أربع عشرة سنة من تغييب العراق عن محيطه العربي بسبب العقلية الطائفية التي حكمت العراق بعد سقوط نظام صدام حسين ؛ هذه العقلية ساهمت مساهمة كبيرة في تأجيج الخلافات السعودية العراقية وعملت على تأجيج الشارع العراقي على كل شيء يمت للعروبة بصلة ؛ هذه السياسة جعلت جميع الدول العربية تنظر الى العراق بنظرة مختلفة عما كان عليه في السابق وهي محقة في ذلك لان العلاقات بين البلدان تبنى على أسس مشتركة ؛ فكيف تعمل الدول العربية على احتضان العراق وهو يزداد بعدا عنها ؛ وينضم الى تحالف يقف بالضد من سياساتها ؟
أصحاب النوايا السيئة لم يخبرونا عن حجم التدخل السعودي وخطورته بل عملوا على ترديد إسطوانة مشروخة ” السعودية راعية الإرهاب ” بدون أدلة قطعية لتأكيد هذا الكلام ! ومامن مسؤول فاشل الا وعلق فشله على شماعة السعودية ودول الخليج حتى أصبح الوضع يزداد سوءا ووصل الى حد القطيعة ؛ والمتضرر الأكبر من هكذا سياسة هو العراق بالنتيجة النهائية
إستمرت هذه القطيعة الى مجيء الدكتور حيدر العبادي الذي عمل بسياسة الإعتدال ونبذ سياسة الماضي الطائفية وهي السياسة الوحيدة القادرة على انقاذ العراق من مأزقه الراهن ؛ هذه السياسة التي تبناها العبادي كانت مطلبا مهما للقوى العراقية المدنية التي عبرت عنه بتظاهرات مستمرة الى يومنا هذا ؛ لعلمها المسبق ان السياسة الطائفية في بلد متعدد المذاهب ستؤدي الى كوارث فظيعة وهذا ماحصل في العراق نتيجة لتلك السياسة
ماكان للعبادي ان يحظى بهذا الاستقبال السعودي المهم لولا شعور السعودية بان هناك تغييرا لابأس به في سياسته تجاهها خصوصا بعد الأزمة مع قطر ؛ لقد نجح العبادي نجاحا كبيرا في تحييد الموقف العراقي تجاه هذه الأزمة ؛ برفضه الانضمام الى محور قطر أو محور السعودية ؛ وصرح تصريحا رائعا بهذا الشأن حيث قال لاينبغي على العراق ان يكون دائما في وسط المعركة
هذا الموقف العراقي المحايد لاقى ترحيبا من كافة الدول وتصدر عناوين الأخبار وساهم في تحسين الصورة النمطية المأخوذة عن العراق الجديد ؛ لأول مرة منذ 2003 اسمع موقفا عراقيا تعتز به العرب ويغطى تغطية اعلامية مهمة في قنوات قطرية وسعودية في نفس الوقت فهذا يدل على نمو ذهنية العبادي وانفتاحه على المشاريع التي تخدم المصلحة العراقية وهذا ما لمسناه من جملة الفقرات التي تمخضت عن الزيارة ومنها الإتفاق على تأسيس مجلس تنسيقي بين البلدين للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي المأمول وفتح آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات بما في ذلك السياسية والأمنية والاقتصادية والتنموية والتجارية والاستثمارية والسياحية والثقافية وتنشيط الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين ومتابعة تنفيذ ما يتم إبرامه من اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة
هذه الأخبار الجيدة تغيظ أصحاب المشاريع الطائفية الضيقة في الداخل العراقي وسيعملوا على تشويش هذه العلاقات الأخوية بين البلدين بكل ما أوتوا من قوة من خلال وسائل الإعلام التضليلية التي يمتلكونها ؛ لكن الشمس لاتحجب بغربال والزيارة كانت ناجحة بإمتياز وهي تدل على انتصار عراقي ستلحقه إنتصارات أخرى إن سار على هذا الإتجاه وابتعد عن الاتجاهات الاخرى التي جرته الى الوراء .