(1)
في مقال سابق، وعند الحديث عن “اللاأدرية” نوهنا الى أن الفنان العربي الكبير محمد عبد الوهاب، كان على مذهب اللادأرية، واعطينا بعض الادلة على ذلك.
(2)
وفي كتابنا الموسوم” اللاأدرية” وهو في الحقيقة كتيب وليس كتاب، ايضا ذكرنا بأن محمد عبد الوهاب كان ينتمي الى جماعة اللاأدريين، واعطينا نموذج يوضح ما ندعيه، في الكتيب وفي المقال كذلك.
(3)
وهنا، وفي هذا المقال، نشير، بل نؤكد على قولنا السابق من أن الفنان محمد عبد الوهاب كان ينتمي انتماءً حقيقياً الى من ينتمون الى هذه المدرسة أو الفلسفة، أو الى ما اسماها بعضهم بالحركة،( وهو خطأ جسيم اذ أن هؤلاء ليسوا بحركة وانما هم جماعة يؤمنون بفكرة ما، يعود اساسها الى الفلسفة اليونانية)، ومن اراد تفاصيل هذا فليراجع تاريخ الفلسفة اليونانية- يوسف كرم.
(4)
اتعب نفسك قليلا وادخل على (اليوتيوب) واستمع الى اغنية عبد الوهاب (لست ادري)، وركز في مقدمة كلام عبد الوهاب قبل أن يغني الاغنية، وهي قصيدة طويلة ملحمية من قصائد الشاعر الكبير ايليا ابو ماضي. فقد اشار عبد الوهاب الى أنه قد تأثر بها ايما تأثير، حتى انها شغلته بعض الشيء وراح يتمعن في مفرداتها، ويدقق النظر في ابياتها، وفي فكرتها التي صاغها ابو ماضي على فلسفة معينة، هو يدري ما تدل عليه تلك الفلسفة وما تعنيه. وهي فلسفة اللاأدرية، فأبو ماضي يشير في قصيدته على انه جاء الى الدنيا ومن ثم كبر وهرم واوشك أن يغادر هذه الدنيا وهو نفسه لا يدري لماذا جاء؟، ولماذا سيرحل عنها، وما هي الامور التي حققها لذاته ولنفسه وللمجتمع؟.
وبيّن عبد الوهاب أنه يشعر كذلك بما شعر به ابو ماضي، وكأن عبد الوهاب يدق على نفس الوتر الذي دق من قبل عليه مئات الفلاسفة، من طاليس اليوناني الى آخر فيلسوف من فلاسفة القرن الواحد والعشرين، مرورا برتراند راسل وهيوم وسواهما.
فلو دققت الفكر بما قال عبد الوهاب، وهو يخرج مخارج الحروف في كلماته، وكأنه يصوعها صياغة لا يخرجها من طرف لسانه فحسب، بل تراه يخرجها من قلبه؛ حتى أنه قال وبالحرف الواحد، أنه تهيّب اول مرة حينما فكر بتلحينا وجعلها اغنية تخرج الى الناس بدل أن تبقى في طيات الكتب قصيدة حالها حال العديد من القصائد لكبار الشعراء. الا أنه وكما اكد، شمرّ عن ساعده وبدى بتلحينها، وقد نجحت نجاحا منقطع النظير، وقد غناها من بعده بعض المطربين الكبار، كان على رأسهم العندليب عبد الحليم حافظ.
(5)
وما يؤكد على لا أدرية عبد الوهاب اغنية المعروفة” من غير ليه” والتي كتب كلماتها الشاعر المبدع مرسي جميل عزيز، فقد ابدع في تلحينها وفي ادائها عبد الوهاب. لأن عبد الوهاب قد تفاعل مع كلمات الاغنية حيث تشير الى ما تكنه من قضايا فكرية فلسفية تمس واقعه من الداخل وتدق شغاف قلبه، بل أنه قد انصاع لكلماتها انصياع الحبيب لحبيبه، فجاءت الاغنية سبائك من ذهب الابداع، مصاغة بعبقرية عبد الوهاب. الامر الذي جعل من الازهر (الشريف) أن يقوم بمنعها برهة من الزمن، اما لماذا يفعل الازهر كذلك( لست ادري) فقد حصل المنع (من غير ليه).