاتي الشخصية، ومن أفكاري المسبقة، كذا صنعت في (ستيغماتا)، فأنا أؤمن أن لكل إيمان جانبه الصادق والروحي الخاص به.. وفي هذه الرواية قدمت رؤيتي الخاصة لظاهرة إعجازية يؤمن بها عدد لا يستهان به من البشر، وهي ظاهرة علامات الصلب المقدسة.. لم أنفي الظاهرة ولم أثبتها بل ناقشتها، بمعنى أنني تركت قناعاتي الخاصة جانباً وحاولت التخلص من تأثيرها علي تماماً، فخرج العمل في الصورة التي كنت أتمناها وأطمح إليها تماماً.. وكان أجمل نقد تلقيته عن (ستيغماتا) هو أن الرواية لا توحي أبداً بأن كاتبتها عربية من خلفية مسلمة وهذا ما كنت أتمنى تحقيقه بالضبط.
(كتابات): ما سر شغفك بالتاريخ وظهور ذلك في رواياتك ؟
- الحقيقة أنني درست التاريخ دراسة أكاديمية.. فأنا حاصلة على ليسانس آداب قسم التاريخ، كما أنني أقوم بتدريسه أيضاً من خلال عملي كمعلمة دراسات اجتماعية للمرحلة الإعدادية.. وقبل كل ذلك فأنا أعشق التاريخ، لدي ولع خاص قديم بالقصص والحكايات ذات الطابع التاريخي، وقدرة على الغوص في الحوادث التاريخية وتذكر كل تفاصيلها، كما أن تمتعي بنعمة الخيال جعلني أتخيل كل حدث وكأنني أراه أمامي، وذلك هو سبب حبي للكتابة التاريخية لأنني أصف الحدث، بعد القراءة الموسعة عنه، مثلما تترائى لي المناظر والصور في خيالي.
(كتابات): هل لديك مشروع إبداعي تسعين لتحقيقه أم كل رواية لها موضوع مستقل ؟
- مشروعي الأدبي الوحيد هو ألا أكتب شيئاً غير مقتنعة به.. إلا في حالة مناقشة تلك الأفكار وعرضها بأمانة، أما غير ذلك فأتمنى ألا يأتي اليوم الذي أكتب فيه وفقاً لما يريده الجمهور وأحلام (البيست سيلر)، لأنني أعتقد أن القلم الموجه من أي طرف آخر، عدا صاحبه، هو قلم كاذب خاطئ ومخادع وغير صادق النوايا.
(كتابات): هل واجهتك عقبات ككاتبة تعيش في منطقة الصعيد ؟
- بالطبع الكثير والكثير من العقبات.. لعل أشدها صعوبة هو رفض الأهل لفكرة (فتاة موهوبة) هذه من الأساس، كما أن عائلتي من ضمن العائلات النادرة التي تقدس البلدة التي نشأت فيها، ولا ترى ضرورة في الانتقال إلى غيرها، خصوصاً بالنسبة لفتاة غير متزوجة، ولو لبضع أيام لحضور فعاليات أو معرض كتاب، إلا نوعاً من الانحلال الخلقي والانفلات وقلة الأدب.. ولا زلت، رغم كل ما حققته من أعمال مطبوعة وانتشار جيد إلى حد ما في أوساط القراء، أعاني من نفس المشاكل وأتحمل نفس النوعية من المعاملة، لكنني تعلمت الصبر والتجاهل، وأمضي في تحقيق ما أريد تاركة الدنيا تولع من خلفي ما دمت لا أفعل شيئاً يهين أسرتي، أو يقلل منها، أو يسئ إليها بين الناس.
(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في مصر والعالم العربي ؟
- مزري طبعاً.. النشر تحديداً صار سوقاً لكل ما هو ردئ وساقط، ناشرون نصابون يستغلون أحلام الكتاب الجدد ويتلاعبون بها، دور نشر لا تحترم كلمتها ولا تفي بوعودها، أعمال يتم سلقها بدون الاهتمام بالتصحيح والتنسيق الكافي لها، أعمال جيدة جداً ومهمة ملقاة على الرف ولا أحد يعيرها اهتماماً، وأقصد هنا أعمالاً لزملاء وشباب كتاب قرأتها بنفسي ووجدتها فوق الممتازة لكنها لا تحظى بأي رواج بين القراء، وفوق كل هذا فإن المتلقي العربي مطحون بين أزمات سياسية، وحروب في بعض الدول العربية الشقيقة، وبين مطالب حياتية يومية صار الوفاء بها عسيراً، ويزداد صعوبة يوماً بعد يوم.. صحيح أن هناك أعمالاً تحقق نجاحاً ورواجاً، وبعضها عن جدارة واستحقاق فعليان، لكنني أعتقد أن ثمة الكثير من الغبار يتطاير في الوسط الثقافي العربي، والمصري خصوصاً، ويحجب بعض من يستحقون ويخفيهم عن أعين القراء المتحمسين.
(كتابات): هل الروايات التي تتناول الرعب والمغامرات والتاريخ القديم غير المعروف هي الرائجة هذه الأيام ؟
- لم يعد من الممكن الحكم أن نوعية معينة من الروايات هي الرائجة هذه الأيام.. فالسوق متقلب بشدة، والنوع الذي يروج جيداً في مرحلة، لا يلبث أن يلحقه الركود في مرحلة لاحقة وربما أقرب مما نتخيل.. لكننا نستطيع أن نقول نعم: روايات الرعب والأعمال التاريخية تكاد تكون هي المتصدرة لعرش القراءة اليوم، وبالطبع تأتي معها، وربما قبلها، الأعمال الرومانسية، وما يسمونه الأدب الملتزم وخلافه.. لكن اتخاذ ذلك قاعدة دائمة هو مجازفة كبيرة.
(كتابات): من الكاتبات اللاتي أثروا بك وفي رأيك هل هناك كاتبات متميزات في الثقافة العربية ؟
- في الحقيقة أنا لست من النوعية التي تحدد قراءتها وفقاً لنوع الكاتب أو جنسه، فلا أهتم مطلقاً بما إذا الكاتب الذي أقرأ له رجلاً أم امرأة، ولكن أستطيع أن أحدد بجوار أسماء عدد من الكتاب الذين أثروا في كثيراً، أسماء كاتبات تأثرت بهن بشدة أيضاً مثل “مارغريت أتوود” بثراء أسلوبها وحنكتها وغوصها الغريب في مناطق تبدو لنا مكشوفة، “زيغريد هونكه” و”كارين أرمسترونغ” شكلا وعيي بطريقة كبيرة، و”أليس مونرو” ذات القلم الرشيق الرقيق أحبها كثيراً، أما عن الكاتبات العربيات فبالطبع هناك من تتمتع بالتميز وأناقة الأسلوب ورشاقته، لكنهن لا يزلن يحفرن خطواتهن ويمهدن الطريق أمامهن، هناك من الأسماء التي قرأت لها شخصيا، “رانيا حجاج” و”صفاء حسين العجماوي” و”رباب فؤاد” وغيرهن.
(كتابات): هل هناك إقبال من الشباب على القراءة وما هو السبب ؟
- نعم هناك إقبال من بعض الفئات من الشباب، وليس كلهم، على القراءة، لكن المشكلة أن قراءتهم تكاد تنحصر في عدة نوعيات معينة من الكتب أو الروايات.. فنجد قراء ومحبي الروايات لا يكادون يقبلون على شراء الكتب العلمية والتاريخية إلا نادراً، وعشاق الكتب يقللون من شأن الروايات ويعتبرونها بلا قيمة أو فائدة.. والسبب في رأيي هو انتشار نوع من الوعي عقب كانون ثان/يناير 2011، وظهور موجة من الشباب المحب للثقافة، والراغب في أن يستكشف العالم بعيداً عن أطروحات الأنظمة في قنواتها الرسمية، أو ما تقدمه له القنوات الخاصة، ولم يكن هناك من سبيل لكي يعرف ويكتشف ما هو أبعد وأكثر شمولاً من القراءة.