أخيرا وبعد مئات السنين، يبدو أن إيران في طريقها لتحقيق الحلم الأكبر، الهلال الشيعي والتوسع القريب للدولة الفارسية!
الحلم الفارسي القديم يعود مجددا
فللمرة الأولى بحسب ما غرد به إيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد مرور 2500عام تسيطر إيران على طريق بري يربطها مباشرة بالبحر الأبيض المتوسط.
لقطات مصورة بثتها وسائل إعلام لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني على الحدود السورية العراقية وهو يصلي مع عدد من القوات التي تتبع إيران سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
رسائل للسنة .. التمدد بات أمرا واقعا
لقطات تحمل رسائل أهمها ما يوجه للدول العربية السنية.. بأن ها هي إيران تتمدد أمامكم بعد أن أردتم حصارها بتأجيج الواقع العسكري على الأرض في سوريا والعراق!.
رسالة واضحة بأن أعرق دولتيين عربيتين أصبحتا عاصمتين وامتداد لإيران.. طهران وبغداد ثم دمشق… وصولا إلى بيروت والجنوب ومن ثم إلى البحر الأبيض المتوسط.. مساحة جغرافية شاسعة للدولة التي فرضت عليها عقوبات من الغرب، باتت طهران بالمتوسط عبر طريق بري للمرة الأولى منذ قرون، لكنه ليس أي طريق، بل هو طريق بري يتحكم فيه من بدايته حنى نهايته القادة الإيرانيون بامتياز.
قاسم سليماني يقود الحلم التوسعي ويتعدى الخطوط الحمراء
يقول محللون إن ظهور قاسم سليماني على الحدود السورية العراقية، من ناحية أخرى يعد تحديا للخطوط الحمراء التي طالما رسمتها الولايات المتحدة في المنطقة، وما الضربات التي شنها التحالف الدولي ضد قوات النظام السوري والعناصر المسلحة الموالية له ، لإبعادها عن منطقة التنف الحدودية، سوى ضربات تجميلية لا يمكن لها أن تؤثر على التواجد الإيراني، كما أنها رسالة باستمرار إيران على الأراضي العراقية والسورية لكل من يظن أن دور إيران انتهى بانتهاء داعش.
“فاطميون”.. رأس الحربة وكلمة السر في سوريا
فقد ظهر قاسم سليماني في الثالث عشر من حزيران / يونيو 2017 وحوله عناصر لواء فاطميون الشيعي، وهنا يبقى السؤال عن سبب اختيار إيران لهذا الفصيل تحديدا دون غيره من الفصائل كحزب الله اللبناني أو تلك الفصائل العراقية التابعة لإيران، لتبقى على الحدود العراقية السورية بحكم امتلاكها لأدوات رئيسية في التعامل مع أبناء البلدين وأهمها اللغة العربية، لكن يبدو أن هناك غرض آخر لطهران!
إن إيران أرادت أن تظهر ثقتها لهذا الفصيل دون غيره، وربما كان خاضعا أكثر لإمرة الحرس الثوري الإيراني من جانب.. بينما من جانب آخر فهي رسالة قوية تؤكد للدول العربية بأن هذه المنطقة أصبحت صاحبة لسان فارسي بلغة فارسية صريحة بعيدا عن الفصائل التي تتحدث العربية سواء من لبنان أو العراق وبالتالي فلا مجال من الطعن في تبعيتها المباشرة لطهران أو تحمل خسارة مستقبلية!
هل تستدرج أميركا إيران لساحة معركة أكبر؟
فهل اكتمل الهلال الشيعي الذي طالما حذرت منه دول سنية وأخرى غربية؟، وهل هكذا خرجت إيران عن مسار الخطوط المرسوم لها، أم أنه كان مخطط استدراج إيران لساحة معارك كبيرة خارج حدودها من البداية للقضاء على قواتها وجميع حلفائها مرة واحدة بعد كشف كل المتعاونين معها!
فإيران الآن عليها أن تعلم أن أميركا او الدول الغربية بالتأكيد لن تسمح لهذا التمدد أن يستمر طويلا دون رد، فقط هي مسألة وقت.
السي آي إيه حذرت من خطة إيران في التمدد عبر الأراضي العربية
لقد حذرت أميركا في نيسان / أبريل 2017 من أن اكتمال الهلال الشيعي الإيراني في الشرق الأوسط أصبح قاب قوسين أو أدنى، ليتحقق الأمر في حزيران بعد شهرين فقط من التحذيرات التي أطلقها مدير الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) مايكل مومبيو.
الرجل بين في تصريحات له لأحد مراكز الدراسات الاستراتيجية أن الإيرانيين طوروا القدرة الصاروخية لحزب الله ضد إسرائيل، وأنه أصبح لهم “ميليشيات شيعية في الموصل ويدعمون الحوثيين الذين يستهدفون السعودية بصواريخ في اليمن.
كما لفت إلى ازدياد تعدياتهم في “شكل درامي” منذ توقيع الاتفاق النووي بينهم وبين الدول الكبرى خلال عهد أوباما في عام 2015″، وهو اتفاق لا ييستطيع أحد أن يتكهن بمصيره في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كيف تطمئن إسرائيل لإيران مع وجود فيلق تابع للحرس الثوري؟
إن أحد أهم شروط الرضا الأميركي على إيران في عهد ترامب يتمثل في إجبار طهران على التعاون مع الشركاء الإقليميين، خصوصاً في الخليج، والأهم طمأنة إسرائيل والتعاون معها والأوروبيين كذلك لخوفهم من إيران.
لقد اختارت إيران لواء فاطميون من أصول أفغانية شيعية يقيمون على الأراضي الإيرانية ويدينون بالولاء لرجال الدين هناك، وراهنت عليه في الحفاظ على نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد جميع الكيانات المسلحة للمعارضة، بعد أن أصبح فيلقا كاملا تابع مباشرة للحرس الثوري الإيراني الذي جهزه قتاليا على أعلى مستوى يصلح مع حروب وصراعات “الشوارع”، وكذلك تمتع أفراده بالعقيدة القتالية ذات الحماسة والتأثير الديني.
فصيل شيعي أفغاني تدرب على يد فيلق القدس
ولمن لا يعلم فإن لواء فاطميون ظهر للمرة الأولى في عام 2012، عندما أخذت المعارضة السورية المسلحة في الانتشار بمناطق متفرقة بسوريا، وتولى قيادته اللواء الأفغاني علي رضا توسلي – الذي قتل لاحقا في معارك بسوريا – الرجل الأهم لقاسم سليماني في سوريا.
ويضم عناصر من الشيعة من قومية الهزارة القريبة من الفرس بأفغانستان، وجرى تدريبهم وتسليحهم من قبل فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيراني الأهم لبسط التمدد والنفوذ الإيراني بالمنطقة العربية، مستغلين في ذلك فقرهم وحاجتهم الملحة للأموال.
وشكل لواء فاطميون بعد تجميع عناصره من فصائل عراقية مسلحة، مثل “لواء أبي الفضل العباس”، أو هؤلاء الذين يقاتلون ضمن صفوف عناصر الحرس الثوري الايراني، وخاضوا المعارك في جبهات دمشق وريفها مساندة لقوات الأسد، ليشكلوا فيما بعد فيلقهم الخاص بهم التابع لحزب الله أفغانستان!
تميزوا بتواجدهم وقتالهم العنيف في جبهات ريف دمشق “الغوطة الشرقية – القلمون”، وريف حلب “حندارات”، فضلا عن مناطق أخرى بسوريا، ما أدى بالحرس الثوري إلى ترقيتهم من لواء إلى فيلق واعتمادهم كجماعة مسلحة رئيسية على الأرض في سوريا، خاصة مع سعي إيران إلى تغيير الطبيعة السكانية في سوريا بتوطين موالين لها هناك.
حديث ملك الأردن يتحقق بعد 13 عاما
وهكذا يبدو أن الهلال الشيعي قد بات واقعا على الأرض، وهو مصطلح أطلقه للمرة الأولى ملك الأردن عبدالله بن الحسين في تصريحاته لجريدة الواشنطن بوست عام 2004، عندما أعرب عن تخوفه من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان يسيطر على مقدرات المنطقة العربية الاقتصادية وقراراتها السياسية.
أميركا طوقت الشرق الأوسط بقواعد عسكرية ونقاط انطلاق
لكن يبقى السؤال، هل ستسمح أميركا فعليا لهذا الهلال أن يستمر طويلا مهددا أمنها القومي في إسرائيل، رغم كل قواعدها المنتشرة في الخليج المنشغل الآن بصراعاته مع قطر، أم أن هذا التواجد ربما لن يستمر طويلا وينتهي بحرب كبرى ربما لن تتخلى فيها روسيا عن حليفتها إيران؟