الإلحاد ظاهرة قديمة وليست حديثة العهد, فالإلحاد بمعناه الواسع عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود الآلهة, بصورة عامة يشير مصطلح الإلحاد إلى غياب الاعتقاد بأن الآلهة موجودة. ويتناقض هذا الفكر مع فكرة الإيمان بالله أو الإلوهية، إذ أن مصطلح الإلوهية يعني الاعتقاد بأنه يوجد على الأقل إله واحد, والدافع الأساسي عند الملحدين في إلحادهم هو عدم وجود أدلة علمية حسية تدل على وجود الإله!! فما لا يمكن رؤيته ولا الإحساس به فهو غير موجود ويكون من العدم.
لكن الغريب بالأمر نجد إن هناك من روج لهذا الفكر الإلحادي في داخل الخط الإسلامي منذ قرون طويلة ممن ينتسب إلى التدين والإسلام ورفع شعار التوحيد, ونحن هنا لسنا بصدد ذكر نظرية المؤامرة على الإسلام أو على غيره من الديانات بل نحن في صدد كشف أوجه الشبه بين الفكر الإلحادي والفكر التوحيدي الإسلامي بحيث من يطلع على هذا الأمر يرى وبكل وضوح إن دعوة التوحيد أشبه إلى حد كبير دعوة الإلحاد هذا إن لم تكن هي دعوة إلحادية مبطنة أو على أقل تقدير تبرير وتشريع للفكر الإلحادي.
الآن سوف أضع العبارة التي كتبها من يصفونه بــ ” شيخ الإسلام ” وإمام التوحيد التي ذكرها في كتابه الفتاوى الكبرى, المجلد السادس, صفحة 368 حيث يقول (( ومعلوم إن الخلق كلهم ولدوا على الفطرة ومن المعلوم بالفطرة أن ما لا يمكن إحساسه ظاهراً ولا باطناً لا وجود له )) !! وهذا الكلام جاء به شيخ الإسلام من أجل أن يثبت الجسم والجهة والصفات لله سبحانه وتعالى…
ومن هذه العبارة نلاحظ وبكل وضوح وجود التناغم التام بين هذه العبارة وبين دعوة الإلحاد أو الفكر الإلحادي, فهذا يقول ما يمكن الإحساس به ظاهراً ولا باطناً لا وجود له والملحدين يقولون ما لا يمكن رؤيته ولا الإحساس به فهو غير موجود, وكأن الفكرتين لها أصل ومنبع واحد لكن هناك إختلاف في اللفظ فقط, وهنا نلاحظ إن ابن تيمية يدعو لمعتقدات المشركين والوثنيين والملحدين!!. لأنه في الوقت ذاته يقر ويعتقد بإمكانية رؤية الله سبحانه وتعالى في الواقع والمنام وبصور وأشكال متعددة تكون بحسب حالة إيمان واعتقاد الرائي بربه !! كما اعتبر المحقق الأستاذ الصرخي إن فعل ابن تيمية هذا هو (( إقرار مِن ابن تيمية بصحّة اعتقادات المشركين، وتعدّد آلهتهم، وصحّة عباداتهم، فكل منهم يرى ربّه بالصورة المناسبة لاعتقاده في ربّه، فمَن يعتقد في ربّه الصنمية الوثنية، فيراه بما يناسب هذا، ويخاطبه ربّه، وهو على هذه الصورة، التي رآه فيها، ويأخذ تعاليمه وأحكامه الدينية مِن هذا الربّ الذي رآه بالصورة المناسبة لمعتقده، فتصح عبادة الأصنام، لأنّ الله (تعالى) قد أمر بها، لأنّه أتى للعبد الوثني بصورة هذا الصنم أو ذاك، فهذا هو أمر الله، وعلى العبد الإطاعة، وهكذا تصحّ عبادة مَن يعبد الملائكة، والجن، وعيسى وعزير (عليهما السلام)، وباقي الأشخاص مِن بني الإنسان ))…
فكما روج للفكر والإعتقاد الوثني فهو يروج للفكر الإلحادي, وهو هنا وبحسب العبارة التي ذكرها في كتاب الفتاوى الكبرى يعطي المبرر والشرعية والحجة للملحدين ويؤيدهم في طرحه, فهم لا يؤمنون بوجود إلا ما يرونه ويحسونه ويشعرون به وهذه هي الفطرة التي ولد عليها الإنسان كما يقول ابن تيمية متناسياً إن هذه الفطرة هي في عالم الموجودات الحسية الدنيوية وهي مسألة خاصة بعالم البشر وعالم الحس البشري ولا يمكن تعميمها, ولهذا يمكن أن نقول إن ابن تيمية هو ليس إمام أو شيخ التوحيد بل هو إمام الملحدين ويدعو إلى الإلحاد.