بعد استشهاد الامام علي عليه السلام، تسلم ابنه الحسن عليه السلام زمام قيادة الامة، في زمن محرج جدا، فالتيارات السياسية كثيرة، والاهواء والمصالح، طافية على السطح، ودور معاوية التخريبي، فوق هذه التوجهات، كان مصدر تهديد للامام، فهي فرصة له، لكي يوسع من مساحته، بأي شكل من الاشكال، لكثرة التجاذبات والاختلافات، التي حصلت في وقت كان المجتمع يعيش ظروف الحروب، والحرمان.
حياة المتقين بالتوجه و الانقطاع الى الباري، والثقة به، وكيفية التدرج للارتقاء الى سلم الإخلاص الحقيقي، للوصول الى جوار نبيه (صلواته تعالى عليه وعلى أله)، فأن أتباع أهل البيت، على منابر من نور، عند مليك مقتدر، فرِحين، مسرورين، صبروا في الجهاد الأصغر والأكبر، فتبين الحق، والأخرة للذين لا يريدون علوا ولا فسادا، صابرين على الأذى في جنب خالقهم، متوكلين في امورهم على الذي لا يضيع عنده أجر المحسنين.
هناك رجال باعوا دينهم بدنياهم، مثلما فعل عبيد الله بن العباس، مع أبن عمه الحسن بن علي (عليهم السلام)، بعد ان كان ثقته، فأرسله على قيادة الجيش، لمقاتلة جيش معاوية، بعد أن قتل معاوية ابناءه، وله عداوة معه، لكنه أختار الأموال، مليون درهم، كان ثمن الخيانة، تجارة خاسرة، جعلته يبيع دينه، تلك الوصمة والعار، الذي لحق به، يطارده الى اليوم، ويمرغ أنفه بالذل والهوان. كانت الحكمة؛ تنفض غبار الزمن، وتعلن أن سيدها لا يخطأ التقدير، وبهذا الصبر الأبي، أعلن الحسن (عليه السلام) الثورة، حين وضع الميثاق والعهود على معاوية، ليحافظ على أرواح المسلمين، وخصوصا شيعة أهل البيت، ولم يعط الفرصة، لمعاوية بالقتال، الذي كان يروم له، بخطط خبيثة، رتب لها مسبقا، مع قادة جيش الامام، والوجهاء، وشيوخ العشائر، وأشترى ذممهم، بالأموال، والهدايا، والوعود الكاذبة، الا تبت أيادي الجبناء.
لقد تمكن الامام الحسن (عليه السلام) من الانتصار على معاوية (عليه اللعنة)، وأراد أن يكشف زيف ال أمية، بأن ليس لهم وعودا، وأنهم ليسوا لهم دين ولا ميثاق، بل ويعملوا على تحريف التعاليم الإسلامية، ومعاوية يبحث عن الملك، والسلطان ليتأمر على الناس، فمن ضمن الاتفاق، أن ألا يولي وليا للعهد بعده، ويرجع الامر إلى الامام، وان يكف عن شتم أمير المؤمنين (علي عليه السلام).
لم يقف معاوية عن دسائسه، ضد الامام، بل أزداد قسوة على الشيعة، وذهب يقتل ويهدم الدور على رؤوس أهلها، ليس لذنب اقترفوه، الا لأنهم من محبي علي (عليه السلام)، عشر سنوات الفترة التي عاشها الامام الحسن بعد استشهاد أبيه (عليهم السلام)، جاهد فيها في البداية، بسيفه ستة اشهر، ثم اكمل الامام الحسين (عليه السلام) عشرة سنوات صابرا محتسبا، بعد ذلك ختم حياته في الست أشهر الاخيرة، بالشهادة، فما اشبه مسيرتهم، عشرون سنة هي كفيلة بأن يعرفوا قيمة الاتفاق، خصوصا الى كل من أتهم الامام الحسن، بأنه مذل المؤمنين، تيقنوا أن الحكمة والصبر، سلاح فتاك، بيد الذين يعرفون الباري حق معرفته.
في الختام؛ الحسن وجه الحسين الحقيقي(عليهم السلام)، والمسيرة بدأت بكلاهما، لتكشف زيف ال أمية، لعنهم الله.