كتبت – سماح عادل :
هي قاصة وروائية سورية، اسمها “هيفاء باسيل بيطار”، ولدت في 1960 في مدينة اللاذقية، سوريا.. عملت طبيبة متخصصة في أمراض العيون وجراحتها في مستشفى اللاذقية الحكومي وعيادتها الخاصة.. وهي عضو جمعية القصة والرواية في سوريا.
رواية “الهوى”..
الرواية تحكي عن بطلة مهزومة “إيمان”.. التي تعمل ممرضة بإحدى المستشفيات الحكومية في سوريا، تعاني من ظروف عمل قاسية، فهي تقضي ساعات عمل طويلة في مستشفى عام نخره الفساد، وتتقاضى أجراً ضئيلاً جداً لا يكفي للإنفاق على ابنها، حيث أنها مطلقة وتعيش بصحبة والديها.. الرواية تنقل الصراعات الداخلية لإيمان التي تضطر إلى أن تصبح فاسدة هي الأخرى، وتسرق مستلزمات المستشفى لتبيعها لرجل شرير غليظ الهيئة، وتكتشف أنه حلقة في سلسلة كبيرة من الفساد تمتد إلى المسؤولين عن المستشفى أنفسهم بما فيهم مديرها، تظل تسرق الأدوات وتبيعها لتوفر لطفلها أشياء بسيطة ليعيش بشكل إنساني.. ومن الطريف أن الكاتبة تستطيع استجلاب عطف القراء على “إيمان” رغم أنها مذنبة وشريكة في الفساد.
فهي وصديقاتها الممرضات يعانين من وطأة حياة صعبة، ليس فقط على مستوى الفساد الاقتصادي، وإنما أيضاً تحت وطأة قمع سلطوي لسوريا قبل الثورة وسنوات الحرب والتمزق.. تصور الكاتبة في جرأة تردي المجتمع وتسلط النظام الحاكم وخرابه سياسياً واقتصادياً، من خلال انعكاسات ذلك على عالم الممرضات اللاتي يهلكهن العمل الروتيني البائس وصدمات اختطاف الأشقاء والأقارب وسجنهم أو اختفاؤهم قسرياً.
البطلة الرئيسية هي “إيمان” التي تحكي عن الخارج وتمر بحوار داخلي طويل يمتد بطول الرواية، تتعرض “إيمان” للسجن لأن عصابة سرقة المستشفيات يضحون بها ككبش فداء، ويتم سجنها بتهمة السرقة وتضطر إلى شراء براءتها من القاضي الذي برء كل المتورطين ما عدا هي، وتخسر كل الأموال التي جمعتها من السرقة، ويزداد بؤسها ولا تعود تطيق العيش مع والديها الذين يحاصرونها نفسياً ويشعرونها دوماً أنها تابع.
الرواية ترصد هموم المرأة الفقيرة التي تتعرض ليس فقط لقهر الفقر وإنما لقهر كونها امرأة في مجتمع أبوي، تظل محكومة دوماً بدور التابع والإنسان غير العاقل الذي تجب عليه الوصاية، ليست كتابة نسوية بالمعنى الضيق وإنما هي كتابة تنتصر للمرأة، وترصد أحوال المجتمع من حولها وتفضح ترديه وانهياره.. وتتميز الرواية بأنها قدمت بطلة ليست مثالية تماماً وإنما بطلة تطولها الخطيئة، خطيئة السرقة، والسكوت على الفساد، لتقول أن ليس كل الأبطال كائنات لا تخطئ، لكنها ربما تخطئ تحت وطأة ضعف نفسي ولحظات استسلام وانهيار، وهي تعترف بخطئها من داخلها ولا تقدم تبريرات له.
تستشعر “إيمان” الخلاص حين تقابل مصادفة كاتب شهير على مشارف السبعين، يتزوجها وتعيش معه حياة مريحة في بيروت، لكنها سرعان ما تكتشف أنه أناني وقاسي ولا يعبأ إلا بنفسه، وأنها انتقلت من جحيم الفقر والتبعية لوالديها إلى التبعية لعجوز مغرور واستحواذي، وتعود مرة أخرى للعمل في المستشفى وللعيش مع أهلها.
“يوميات مطلقة”..
في رواية “يوميات مطلقة” تتناول “هيفاء بيطار” التمزق النفسي الذي تتعرض له المرأة المطلقة، التي تفشل حياتها الزوجية وتضطر أن تكون وحيدة.. من خلال حكي الراوية عن نفسها بضمير المتكلم، في حوار داخلي عميق ويبدو أن “هيفاء بيطار” تحب هذا النوع من التشريح للذات، والغوص داخل أعماق النفس ومساءلتها.. البطلة فتاة مطلقة تعاني نظرة المجتمع لها، وتقييده كما تعاني من وصاية الأهل وهجر الزوج الذي يتركها معلقة عدة سنوات، لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، وتحرم من أن تعيش حياة إنسانية بدعوى أنها مكتوبة على اسم رجل.
تناقش “هيفاء بيطار” الظلم الذي يقع على المرأة في المجتمعات الشرقية بجرأة، وتؤكد على حرية المرأة كحق أصيل لها، وعلى ضرورة أن تعامل كإنسان حر لا كتابع، رغم أن معظم الكتابات النسائية تهتم بمثل تلك القضايا التي تخص النساء وقهرهن وقمعهن، والتي بدأت منذ سنوات عديدة إلا أن هذه المشاكل لم تحل بل تتفاقم أكثر وتزداد سوءاً مع النزاعات والحروب، وميل التيار المحافظ إلى التسيد في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة، وفي رأيي أن الكاتبات اللاتي يكرسن كتاباتهن للدفاع عن المرأة وحقوقها يعرضن أنفسهن لمخاطرة كبيرة، لأنهن غالباً ما يوصمن وتتم مهاجمتهن باعتبارهن يخرجن عن التقاليد والعادات وينادين بأشياء لا يألفها المجتمع، وقد يفتش بعض القراء عن حياتهن الخاصة داخل نصوصهن الأدبية، إنها مغامرة وتمرد.
المرأة دفنت في الصمت..
تقول “هيفاء بيطار”، في حوار لها مع “عالم نوح” الصحيفة السورية: “المرأة التي دفنت في الصمت لسنوات، والتي لم تملك الجرأة على التعبير عن مشاعرها وأفكارها طوال عقود، دخلت عالم الكتابة بحماسة وكانت كتابتها أشبه بالصراخ لتنفيس كبت مديد، وفعلاً احتلت قضايا المرأة والأنوثة كتابة العديد من الكاتبات، لكن السنوات العشر الأخيرة قدمت لنا روايات عظيمة لكاتبات خرجن من منظور الأنوثة الضيق، وكتبن روايات تعكس الواقع الاجتماعي، وتفوقن على كتابات العديد من الكتاب الرجال، كم من الكاتبات اللبنانيات كتبن عن الحرب الأهلية في لبنان، وكم ازدهر الأدب النسائي في السعودية وتجرأ وخرق الخطوط الحمر هناك مثلاً رواية “الآخرون” لصبا الحرز، أما عن نفسي ورغم أنني أتهم دوماً بتحيزي لقضايا المرأة فقد كتبت أكثر من أربع روايات وعشرات القصص القصيرة تفضح الفساد بكل أشكاله، خاصة فساد القضاء وفساد النفوس وتغيير الأخلاق، لم تعد الكاتبة مسكونة بهاجس الأنوثة الضيق وأظن أن أهم ما يتميز به عصرنا هو تألق المرأة في كل المجالات، يكفي أن نتذكر أن ثلاث كاتبات حصلن على نوبل في السنوات الخمس الأخيرة وهن “دوريس ليسنغ”، و”الفريدة يلنيك”، و”هيرتا موللر”، أليس هذا أكبر مؤشر على أن الألفية الثالثة للنساء ؟”.
وعن مدى حريتها أثناء الكتابة تصرح “هيفاء بيطار”، أنها “لا لم أقل كل ما أريد قوله، وبصراحة أنا مسكونة بالخوف من الرقيب الذي يتمتع بالسلطة المطلقة ليبطش بكل فكر يهدده أو يعتبره معارضاً له، وأحس أن هناك رقيباً صغيراً مزروعاً في خلايا دماغي، وهو أشد خطورة من الرقيب الخارجي لكني أنجح إلى حد كبير بالتحايل على الرقيب، كأن أكتب عن مدن بلا جغرافيا وشخصيات متنفذة بلا أسماء، الكتابة المواربة هي الحل لكني أحلم بزمن أعتلي فيه خوفي وأسحقه، وأكتب عملاً متعمداً بماء الحرية”.
وعن إشكالية اضطهاد المرأة تقول: “الرجل يتحمل المسؤولية الأكبر عن اضطهاد المرأة، لأنه المشرّع ولأنه يسن القوانين وطبعاً يسنها لمصلحته، ولأنه يسخر الدين لمصلحته أيضاً، كم من الآيات القرآنية والأحاديث والفتاوى، حورت وفسرت خطأ من أجل مصلحة الرجل، لكن هذا لا يمنع أن عدو المرأة هي المرأة أيضاً وبأن النساء مسؤولات عن جزء كبير من تخلفهن، وأعرف العديد من النساء يفضلن أن يكن جواري وأن يصرف الرجل عليهن من أن يسعين ليكون لهن دوراً في المجتمع، لكن أنا أؤمن أن تحرر المرأة هو مسؤولية النساء”.
أعمالها..
1 . ورود لن تموت (قصص) 1992
2 . قصص مهاجرة (قصص) 1993
3 . ضجيج الجسد (قصص) 1993
4 . غروب وكتابة (قصص) 1994
5 . يوميات مطلقة (رواية) 1994
6 . قبو العباسيين (رواية) 1995
7 . خواطر مقهى رصيف (قصص) 1995
8 . فضاء كالقفص (قصص) 1995
9 . أفراح صغيرة، أفراح أخيرة (رواية) 1996
10 . ظل أسود حي (قصص) 1997
11 . موت البجعة (قصص) 1997
12 . نسر بجناح وحيد (رواية) 1998
13 . امرأة من طابقين (رواية) 1999
14 . الساقطة (قصص) 2000
15 . أيقونة بلا وجه (رواية) 2000
16 . امرأة من هذا العصر (رواية) 2006