من يراقب الحراك الدبلوماسي العربي برمته حول الازمة القطرية الراهنة يكتشف ان العرب لازالوا يعيشون حالة هلع قبلية متخلفة ، مبالغ بها، في التعامل مع مثل هذه الازمات التي لم تحدث لأول مرة في الخلافات القطرية بين البلدان العربية .
وللاسف ان حمى التسارع المتعجل بانفعال كبير للمعالجات الممكنة، سواء كانت على شكل وساطات للتهدئة واطفاء الفتنة او تأجيج عداوات، بات يعالجها البعض بذهنية لا تمر على دهاقنة السياسة الذين لا يصدقون دائما ادعاءات البعض في حالة (…ضربني وبكى …سبقني واشتكى)، حتى لو كانت تلك الشكوى قادمة من الخصوم او الاعداء، ولا اقول كذلك من الاصدقاء والحلفاء الذين اضحوا منقسمين، بين ليلة واخرى بين هذا الطرف او ذاك.
لا شماتة بأحد ، وقلوبنا تعتصر الما وحسرة ، لهذا المشهد العربي المبكي المضحك اعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا ، عندما نقول انه من المخجل:
ان يفتش البعض من الاعراب عن اية تحالفات تتم بظرفية مع اية جهة كانت، حتى مع تلك البلدان التي لها مصلحة في اثارة مثل هذه الازمات العربية، فهناك من ينتظر الفرصة بفارغ الصبر ، ولا يهمه العمل على اخمادها او تهدئتها، مثل ايران وروسيا وتركيا ودول اوربية وعربية ، وحتى افريقية وغيرها، ممن يزايدون بمواقف مستغلة تتسم بالمتاجرة والمساومة ،بقصد كسب الارباح من بيع المواقف السياسية لهذا الطرف أو ذاك ، فهناك من يتعاطف ظاهريا ولفظيا مع قطر، وهناك من يستقبل وفودها، وايران تسارع على فتح و موانئها ورواق اجوائها للملاحة الجوية، وهناك من يعبئون حاويات الغذاء ويشحنوها بسرعة ونقلها في جسر جوي او بحري مقابل فواتير سخية عالية الاسعار، وكأن الحصار والمجاعة قد حلت بقطر خلال ثلاث ايام فقط ، ورغم ان الازمة لم يمر عليها اسبوع، وليست الامور كما يهولها الاعلام المرتزق من هنا وهناك .
وبالمقابل هرعت وفود السفراء ووزراء الخارجية لدول اخرى يطرقون ابواب حكومات ودول عربية وغربية لشرح مواقفهم من قطر والارهاب المتهمة به، في حين تبث مصادر الاعلام الامريكي، وعلى مدى الساعات والدقائق تصريحات وتعليقات بدت مثيرة ومتناقضة، إن لم تكن متعارضة تماما في صياغاتها واسلوب طرحها ، كما حصل بالامس بين تصريحين منسوبين لوزير الخارجية الامريكية والرئيس الامريكي دونالد ترامب ، في خلال اقل من ثلاث ساعات بين تعاقب التصريحين.
عراب الازمات ومختلقها كانت وستبقى امريكا واداراتها المتعاقبة، ومن لا ينظر الى تلك الوجهة الداعمة للارهاب والمخططة له سيخطأ تماما من تحديد اتجاه البوصلة الحقيقية لمكن الفتن، فامريكا، هي الرابح الاول والاخير من كل ازمة تعصف في المنطقة، وطالما ان الامريكيين وهم يتاجرون من جديد بمبدأ يسوقون له حربيا ويشعلون من حوله المباخر الدعوة الى الحرب والتدخل جاهزة امريكيا ، لتسويق وبيع اسلحتهم، فانهم ينتظرون ايضا، وبفارغ الصبر الى تطبيق مبدأهم الجديد، واستثمارهم القادم ، بعد خراب البلدان ( النفط مقابل الاعمار) على شاكلة ( النفط مقابل الغذاء).
رحم الله امرء ، تعلم من دروس الماضي القريب، وعساه ان لا يلدغ من الجحر الامريكي، اكثر من مرة .
ان غدا لناظره قريب