هاجر بلده منذ نحو 39 عاما وتحديدا في العام 1978 ليستقر في فرنسا تاركا خلفه سوريا التي كان يرى فيها نظاما لا يقبل بتعددية الفكر والمعارضة ولا مكان فيه لحقوق الإنسان طالما كان حزب البعث والرئيس حافظ الأسد على رأس السلطة.
هيثم المناع المولود في العام 1951تخرج من جامعة العلوم الاجتماعية والطب في دمشق كطبيب نفسي، لكنه لم ينس أبدا الكتابة التي عشقها منذ كان في المرحلة الإعدادية من التعليم ليعود مناع مرة أخرى في الجامعة إلى الكتابة، مؤلفا الكثير من الكتب عن “قانون المرأة، والأقليات الدينية، والأكراد”، تجاوز عددها الـ 30 كتاب بالفرنسية والعربية والانجليزية.
لقد كتب هيثم المناع رئيس هيئة الإنقاذ المعارضة بسوريا الآن وبعد كل هذه السنوات، في ذكرى رحيل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد الـ17، رسالة رثاء تحت عنوان “رسالة إلى حافظ الأسد من كاره للنظام”، يكشف خلالها عن مجتمع سوري جديد بمثقفيه وفئاته وحدوده الفكرية، تعرف عليه مؤخرا وكأنه لم يكن يوما سوريا.
مجتمع دفعه للقول والإعتراف بأنه نعم كان كارها للنظام السوري السابق، هاربا من الذل والخوف، لكن وبعد 6 سنوات من الاقتتال الداخلي بين السوريين منذ عام 2011 ، فإنه يرى حافظ الأسد أعظم رجل في التاريخ السوري.
نقد المثقفين ورجال الدين .. حافظ أفضل منكم
رسالة صادمة من رجل طالما عرف بمهاجمته النظام السوري لعقود من الزمن، لم يكتف المناع بالعنوان ، بل انتقد كل المثقفين ورجال الدين بقوله : إن حافظ الأسد “أفهم من الأدباء والمثقفين بأنفسهم .. وأدرى من المتدينين بربهم” .
ورأى فيه أنه أعلم من الخونة والقتلة بما في صدورهم، لأنه عرف السوريين جيدا.. وعرف أفضل طريقة ممكنة لسياستهم والتعامل معهم.
يقول المناع في رسالته إن الأسد الأب، نجح في محاسبة كل بما يستحق، بحسب أثره في المجتمع دون أدنى ظلم، بل إنه عرف كيف يرضي المتدينين ويضحك على عقولهم ويكسبهم إلى صفه، وأجبر الدين أن يبقى حيث يجب أن يبقى، في البيت والجامع، فلا يخرج إلى الحياة السياسية ولا الشارع ولا الحارة.
كل الطوائف اشتركت في الحكم .. فأين سوريا اليوم .
يعزف المناع في ثناء حافظ الأسد سيمفونية متناغمة لا تتوقف عن سرد تفاصيل، حسبما يرى أن السوريين افتقدوها بعد كل هذه السنوات على رحيله.
إذ إن الرئيس الراحل أشرك كل الطوائف في الحكم، وطهر الأرض من المجرمين والقتلة، وجفف منابعهم الطائفية بالقوة، وفي الوقت نفسه كسب البيئات الدينية المعتدلة التي تسمح لغيرها بالحياة، لأنه اندمج فيها فأحبته من قلبها وأغلبها لا تزال مخلصة له حتى الآن، حسبما رأى المعارض السوري في رسالته.
يقول المناع إنه لم يكن يعرف ما هي الطائفية على أيامه وإنه قضى أغلب عمره لا يجرؤ على التلفظ بأسماء الطوائف حتى بينه وبين نفسه، معتبرا أنه قمع بطعم الرضا، إذ إنه لمن الجمال أن يقمع رجل عظيم الشر الكامن في الإنسان حتى قبل أن ينبت.
عامل الجميع بما يستحقون
كما يحسب له – بحسب المناع – أنه عرف نوعية المثقفين لديه؛ فعامل كل منهم كما يستحق، احترم بعضهم وقال له أفكارك لا تنفع هنا فاصمت أو إرحل وعد متى شئت، مثل نزار قباني والماغوط وممدوح عدوان وأدونيس.
يدافع المناع عن الأسد الأب، بإلقاء اللوم على المثقف الذي سجن في عهده، فالعيب منه في رأيه، لأن منهم من لم يفهم أو كان حالما وربما كان سيتسبب بالبلبلة وبالتالي فإنه هو من جنى على نفسه وسجن حتى لو كان من طائفته، فلا فرق عند هذا الرجل الذي يصفه المعارض السوري بالعادل، ضاربا امثلة بـ” عارف دليلة وعبد العزيز الخير” و مئات آخرين.
بعد 17 عاما على الرحيل .. لا مثيل للأسد الأب
ثناء لا يتوقف بعد 17 عاما على رحيل رئيس طالما عارضه المناع ورفض سياسات حزبه البعثي، فقد رأى فيه أيضا أنه ميز المثقفين الطائفيين والحاقدين المخربين للمجتمع كما أثبت الزمن اللاحق فسجنهم، وأنهم إن لم يكونوا قد استحقوا سجنهم وقتها -و هو ما لا يعتقده المناع – فقد استحقوه بجدارة لاحقا، ضاربا أمثلة بـ “ياسين الحج صالح وميشيل كيلو وحازم نهار وفايز سارة ولؤي حسين وغيرهم.
بل ذهب للقول بأن الأسد الأب طوع المثقفين “الدنيئين” الذين يبحثون عن مستأجر، بحسب لفظه المستخدم في رسالته – ووجد لهم عملا يتعيشون منه طالما هم تحت الحذاء حيث مكانهم المستحق، حسبما يرى هو ، ضاربا أمثلة بـ”حكم البابا وعلي فرزات” وغيرهم.
يصفه المناع بأنه رئيس اهتم بالفنانين والشعراء السوريين والعرب الذين يستحقون الاهتمام، مثل مصطفى نصري والجواهري والرحباني. وغيرهم.
حتى الدعارة .. خصص لها مواقعها وحصرها
بل تناول المناع رئيسه الراحل حتى في تعامله مع الدعارة، بأن حصر الدعارة في أماكن مخصصة لها بدل أن تنتشر في الشوارع والمقاهي وأماكن العمل والصحف، كما عرف كيف يستقر الحكم ويتوازن دون مشكلات.
الفاسدون تعاملوا بصرامة عرف كل منهم حدوده
يقول المناع في حافظ الأسد إنه أطعم الفاسدين بميزان دقيق وصرامة، فكانوا لا يجرؤون على القضم أكثر مما يسمح لهم، كما أرضى التجار والعائلات الكبيرة.
اكتشف المناع – البالغ من العمر الآن 66 عاما – أن الأسد كان رجلا ترتعد له فرائص أعدائه وأصدقائه في الداخل والخارج، فحكم أطول مدة في التاريخ السوري الحديث، ورآه الحل الأمثل لسوريا مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الشعب وثقافته وظروف البلد والأخطار المحيطة به؛ فبنى سوريا الأمن والأمان.. سوريا المنيعة في مواجهة أعدائها.. سوريا المدارس والمستشفيات المجانية .. سوريا السلع المدعومة، سوريا الفقر الموزع بالتساوي بين الجميع.. ولو كان الغنى ممكنا لوزعه بالتساوي.
عاش بسيطا فقيرا ومات على ما عاش
وكأن المناع يكتب شعرا وغزلا في ملك على عرشه يقف أمامه، بل لو كان حافظ الأسد حيا ما كتب فيه هذه الكلمات، إذ يقول عنه: عاش بسيطا فقيرا.. ومات فقيرا لا يملك شيئا.. كان رجال دولته يتمتعون بالنساء والمال والاستجمام في أجمل مناطق العالم وهو يعيش في شقته المتواضعة لا يفكر إلا بمصلحة الشعب.
بنى توازنا أرعب الأعداء وعرف كيف يعامل الجميع
وعن تعامله مع الاحتلال، قال إنه عرف كيف يضع حذائه في فم إسرائيل والغرب وأعوانهم ملك الأردن وعرب البعير والميليشيات اللبنانية، على حد قوله، كما يقول إنه عادى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والمصري أنور السادات وكل من فرط بشبر من أرض فلسطين، وضبط الميليشيات الفلسطينية بالقوة و بنى مقاومة لبنانية و دعم الفلسطينية ووجههما تجاه العدو.
كما يرى فيه أنه بنى توازنا أرعب الأعداء وعملاؤهم في الدخل والخارج، ما جعلهم يعملون منذ سنوات على تفكيكه، وأنه بنى لسوريا قيمة أكبر من مساحتها وقدراتها قبل أن ينقض عليها أعداؤه بعد مماته لاعنين روحه، وكان سبيله إلى ذلك باللين والحب عندما كان ينفع.. وبالشدة والبطش تارة أخرى.. ويكفي أن كارهيه لا يزالون يخشونه حتى الآن، لن يستطيعوا هزيمته في رؤوسهم.. ومهما حدث سيبقى ذلا أبديا لهم.. لن يستطيعوا تجاوزه، هكذا يراه المعارض السوري المناع.
العظيم العظيم .. الأسد في عيون المناع
كثير كثير ، الحديث عن الأسد لا ينتهي بحسب المناع، إذ لا مجال يتسع لتعداد مناقب هذا “العظيم العظيم”..كان رجل دولة من أرفع طراز.. لا يتكرر إلا كل بضعة قرون، بردية من الوصفيات التي قلما تجدها في إنسان تلك التي خطها المناع في رسالته.
متابعا: أنا مناصر الإنسانية والحريات وحقوق الإنسان، لكن بعد تجربتي مع شعبي السوري ومثقفيه وموالاته ومعارضته.. اقتنعت أن سياسة حافظ الأسد هي السياسة الأمثل التي تخفف الألم السوري الكلي إلى حده الأدنى.. والدليل ما يحدث الآن.
أعود لأعيش في سوريا ولكن..
معلنا أنه مستعد للعيش في سوريا تحت حكم رجل مثله بصرف النظر عن طائفته؛ طالما أنه على عهده لا يجوع فقيرا ولا يجرؤ أحد على استباحة دم أحد، ولا تستطيع الكلاب أن تفلت في الشوارع، وفق ما ذكره بنص رسالته.
وفي نهاية رسالته يقول المناع لنفسه ولغيره :تعلم أنك ولدت في المكان الخطأ والزمان الخطأ بين الناس الخطأ.. عش بسلام كما يليق بك بين الانبياء، وكأنه يتباكى على زمن يعترف أخيرا أنه لن يجد له مثيلا ويعبر عن ندم يخرج بين أحرف كلماته لتعويض رئيس لن يجده في مستقبله، وربما هي رسالة تكشف حجم معاناته في الغربة وسط معارض النظام! .