كتب – محمد بناية :
على عكس توقعات الكثير من المفكرين الإيرانيين، لم يسفر صعود “جماعة الإخوان المسلمين” إلى السلطة في مصر عن أي تطور في العلاقات الإيرانية – العربية. وبخلاف أسباب هذه الحقيقة فالأهم، من منظور “حسن أحمديان” الباحث بوحدة أبحاث السياسات الخارجية بمركز الدراسات الإستراتيجية التابع لـ”مجمع تشخيص مصلحة النظام” الإيراني، هو الإمكانيات الكامنة في العلاقات مع “الإخوان المسلمين” على المستوى الإقليمي.
وبعد الإطاحة بالدكتور “محمد مرسي” تعرض التيار الإقليمي للإخوان إلى هجمة منقطعة النظير، وعجزت الجماعة، رغم دعم بعض دول المنطقة – مثل قطر وتركيا -، من المحافظة على مكانتها قبل انقلاب 2013. على حد وصف الكاتب الإيراني.
صعود سلمان إلى سلطة السعودية حول الدفة نحو “الخطر الإيراني”..
يضيف “أحمديان”، عبر أحدث مقالاته التحليلية بعنوان “إيران والإخوان المسلمين: هل من فرص جديدة” التي نشرت مؤخراً على موقع “مركز الدراسات الاستراتيجية”، مؤكداً على انه: “تسبب صعود الملك “سلمان” إلى السلطة في المملكة العربية السعودية، واهتمامه بمكافحة “الخطر الإيراني”، بدلاً من “الخطر الإخواني” – ذلك المنهج الذي ابتدأه الملك “عبد الله” – في انفراجة سياسية للإخوان في بعض دول المنطقة.
مع هذا لم ولن يكن تبديل مشروع الإخوان المستقل إلى أداة في المؤامرات الإقليمية مقبولاً بالنسبة للجماعة أو أنصارها. وبالتالي كان المتوقع أن يقوم “الإخوان المسلمون” بتحرك مستقل على الصعيد الإقليمي.
أسباب ترميم العلاقات الإخوانية الإيرانية..
لقد كانت علاقات الإخوان مع “إيران” أحد المجالات الأساسية في رسم وتبني سياسة مستقلة. ويبدو أن الإخوان وحلفاءهم كانوا بصدد ترميم العلاقات مع إيران لأسباب:
1 – اختلاف سياسة “قطر” – مقارنة بالماضي – حيال “العراق” و”إيران”، ومنها اللقاءات التي قيل إن وزير الخارجية القطري عقدها مع مسؤولين إيرانيين في العراق. وكذلك تصريحات أمير قطر اعتراضاً على مساعي الرياض لفرض العزلة على إيران. حينها وصل الصراع بين الدوحة والرياض إلى مرحلة غير مسبوقة.
2 – نشر تصريحات الأمين العام السابق لـ”حزب الكادر الإسلامي” وأحد الأعضاء البارزين لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بشأن السياسات الإقليمية الإيرانية وضرورة إعادة التفكير في كيفية التعامل مع إيران وعدم تسميتها بالعدو الأول بدلاً من إسرائيل.
محاور الإتفاق الإخواني الإيراني..
لكن وطبقاً لـ”أحمديان”، كان موقف “الإخوان المسلمين” من بعض القضايا الرئيسة في المنطقة، لا سيما سوريا واليمن، سبباً رئيساً في الخلافات مع “إيران”.
مع هذا ومن المنظور الاستراتيجي، لم تكن اولويات التيار الإخواني في المنطقة تتعارض بشكل مباشر مع إيران، وإنما أحياناً كانت تتفق مع السياسات الإقلمية الإيرانية. ومن جملة محاور الاتفاق يمكننا الإشارة إلى:
أ / معارضة مشروع تسمية “إيران” بالعدو الأول للعرب والمسلمين بدلاً من إسرائيل.
ب / الانتصار لمبدأ الحوار الشيعي – السني، وإن تراجعت بعض الشخصيات عن الفكرة أمثال “القرضاوي”، لكن ثمة نماذج أخرى مثل “بنى ارشيد” جددت التأكيد على هذا المبدأ.
ج / رفض التماشي مع خطاب “ترامب” وتصرفاته المناوئة للإسلام، والانضمام إلى المحور المعروف باسم “الاعتدال العربي” الذي يعمل لصالح إسرائيل ويعارض إيران.
د / معارضة الهيمنة السعودية على صناعة القرار العربي والإسلامي.
إحياء جديد للمحور الإخواني في مجابهة محور “الإعتدال العربي”..
يلفت الباحث الإيراني بقوله: “لكن المهم بعد الإطاحة بالرئيس “مرسي” وإضعاف مكانة التيار في المنطقة، وافق “الإخوان المسلمون” على التماشي مع “المملكة العربية السعودية” إلى حد ما. والحقيقة أنه لم يكن للإخوان بديل في تلك اللحظة. لكن يبدو أن الدعم السعودي وخصوصاً الإماراتي للسيسي، وعداء الطرفين لا سيما الإماراتي مع نظام “أردوغان” (وقد ساعدا كلاهما في الدعم المباشر وغير المباشر للانقلابيين في تركيا)، واستخدام السعودية لـ”حزب الإصلاح” اليمني ضد الحوثيين، قد فرض على الإخوان المسلمين إطاراً منهجياً جديداً”.
والمعارضة السعودية للدعم القطري للإخوان المسلمين وانحياز تركيا للجانب القطري في هذه المسألة، ينم، كما يقول “حسن أحمديان”، عن إحياء جديد للمحور الإخواني ضد المحور المعروف باسم “الاعتدال العربي”.
ونظرة على قائمة الشخصيات والمؤسسات التي نشرتها الدول الأربع المقاطعة لقطر تحت مسمى قائمة الإرهاب، نجدها ذات جوانب ضد إخوانية مرفوضة من جانب تركيا وقطر. ورغم أن تركيا نأت بنفسها عن الصراع الخطابي مع السعودية فيما يخص أزمة حصار قطر، بدا واضحاً أنها اتخذت سياسات داعمة للدوحة. ناهيك عن وقوف تيار الإخوان في المنطقة وخاصة في دول العراق وسوريا إلى جانب قطر.
وعليه وفي ضوء هذه الأوضاع الجديدة نحن بصدد إعادة تعريف النظم الإقليمية. ينفصل فيه تيار الإخوان وحلفاءه تدريجياً عن السعودية فيما يخص التطورات الرئيسة بالشرق الأوسط. وبالتالي فإن تدخل الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” في معادلات الشرق الأوسط واستعراض القوة في اجتماع الرياض الثلاثي لن يفشل ليس فقط – على عكس التوقعات السعودية – في فرض سيطرتها على القرارات الجماعية للعرب والمسلمين ضد إيران، وإنما سيؤدي إلى تشققات كثيرة سوف تنتهي تدريجياً بخروج الإخوان من هذه الهيمنة. وفي هذه النظم الإقليمية الناشئة لن تعود علاقات الإخوان مع السعودية إلى ما كانت عليه قبل حصار قطر. ومن غير المتوقع، من منظور “أحمديان”، في ظل اصرار قطر على استقلالها وصمودها أمام القرار الجماعي للدول الأوربع التي تحاصرها، عودة الأوضاع الإقليمية إلى ما كانت عليه قبل الحصار. وبالطبع ستسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى رأب الصدع وألا تصب الخلافات العربية الداخلية في صالح إيران. لكن واقع انفصال الإخوان عن السعودية سوف يبرز بوضح في المستقبل. وعليه سوف تشهد المنطقة مستقبلاً – بخلاف المحورين المؤيد والمناوئ لإيران – ظهور ثلاث محاور هي المقاومة، والإخوان، والاعتدال العربي.