23 نوفمبر، 2024 10:38 ص
Search
Close this search box.

خوفاً من شبح “الطائفية” الجاثم .. قانون “النسبية” الإنتخابية اللبناني يثير الجدل !

خوفاً من شبح “الطائفية” الجاثم .. قانون “النسبية” الإنتخابية اللبناني يثير الجدل !

كتبت – نشوى الحفني :

قبل أربعة أيام من انتهاء ولاية البرلمان اللبناني، وفي خطوة تُخرج لبنان من مأزق الفراغ والفوضى السياسية، أقرّ “مجلس النواب اللبناني” الجمعة 16 حزيران/يونيو 2017، قانوناً انتخابياً جديداً يعتمد أساس النسبية، ممدداً مهامه 11 شهراً حتى أيار/مايو 2018 (موعد الانتخابات المقبلة)، لما تتطلبه التحضيرات التقنية لإجراء الانتخابات، وذلك بعد أن مددت ولايته مرتين منذ انتخابه عام 2009.

وينص القانون الجديد على تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، إلى جانب إقرار الصوت التفضيلي على أساس القضاء، واستخدام البطاقة الممغنطة التي تسمح للمواطنين بالإدلاء بأصواتهم في مناطق سكنهم، وليس بالضرورة في مكان الولادة كما هو معمول به حالياً.

ويعتبر القانون “القضاء” دائرة انتخابية والفوز بها بحسب نيل المرشح أكثرية الأصوات.

و”قانون النسبية” يتم فيه توزيع المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية على القوائم المختلفة حسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة في الانتخابات.

وفي السابق كانت تُجرى الانتخابات اللبنانية وفق “قانون الستين”، الذي أقر العام 1960، ويعتمد التصويت وفقًا لتقسيمات إدارية ومحاصصة تراعي الخصوصية الطائفية للقوى السياسية.

غلبة الطابع التوافقي..

غلب على الجلسة، التي ترأسها رئيس المجلس النيابي “نبيه بري” وحضرها رئيس الحكومة “سعد الحريري” وناقشت تفاصيل القانون المؤلف من ثمانية فصول وبمواده الـ125، الطابع التوافقي الذي حكم إقراره حكومياً في جلسة “قصر بعبدا”، فصادق المجلس النيابي عليه بمادة وحيدة بشبه إجماع وتحفظ عدد محدود من النواب.

واعتبرت معظم القوى السياسية، المشاركة في الحكومة، أن ما أنجز يعتبر أفضل الممكن وأعاد الاستقرار السياسي إلى البلاد بعد أشهر من التوتر، في حين اعترض نواب “حزب الكتائب” على القانون لجهة التفاصيل التي يتضمنها من التقسيمات الانتخابية.

لا يختلف عن القوانين السابقة..

تقول قوى معارضة إن القانون الجديد لا يختلف عن القوانين الانتخابية السابقة، التي هدفت إلى ضمان وصول أحزاب كبرى إلى البرلمان، إضافة إلى عدم تضمين القانون النسبي إصلاحات أساسية حيال “الكوتا النسائية” و”انتخاب العسكريين” و”تخفيض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، مثلاً.

سيُحدث تغييراً مهماً في الحياة السياسية..

رصداً لردود الفعل على تمرير القانون، رأى الرئيس اللبناني “ميشال عون”، أن اعتماد “قانون النسبية” للمرة الأولى في لبنان سوف يحدث تغييراً مهماً في الحياة السياسية وينتج طبقة سياسية قادرة على صناعة التغيير المنشود والاصلاح.

وطالب وزير العدل السابق “أشرف ريفي”، بتشكيل حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات النيابية، من دون أن يكون فيها أي مرشح حفاظاً على الحيادية والاستقلالية.

أفضل المستطاع..

بعد إقرار القانون، صرح رئيس مجلس النواب “نبيه بري”: إن “قانون الانتخاب كان أفضل المستطاع لأنه ينقل البلد إلى ما هو جديد ويعطي الأمل للبنانيين للتأسيس لبناء مرحلة جديدة”، داعياً: “لاستثمار المرحلة التي تفصلنا عن الإنتخابات بورشة تشريعية”.

توجد قوى لديها مصالحها وحساباتها..

في حين اعتبر رئيس الحكومة “سعد الحريري”: أن “قانون الإنتخاب انجاز تاريخي”، مشيراً إلى أنه “كانت هناك مجموعة من التحفظات.. ولكي نستطيع الوصول إلى قانون اضطررنا لوضع هذه الملاحظات جانباً لنتمكن من الاتفاق”.

وليس من باب التبرير إلا أن الواقع اللبناني يتضمن قوى لديها مصالحها وحساباتها الانتخابية والسياسية، وهذه القوى هي التي ستتفق على قانون جديد للانتخاب فهي الخصم والحكم.. فهل يتوقع أي أحد منها أنها تتنازل عما تعتبره “مكتسبات” لها لمصلحة قوى آخرى ؟.. بالطبع إن من يفكر بهذه الطريقة لا تهمه كثيراً المصالح العامة، إلا أن في لبنان حسابات مختلفة وفي دنيا الواقع يجب التعامل مع ما هو موجود على الأرض لا مع ما يجب أن يكون وما نأمل به، وإن كنا نرى أن قانون الانتخاب الأكثر عدالة وتحقيقاً لصحة التمثيل لكل اللبنانيين هو القانون الذي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي، ونأمل أن تقودنا الخطوة الحالية إلى الوصول لمثل هذا القانون في مراحل لاحقة.

القانون “صنع في لبنان”..

من باب الدفاع عن القانون، قال رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع”: “الاساس أن القانون صنع في لبنان، وهذه هي المرة الوحيدة التي نصنع قانون انتخابات في لبنان، ومنذ 8 أشهر تم إنتخاب رئيس صنع في لبنان منذ زمن بعيد. كل هذا يجب أن يدفعنا لعدم قبول أي شئ إلا إذا كان صنع في لبنان”.

موضحاً “جعجع” أنه عن الصوت التفضيلي في الدائرة، “قمنا بمواجهة قوية ليبقى الصوت التفضيلي في الدائرة، إلا أن الأغلبية فضلوا أن يبقى الصوت في القضاء.. وقمنا بكل المستحيل ليبقى الصوت التفضيلي على الدائرة إلا أننا لم ننجح”.

مضيفاً “جعجع” أن هناك الكثير من العناصر المتغيرة، “وبهذا الجو “أكثرية الفرقاء” فضلوا تأجيل مواضيع أخرى. وبموضوع الكوتا النسائية، ينتظرون من الحكومة أن تضع هذا الموضوع في القانون.. أسألهم: ألا يعرفون وضع نساء في لوائحهم دون قانون يجبرهم على ذلك ؟.. من جهتنا نضع كل جهدنا بوجود كوتا أو لا سنحفز المرأة ونفتح لها المجالات والانتخابات قادمة”.

ليس قانون “حزب الله”..

مشيراً “سمير جعجع” إلي البعض الذين يرددون أن هذا القانون هو قانون “حزب الله”، “الكل يعلم أننا على طرفي نقيض بالنظرة مع لبنان مع “حزب الله”، ونرى أن “حزب الله” هو العائق أمام تشكيل الدولة، لكن هذا لا يعني أننا نرفض كل ما يقوله “حزب الله”، وعلى سبيل المثال في مجلس الوزراء إذا عارض “حزب الله” الفساد فنحن معه.. قانون “حزب الله” كان النسبية مع دائرة واحدة، أذاً هذا القانون ليس قانون حزب الله، بتقديراتي بأحسن الحالات حزب الله سيخسر عدداً من المقاعد إذا تكاتف الشيعة الأحرار بوجه الثنائي الشيعي”.

يعطي فرصة للأحزاب الصغيرة..

كما أن البعض يقول أن هذا القانون تم تفصيله على حجم التيارات والقوى السياسية الكبرى بغية إقصاء المستقلين. لذا يرد “جعجع” قائلاً: “أقول لهم أن أكثر قانون يعطي فرصة للأحزاب الصغيرة هو هذا القانون. القوات والتيارات الكبرى في قانون الستين يأخذون كل المقاعد المسيحية في لبنان، لكننا رفضنا ذلك، والقانون الحالي هو أكثر قانون ضد الأحزاب الكبيرة. هذا القانون يعطي مجال لأكبر عدد من التمثيل”.

لافتاً “جعجع” إلى أن “قانون الانتخاب هذا مثالي لأنه صار انطلاقاً من التعديدية الموجودة في لبنان، والبعض يتباكى دون فهم السبب، والمثالية هي فعل الأفضل حسب الأرضية السياسية الموجودة، والمثالية أننا تمكنا من الوصول إلى قانون بعد جهد 8 سنوات. والوصول إلى القانون بطولة في ظل التعقيدات، والبطولة في جمع التناقضات والمصالح المتضاربة لمكونات المجتمع اللبناني كله”.

يشوه النسبية ويضعف دينامية التغيير..

وهنا لا بدَّ من الاشارة لما أعلنته الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) حول تقييم القانون الجديد، والتي اعتبرته “لا يتضمّن العديد من الإصلاحات الانتخابية المهمة”، وأشارت إلى أنه “يشوّه النسبية ويحوّلها إلى نظام أكثري، كما أنّه يضعف دينامية التغيير بحدها الأدنى وذلك بسبب اعتماد الدوائر الصغيرة والمتوسطة واعتماد العتبة الانتخابية المرتفعة، إضافة إلى الآلية المعتمدة في احتساب الأصوات مع إمكانية تشكيل لوائح غير مكتملة”، ولفتت “لادي” في تقييمها إلى “السقف المرتفع للانفاق الانتخابي في المشروع”، وحذرت من خطورة اعتماد البطاقات الممغنطة لأنها قد تفتح باباً إضافياً للهدر وقد تؤدي إلى حجز البطاقات الانتخابية من قبل الماكينات السياسية كما كان يحصل في السابق، فضلاً عن أن تشغيل هذه البطاقات يحتاج إلى ربط كافة مراكز الاقتراع إلكترونياً ما قد يؤدي لمشاكل تقنية يوم الاقتراع”.

قانون يعزز المنحى الطائفي..

كما اعتبر وزير الدولة لشؤون مجلس النواب “علي قانصوه”، أن مشروع القانون الجديد ليس له أي قيمة إصلاحية، ويعزز المنحى الطائفي في البلاد، ولم يراعي وحدة المعايير في تقسيم الدوائر الانتخابية.

ردود فعل دولية مرحبة..

كما كان هناك رد فعل دولي على إقرار القانون، حيث اعتبر الناطق باسم الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي “فيديريكا موغريني”، القانون خطوة “مهمة نحو التوصل إلى مؤسسات ديموقراطية عاملة بالكامل في لبنان وستمكن الحكومة من تنفيذ الاجراءات الاقتصادية والهيكيلية الضروروية، وستسهم في ارساء الاستقرار وتحفيز نمو اقتصادي أسرع”.

ورحب نائب الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية بـ”اعتماد المجلس النيابي اللبناني قانوناً انتخابياً جديداً، تتويجاً لعملية بدأت قبل أشهر بمشاركة جميع اللاعبين السياسيين اللبنانيين الذين استطاعوا التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية البرلمان، واعتماد قانون انتخابي يمثل مرحلة جديدة في عملية إعادة تشغيل المؤسسات اللبنانية، والتي ينبغي أن تستكمل بالانتخابات التشريعية”.

كما أبدى معظم سفراء الدول العربية والأجنبية، المعتمدون لدى لبنان، إضافة إلى الممثلة الشخصية للأمين العام لـ”الأمم المتحدة”، “سيغريد كاغ”، ارتياحهم للإنجاز الذي تحقق في إقرار قانون انتخاب جديد.

وأعربت هذه الأطراف عن ارتياحها لإقرار القانون الجديد لما له من دور في تدعيم الاستقرار السياسي وتحصينه في وجه الحروب المشتعلة من حول لبنان.

فيما اعتبرت بعض الصحف، القانون، اختراق جديد بينما وصفته أخرى بأنه طائفي.

“خرق مهم”..

فيوضح “جورج بكاسيني”، في صحيفة “المستقبل” اللبنانية، ان قانون الانتخاب “إنجازاً وطنياً بعد مسار طويل من التباينات أصبحت في ذمة التاريخ”.

قائلاً: “إذا كانت الانقسامات تخلف الخيبات (…) فإن التسويات تصنع المعجزات”.

ويشير “بكاسيني” إلي أن “الملفات المرشحة للإنجاز اقتصادياً وإنمائياً، في المديين القريب والبعيد، تبدو أكثر سهولة، رغم حساسية كل ملف على حده، ما يعني احتمال أن تكون البلاد على عتبة مرحلة ازدهار، توقفت منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري”.

كذلك ترى “باسمة عطوي”، في صحيفة “المستقبل”، أن إقرار القانون وفقاً لنظام النسبية “نقل البلاد والعباد من ضفة إلى أخرى، لأنه وضع مضامين جديدة للحياة السياسية في لبنان، ستظهر ملامحها بدءًا من الانتخابات المقبلة”.

من جانبها، ترى “رلى موفق”، في صحيفة “اللواء” اللبنانية، أن قانون الانتخاب علي أساس النسبية يشكل “خرقاً مهماً في الحياة السياسية”.

قائلة: “النسبية تُعد خطوة إصلاحية، ذلك أنها ستؤول إلى خلق حيوية لدى شرائح واسعة من المجتمع كانت القوانين السابقة تقطع الطريق أمام أي فرصة لتمثيلها في نظام الأكثرية، الذي وفَّر إمساك القوى الحاكمة باللعبة الانتخابية”.

الخروج من مأزق الفراغ السياسي..

يعتبر “إبراهيم ناصر الدين”، في جريدة “الديار” اللبنانية، أن ما يتم إقراره هو قانون “أفضل ما هو ممكن، أنه هجين يحمل الكثير من السلبيات والايجابيات، وتكمن أهميته في أنه أخرج البلاد من مأزق الفراغ والفوضى السياسية على أبواب تطورات دراماتيكية مفتوحة على كل الاحتمالات في المنطقة”.

كما يرى “عامر مشموشي”، في صحيفة “اللواء”، أنه “إذا نجحت هذه التجربة الجديدة يكون الطريق قد فتح كل أبوابه أمام العبور الدستوري الهادئ من الدولة الطائفية إلى الدولة المدنية وبذلك ينتهي عصر حكم زعماء الطوائف”.

السير إلي الامام..

كما يقول “ناصر جديد”، في صحيفة “البناء”، إن أهمية القانون الجديد تكمن في أنه “لن يكون بمستطاع المجلس الناتج عنه إلا السير إلى الأمام في تحريره من التشوهات وإكمال الإنجاز بالذهاب إلى صيغة المجلسين، وأن الخطاب القائم على انتصارات طائفية هو في النهاية إعلان هزائم افتراضية لطوائف أخرى. وهذا هو قانون الصراع الطائفي، بينما في الخطاب الوطني ينتصر الوطن بطوائفه كلها على أعدائه”.

“مضمون طائفي”..

على الجانب الأخر، وجه العديد من الكتاب انتقادات للقانون، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الطائفي في لبنان.

فيرى “وفيق إبراهيم “، في صحيفة “البناء” البيروتية، أن مشروع القانون الجديد للانتخاب “يتضمن إلتزاماً كبيراً بمعايير النظام الطائفي التقليدي، والذي يسيطر على العلاقات السياسية بين الجماعات اللبنانية من عام 1948، لكن شكله الخارجي يتضمن إلتزاماً بمفهوم النسبية السطحية للانتخاب، بمعنى أن المضمون طائفي والشكل جميل ينتمي إلى الحداثة”.

قانون التواطؤ..

فيما يعتبر “طوني عيسى”، في جريدة “الجمهورية”، أن الأسلوب الذي تم به انتاج قانون الانتخاب “استفزازياً”، حيث “أثبتَت الطبقة السياسية صوابية المخاوف، فـطبَخت “قانون التواطؤ” لا “قانون التوافق”.

ويتساءل: “ما المانع أن يكون مصير “القانون المسلوق” الجديد كمصير سَلفِه، إذا طرأت اعتراضات جدّية من قوى فاعلة، بعد طرحِ كثيرٍ من الملفات المتداخلة على الطاولة ؟”.

لا يصل إلى دولة المواطنة..

تقول “صفية أنطون سعادة”، في صحيفة “الأخبار” اللبنانية: “القانون هو الذي يغير تركيبة المجتمع لا العكس، والقانون الذي يلغي الطائفية السياسية هو الذي يقود إلى تغيير الثقافة والمجتمع لأنه سيفتح المجال لإنشاء أحزاب عابرة للطوائف تستطيع أن تتمثل في المجلس النيابي، ولأنه سيمنح حقوقاً للمواطن بمعزل عن انتمائه الطائفي”.

مضيفة: “أما أن نقول إننا نريد قانون انتخاب طائفي ريثما نصل إلى قوانين لاطائفية، أو أننا نريد تقسيم البلد إلى دوائر انتخابية طائفية إلى حين بلوغ المواطنة، فهذا هذيان لا منطقي ولا يستطيع أي عاقل أن يتبناه. فمن ينطلق من مبدأ الميثاق الطائفي يصل بالضرورة إلى بنيان طائفي لا إلى دولة المواطنة”.

في السياق ذاته، يقول “رفيق خوري”، في صحيفة “الأنوار”: “وحدهم الأبرياء يتصورون أن حلم النسبية صار كابوساً. فلا النسبية بمفهومها الأصلي هي حلم في نظام طائفي ومذهبي. ولا النسبية المشوهة على الطريقة اللبنانية هي كابوس مختلف عن كوابيس الانتخابات حسب النظام الأكثري”.

شرذمة الكتل النيابية التقليدية..

كما يشير “وليد شقير”، في صحيفة “الحياة” اللندنية، إلي أن “إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي اعتمدت النظام الانتخابي النسبي. وهو ما أدى إلى شرذمة الكتل النيابية التقليدية بحيث تمكن المتطرفون على أساس ديني، من أن يحصلوا على كتل صغرى لها الصوت المرجح”.

ويضيف متسائلاً: “فهل تستعصي التوازنات اللبنانية على هذا الخطر أيضاً، أم ينفذ إليها التشرذم والفوضى اللذان تشهدهما المنطقة ؟”.

قانون مفرغ من مضمونه..

من جانبه، يرى “حسام عيتاني”، في صحيفة “الحياة” اللندنية أيضاً، أن القانون الجديد تم إفراغه من مضمونه، إذ يقول: “تتنافس القوى السياسية في تسعير الانتماء المذهبي والطائفي وفي رعاية الفساد وفي ترك مواليها “يسوسون” المواطنين بالسلاح والترهيب. على هذه الخلفية جاء القانون الانتخابي الجديد”.

نظام أكثري مقنّع بالنسبية..

أما الكاتب “عصام نعمان”، فيقول أن “قانون الانتخاب جرى وضعه في عهد الانتداب الفرنسي منذ نحو قرن، وما زال نافذاً، مع تعديلات طفيفة، حتى الوقت الحاضر، وهو يعتمد نظام الانتخاب الأكثري الذي أدّى إلى إعادة إنتاج النظام الطوائفي الكونفدرالي وتكريس تناوب عائلات وزعامات معدودة على السلطة في شبه “أبدية” سياسية فاقعة”.

وأن ما يحدث ما هو إلا محاولات إصلاحية متعددة جرت، منذ مطالع سبعينيات القرن الماضي، لإصلاح النظام السياسي باعتماد نظام التمثيل النسبي في قانون الانتخاب لتجديد القيادات والسياسات، لكن دونما جدوى.

موضحاً “نعمان”: أنه “إزاء اشتداد الدعوة وبالتالي المطالبة باعتماد النسبية في قانون الانتخاب، توافقت الأطراف المشاركة في حكومة “نجيب ميقاتي” الائتلافية على اعتماد صيغةٍ لقانون الانتخاب مستقاة من تقريرٍ للجنة إصلاحية عُرفت باسم لجنة “فؤاد بطرس”، كانت قد اعتمدت في توصياتها نظام التمثيل النسبي على أساس 13 دائرة انتخابية”.

وأنه إزاء إفلاس أهل النظام وتردّي أحوال البلاد والعباد، اشتدت حملات المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فكان أن اجتمع في إسطنبول صيفَ العام 2016، “جبران باسيل” ممثلاً رئيس “التيار الوطني الحر” والعماد “ميشال عون” و”نادر الحريري” ممثلاً رئيس “تيار المستقبل” و”سعد الحريري”، واتفقا على تسويةٍ للخروج من الأزمة قوامها انتخاب “عون” رئيساً للجمهورية وتسمية “الحريري” رئيساً للحكومة، كما اتفقا على جملة أمور أخرى بينها صيغة جديدة لقانون الانتخاب.

تمّ بالفعل انتخاب العماد “عون” رئيساً في خريف العام الماضي، لكن تعذّر تسويق الصيغة التي اتفقا عليها لقانون الانتخاب العتيد، ما استوجب عقد اجتماعات متعددة واندلاع صراعات محمومة قبل أن يتوصل الأطراف المتصارعون إلى صيغة توافقية جرى اعتمادها أخيراً في مجلس الوزراء، وإحالتها إلى مجلس النواب لإقرارها.

لافتاً “نعمان” إلى أنه أيّاً ما كان أو سيكون مصير هذه الصيغة الهجينة، فإن ثمة ملاحظات خمس أساسية يقتضي بيانها:

“أولاً: أنها تنطوي على نواقص قيل إنه سيصار إلى سدّها (؟)، وعلى وعود سيصار إلى تنفيذها في المستقبل، ما يعزّز المقولة الشائعة إن ما من شئ دائم في لبنان إلاّ المؤقت أو الانتقالي حتى لو طال أمد الانتقال.

“ثانياً: أن الطائفية المشكو منها جرى تكريسها بل تعميقها بتقسيم البلاد إلى 15 دائرة انتخابية، وذلك بضم أقضية (مناطق) ذات لون طائفي أو مذهبي صافٍ أو غالب لتكوين دوائر تؤمّن مصالح هذا الحزب (ذي اللون المذهبي الغالب) أو ذاك أو هذا الزعيم (ذي القاعدة المذهبية الغالبة) أو ذاك. ولعل في تقسيم بيروت إلى دائرتين، واحدة شرقية مسيحية وأخرى غربية مسلمة احتمالاً ماثلاً لإمكانية إعادة تفجير الحرب الأهلية.

“ثالثاً: أنها حرمت من التمثيل ما يمكن اعتبارها أكبر طائفة في لبنان، وهي “طائفة” (أو بالأحرى جماعة) اللاطائفيين وذلك بالامتناع، قصداً وعمداً، عن تنفيذ المادة 22 من الدستور التي تنصّ على انتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي.

“رابعاً: أنها حصرت الصوت التفضيلي الممكن إعطاؤه لواحد من المرشحين في القائمة (أو اللائحة) الواحدة في القضاء، وليس في الدائرة المكوّنة من عدة أقضية، الأمر الذي يعود بالانتخابات إلى مساوئ النظام الأكثري الإقصائي، سيما وأن 8 دوائر من أصل 15 مؤلفة من قضاء واحد أو نصف قضاء كدائرتي بيروت الأولى والثانية.

“خامساً: عدم المساواة في تقسيم الدوائر، ذلك أن بعضها ينطوي على 10 مقاعد أو 8 مقاعد، وبعضها الآخر على 5 أو 6 مقاعد، ما يعني أن بعض الناخبين يستطيع انتخاب عشرة نواب في حين أن بعضهم الآخر لا يستطيع أن ينتخب إلاّ خمسة، ما يخالف المادة 7 من الدستور التي تنص على مساواة اللبنانيين لدى القانون”.

مختصراً ما حدث في أنه، مازال أهل النظام السياسي المترهل يمسكون بزمام السلطة وبالقدرة على إعادة إنتاجه ومنع تجديد القيادات والسياسات. ولعل الدليل الدامغ على ذلك قيامهم، من خلال صيغة قانون الانتخاب الجديد، بإبدال نظام التمثيل الأكثري المبرقع بالطائفية والمحاصصة بآخر من الطراز نفسه مقنّع بمستحضرات نسبية باهتة وعاجزة عن إخفاء القبح النافر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة