19 ديسمبر، 2024 8:17 ص

قضاؤنا والرشوة والعين العوراء

قضاؤنا والرشوة والعين العوراء

في صفحات التأريخ توثيق لأقاويل وأحاديث وعبارات، ليس لها أول ولن يكون لها آخر، فهي زاخرة بكم هائل لاينضب، من هذي الأقاويل واحدة قالها ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمي، إبان الحرب العالمية الثانية، عندما سأله احد المواطنين في خضم المعارك الدائرة آنذاك، عن أحوال البلد وكيف ان الخراب قد عمها، وان الاقتصاد متراجع، وان الرشوة تطال الجميع تقريبا، وان الوضع سيئ جدا، حينها بادر تشرشل وسأل الموجودين هل القضاء ببلدنا بخير؟ ولا يعتريه الفساد والرشوة؟ فأجابوه قائلين نعم بخير.. فقال لهم: إذن، بريطانيا بخير.

هذه ليست مقولة عابرة من شخص عابر تمر على أسماعنا مرور الكرام وحسب، فهي تحمل مغزى كبيرا، حيث ان القضاء العادل خط أحمر، يـُطلعنا التأريخ على مدى أهميته في جميع الأزمان وعلى كافة المستويات وفي البلدان كلها. فهو يجب ان يكون بعيدا عن السياسة، ولايتدخل بقراراته وسير محاكماته أيٌ من ساسة البلد حتى لو كان ملك ذاك البلد أو رئيسه. كذلك يجب ان ينأى القضاة والحكام عن أي تأثيرات ومؤثرا، سواء أشخصية كانت أم دينية أم حزبية! اما الرشى فانها آفة القضاء في القوانين الوضعية والسماوية.

في قضائنا الذي يقول عنه المعنيون أنه مستقل، وفق سياسة استقلال السلطات في البلاد التي أقرها الدستور، نسمع بين آونة وأخرى أن حكما بالسجن قد صدر بحق شخص ثبتت عليه تهمة فساد، وتحديدا تهمة الرشوة، هو خبر يبعث في نفوس العراقيين الشرفاء أملا بان القضاء العراقي مازال بخير، وإن كان قد مر بفعل العقود الأخيرة من الزمن بما غير مساره العادل، فإنه بدأ يستعيد حياديته وشفافيته، وبذا تصح على العراق مقولة تشرشل أن البلد بخير. ولكن لمن يتتبع هذا الحكم يرى انه حكم انتقائي، شمل بعض المدانين ونظر بعينه العوراء الى مدانين آخرين، في وقت كان الآحرى أن يـُطبـَّق على كثيرين باتوا يسرحون ويمرحون بعشرات أو مئات أضعاف المبلغ المتورط به محكومنا المسكين. فهل ان المجرم عندما (يحبك) جريمته حبكا مدروسا ومنظما، يصبح بمنأى عن عين القضاء؟ ويكون بمأمن عن يد القانون؟ أم ان القانون وضع بثغرات يعرف مفاتيحها وطلسماتها، أشخاص من ذوي الحظوظ والنفوذ! أم ياترى القضاء لاينظر بالجرائم ذات الارقام المالية والاختلاسات العالية!. يذكرني هذا ببيت الشعر القائل:

أتبصر ما في عين غيرك من قذى

وتغفل عن عينك معترض الجذل

فمتى يصل الدور للباقين الذين مازالوا خلف الكواليس، يمارسون ألاعيب السرقات وفنونها المنظورة وغير المنظورة، بكل حرية وبكل ماتقع عليه ايديهم؟ أظن استطلاعا بسيطا وعلى عجالة في هذا، نرى أن المال المسلوب عن طريق الاختلاس او الرشى او التلاعب بالمال العام، يمتلك القائم بتحصيله حصانة قانونية او قضائية او دبلوماسية، أو قد تكون نوعا آخر من الحصانات من التي لا ندرك كنهها، تضعه في مكان مترفع عن الإدانة، وبعيد عن أصابع الاتهام، ولعل القضاء ينظر الى جرائم الفساد المالي بعين البيت الآتي:

تغطي عيوب المرء كثرة ماله

يصدق في قوله وهو كذوب

أحدث المقالات

أحدث المقالات