{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
القاضي منير حداد
صفاء كوني، احاط هالة النور الملائكية التي رافقت حزمة رصاص آثم، أطلقته بندقية غافلة.. والغة بدم الحق الأثيري، مثل خطم خنزير نجس، متعفن بالجيفةِ، يلغ في قارورة عطر.. رصاص إغتال إبن خانقين.. فؤاد عمر رشيد.. شهيدا، صباح يوم 11 آذار 1991، وهو يقود الأبطال المشاركين في الإنتفاضة الشعبانية، ضد نظام الطاغية المقبور صدام حسين، مستفيدا من تألق خبرته المتوهجة، منذ إنتظامه معاوناً طبياً في صفوف البيشمركة، يقاتل بالحق ضد الباطل، يستحضر آفاق الخلود، المتجلية على صفحة الزمان، إنبثاقاً.. مثل بركان ورد، من جدث ضمن في مقبرة جماعية، عثر عليها، خلف.. سيئة الذكر.. مديرية إستخبارات خانقين.
سيقت الجثث المكرمة.. “وقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا”.. الى الطب العدلي، محفوفةً بقدرٍ راق من التقدير، يليق بعطائها “والجود بالنفس اسمى غاية الجود” فتبين أثناء فحص الـ (DNA) أنه الشهيد رشيد، منخوب الجسد برصاص الطغيان، ولم يفارق الحياة، إلا بإطلاقة شجت رأسه، محطمة الجمجمة الملأى بمواقف تنضح برجولية المواطنة، متنقلا بين البيشمركة والإنتفاضة!
والشهيد فؤاد.. أب لأربعة أطفال.. ثلاثة أولاد وبنت واحدة، ظل إمتداد طيبه من خلالهم، دائماً يتجدد، بالمقابل تصرف جلاوزة البعث المنحل، بالخبث الذي هو شأنهم، مستغلين ملائكية الشهادة، في التنكيل بذويه، من خلال تبليغ الإستخبارات العسكرية، بضرورة إخراج عائلته من دارهم، وإجبارهم على التشرد قسرا، رامين اغراض البيت في الشارع، وبذلك فإن عقوبة فؤاد عمر رشيد، بدأت بالإعدام، ولم تنتهِ به؛ إذ طالت الأحياء من بعده! فيا ضيعة العراق حين يؤاخذ الأبرياء بمقف شجاع سابق عليهم… وذلك في العام 1994، حين تشكلت لجنة موحدة، من “البعث” و”الاستخبارات العسكرية” لإخلاء البيت وتشميع بابه بالأحمر! مرحلين أهله عن ذكرياتهم المتجذرة، نحو إقليم كردستان.
كأن جزءاً من ذواتهم قدّ ألما.. متمزق الحواف، وهم (ينشلعون) من ديالى الى قلب الإقليم.. وجعاً لا تهدئ روع قسوته تطمينات الإستقبال، بل يظل الفراق قائما؛ يصب حمم منصهره البركاني على خواطر ذوي فؤاد!
عانى ذووه من ملاحقات قرأتها في كتاب صادر يوم 29 أيلول 1993، عن مديرية الامن العامة، التابعة لرئاسة الجمهورية المنهارة، يوصي بإقالة الرائد الركن جهاد عمر رشيد، من الخدمة؛ كونه شقيق… فؤاد عمر رشيد، المعدوم بـ… أثناء الإنتفاضة، فضلا عن إنتظام شقيقهما الثالث عماد عمر رشيد، في صفوف… الإنتفاضة… مكتوباً وفق المصطلحات الإجرامية التي ترضي طغيانهم!
ولم يقف بطش البعثيين، عند شقيقه، الذي أقيل من الخدمة، إنما طال إبن أخته ياسر حاتم كاظم ردام الأوسي، بموجب الكتاب (أمن / 106 / 3 / 1063) في 27 شباط 1994.
الأمل معقود على الآتي، وصولا الى ذرى المستقبل، سيراً على طرق وعرة، بسطها الشهداء يسراً سهلاً.. يعبدونها بدمائهم، وفي رأس النفيضة، أبطال مثل فؤاد عمر رشيد، الذي توزع بين منافذ الموت الشخصي، المؤدية الى حياة شعب، ذادوا عنه بشبابهم.. طاب ثرى حياتهم الخالدة في الآخرة سعادة وفي الدنيا سلاماً.