17 نوفمبر، 2024 10:01 م
Search
Close this search box.

اعلان شيعة العراق هل يصلح لهذا الزمان

اعلان شيعة العراق هل يصلح لهذا الزمان

لقد اطلعت على اعلان شيعة العراق بالصدفة وذلك لقرأتي مقال للكاتب الشاهبندر ,وكم كنت مندهشا من هكذا طرح كان بالامس القريب وقبل سقوط نظام صدام حسين يعد من المحرمات السياسية والمحضورات. فلقد اعترتني رغبة جامحة للبحث عن النص الكامل لهذا الاعلان بنسختيه العربية والانكليزية وقد وجدتة في موقع اعلان شيعة العراق وتمعنت به بشكل دقيق وقد حرصت على قرأءة النسخة الانكليزية بشكل اكثر تمعنا وقد وجدت ان تسليط الضوء على مفاصل هذا الاعلان يعد واجبا وطنيا مقدسا يجب ان يطلع عليه “شيعة العراق وسنته” ان صح التعبير رغم تحفظي الكبير على هذه المسميات الطائفية والمذهبية .وتتاتى قدسية هذا الواجب من كون النظام السياسي الحالي في العراق قد بني على اسس هذا الاعلان بشكل كبير .وكون الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003 مؤمنة ايمان قاطع بهذا الاعلان .

بدأ اود ان أوشر ملاحظة هامة لكل من يقرأ مقالي هذا ومفادها ان في عراق القرن العشرين ومنذ بدايات تاسيس المملكة العراقية ولحين سقوط نظام صدام حسين مارست السلطات الحكومية تميز واضح وغير مبرر على فئة اجتماعية وفكرية متمثلة بالمؤسسة الدينية الشيعية وبالاخص رجالات الدين الشيعة ذوي الاطاريح السياسية والذين لهم تاثير واضح على اتباعهم من عامة الناس والطبقات الفلاحية الفقيرة والغير متعلمة والتي كانت وقت ذاك تشكل ثقل سكاني كبير وشريحة اجتماعية واسعة الانتشار .كما كانت تمارس ضغوطا اقل على رجالات الدين السنة والذين كانوا لا يتمتعون بتأيد ودعم شعبي من سكنة مناطقهم كما كان لاقرانهم  الشيعة من تأثير, لا لكونهم سنة وانما لكون تاثيرهم اضعف واقل اهمية على اتباعهم .

والان يجب ان نبدأ بالتسلسل الذي ارتاه واضعي هذا الاعلان وكما يلي :

1.لقد كانت الخلفية التأريخية لاسباب اعلان شيعة العراق مبنية على اساس المظلومية للاكثرية الشيعية في العراق والتي تتنافى مع مبدأ العدالة الاجتماعية واسس التعايش الانساني حسب قول من كتبها وهذه مفارقة كبيرة وغير دقيقة ذلك ان” شيعة” العراق “المضطهدين” هم في الحقيقة ليسوا من تصدى لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتحسين ظروف العيش والتعلم والصحة وبناء البلد على اسس علمية حديثة , ولم يتصدوا لوضع دعائم الاقتصاد المزدهر واستثمار الثروات الطبيعية والتحرر الانساني الذي يتماهى مع مبدأ حقوق الانسان اليوم .لكن الحقيقة ان المظلومية التي اراد الكتاب بيانها هي تصدي الحكومة الى اتباع هذا المرجع الديني او ذاك والتي كان يطلق عليهم من قبل الحركات السياسية “التقدمية “كالشيوعين وغيرهم “بالرجعية” والذين كان جل ما يصبون اليه تنفيذ رغبات مراجع الدين الذين يعارضون الحكومة على اساس تقويض نفوذهم وتهميش دورهم القيادي في مجتمعاتهم .

2. نشأة المشكلة ,من الملاحظ ان الشخصيات التي اشرت وجود مشكلة يتعرض لها الشيعة “اتباع المراجع الدينية ” تحت بند الرسائل , هم في جلهم من الزعماء الدينين ومراجع الدين عدا الشبيبي وهو ليس بمنئ عن التاثيرات الدينية .

وهذا يؤكد قولنا ان المظلومية المراد بيانها هي ليست مظلومية شعب يصبوا الى التحرر والرفاهية والرقي والتنمية وهو في امس الحاجة اليها وقت ذاك واليوم ايضا , وانما مظلومية مفتعلة موجهه اساسا ضد سياسة الدولة  بتقويض دور رجالات الدين الشيعة بالسيطرة على اتباعهم, لغرض التاسيس للدولة المدنية الحديثة والتي تتبنى مرجعية الشعب لا مرجعية رجالات الدين .

3. من هم الشيعة ,لقد وقع من كتب هذا التعريف بمشكلة فكرية وعقائدية كبيرة عندما قال ان الشيعة يمؤمنوا بالجعفرية والصحيح ان الجعفرية هم فرقة من الشيعة تختلف مع غيرها من فرق الشيعة بوجودالائممة الاثني عشرية .كذلك هناك مفارقة اخرى وهي ان الشيعي هو من امن باهل البيت اما بالايمان او الولادة والحقيقة هي ليست هذه حيث ان الشيعي المراد تعريفه هو كل من يتبع المراجع الدينية ومقلدا لاحدهم حيث لا مكان لاعتبار اي شخص شيعي لا يؤمن بمرجعيته ومقلده او ليس له مرجع او مقلد .

4.السلطات تمارس الطائفية وتصنف الشيعة مواطنين درجة ثانية ,مرة اخرى نعود الى تعارض المسارات السياسية بين سلطة مدنية او عسكرية تريد ان تؤسس الى دولة حديثة وبين مؤسسة دينية ليس لها مشروع دولة تريد ان تحافظ على مكانتها ونفوذها وسلطتها على عموم الشعب وكنتيجة حتمية لهذا الصراع انبرى بعض الساسة الذين ليس لهم اي خلفيات دينية بالتصدي لبناء مشروع الدولة وكان من تصدى الى هذا المشروع هم بطبيعة الحال الشخصيات من المكون الاخر واقصد “السنة “لما لهم من توجهات بعيده عن ضغوط المرجعيات الدينية وتاثيرها ,بالمقابل لم نشاهد اي ناشط سياسي من المكون الاخر “شيعي” متصديا لهذا المشروع حيث اثر الكثيرعلى عدم تحدي سطوة ونفوذ المرجعيات الدينية والتي افتت في حينها حرمة العمل السياسي . وكنتيجة لهذا فان تصادم الارادتين افرز ارهاصات كثيرة وتاثيرات سلبية على المجتمع العراقي وبالاخص الجنوبي كون التاثير الديني كان سائدا ,واصبحت سياسة الاقصاء الوقائي هي السائدة من قبل متصدي مشروع الدولة الحديثة ضد من يوالي مشروع رجالات الدين الشيعة او مع من يتعاطف معه ومن هنا تولد شعور لدى ابناء الشعب الجنوبي كان للمرجعية الدينية الدور الاكبر في بلورته لصالح توجهاتها “شعورا بالتهميش والاقصاء “اضافة لهذا فان من تصدى لمشروع الدولة كان من “المذهب السني” لا لكونه سنيا وانما لكونه بعيد عن توجهات مراجع الدين واجنداتهم السياسية فكان لون الدولة مصبوغا بهذا المكون .والحقيقة هي عدم وجود اي تميز على اساس المواطنة والحقوق والواجبات تجاه الدولة للمواطن او العكس بين “السنة والشيعة ” كما اراد كتاب هذا الاعلان من تثبيته بل هناك تميز واقصاء لدور رجالات الدين الشيعة واتباعهم للاسباب الواردة سابقا .

5.طبيعة المعارضة الشيعية . لقد تطرق الاعلان الى ان المعارضة الشيعية لنظام الحكم المتعاقب منذ بداية العشرينات من القرن الماضي ولحين سقوط نظام صدام حسين فيما بعد ,هي بطبيعتها معارضة سياسية وليست دينية ذات مرجعيات اسلامية ,وهي تأسست كنتيجة للظلم والتميز الذي مورس عليها من قبل الحكومات المتعاقبة على حكم العراق ,وهذا صحيح بشكل عام ولكن عندما تريد ان تبحث بتفاصيل هذه المعارضة فانك تجدها معارضة دينية بحته ذات توجهات مذهبية وفلسفة اسلامية شيعية لاتؤمن بالديموقراية وبناءنموذج الدولة المدنية الحديثة ومرجعيتها الكتاب واهل البيت والسنة المحمدية الشيعية ان صح التعبير ,لذلك يمكننا القول ان المعارضة الشيعية هي في حقيقتها صدى لاصوات المراجع الدينية الذين يقاومون افول نجمهم وسيطرتهم على اتباعهم وذلك بتوظيف سياسات الحكومات المتعاقبة على حكم العراق سياسة “الاقصاء الوقائي للشيعة  ” وتاثيراتها على ابعاد شرائح مثقفثي الشيعة وكوادرهم الفنية الكفؤة غير المسيسة دينيا ,كأساس في توجيه الصراع وكأنه صراع بين دولة سنية وشعب شيعي بالاغلبية .فالتحق بركب هذه المعارضة الدينية وعلى اساس مبدأ رد الفعل بعض الشخصيات العلمية والكوادر المهنية المرموقة لاضفاء صفة الشمولية عليها لاخفاء طابعها الديني المثير للجدل لدى الكثير من الاوساط الثقافية والسياسية المعتدلة ,ولم يستطيع هؤلاء التكنوقراط ان صح التعبير تغير طابع المعارضة الديني, وتفوق الطابع الديني في نهاية المطاف بطبيعة الحال .

6.الشيعة والوحدة الوطنية ,من المعروف ان “شيعة العراق ” هم من معتنقي المذهب الجعفري , هم مواطنون عراقيون لا يؤمنون بالفوارق المذهبية او الدينية لدى ابناءشعبهم كاساس للمواطنة لذلك ليس من نافلة القول الخوض بحرص الشيعة على الوحدة الوطنية لانه ليس هناك بالمقابل  اي طرف اخر يريد تفتيت الوحدة الوطنية لا السنة ولا حتى الاكراد .اماعندما نتحدث عن المرجعيات الدينية فلنا قول اخر ينصب في نفس الاتجاه المنوه عنه اعلاه .

7.مطالب “الشيعة ” ,الديمقراطية ,رفع التميز الطائفي ,الفدرالية .اما بخصوص الديقراطية فأنها نظام غربي لتداول السلطة وبناء الدولة المدنية الحديثة بتفويض من الشعب والفصل بين السلطات الثلاث ,في حين ان الطروحات السياسية ذات المرجعيات الاسلامية والدينية بشقيها الشيعي والسني لا تعترف صراحة بهذا ولا تؤمن به وبما ان جل المعارضة الشيعية توجهاتها اسلامية فهذا يعني ان الديمقراطية كمطلب هو غير جدي .اما التمييز الطائفي فهو موجود حقا وتنتفي له الحاجة او يزول بمجرد زوال تاثيرات وتدخلات رجالات الدين بالحكم “فصل الدين عن السياسة “ويمكننا القول ان العملية يمكن ان تصبح معكوسة اذا ما تصدى الشيعة المؤمنين بقيام دولة مدنية حديثة ليس للمرجعيات الدينية تأثير على مساراتها ومؤسساتها وقابلها توجه مضاد من مرجعيات دينية سنية لها تاثير كبير على اتباعها من عامة الناس فعندها سوف يمارس رجالات الدولة من “شيعة” سياسة الاقصاء الوقائي ضد اهل السنة لانجاح مشروع الدولة .

الفدرالية نظام حكم يجمع بين مكونات بشرية وجغرافية مختلفة تريد ان تتحد لاهداف تنموية واقتصادية وسياسية ولا توجد في تاريخ العالم فدرالية تتحد على اساس اختلاف  الدين او المذهب ,ولا توجد بالعراق هكذا صراعات او تباين في المكونات يصل حد الافتراق وعليها التوحد, بل بالعكس هناك تمازج وانصهار وتعاون لذلك من الخطا الكبير اعتبار الفدرالية مطلب شيعي ,  لما لها من خطورة على تقسيم البلد وضياعه في هويات طائفية واثنية ضيقة لا تؤدي الا الى انهاء العراق كدولة وكان الاجدى بهؤلاء ان يركزوا على اللامركزية الادارية والجغرافية كمطلب لانعاش واقع الخدمات والتنمية في ارجاء البلد بدل تقسيمه على اسس غير واقعية تحمل في طياتها توجهات ومرامي خارجية .

الخلاصة

اعلان شيعة العراق هو اعلان في ظاهره  يحمل شعور بالمرارة لابناء الجنوب والوسط الذين مورست بحقهم السلطات المتعاقبة على العراق التميز والاقصاء والتهميش لكونهم شيعه تماشيا مع سياسية الاقصاء الوقائي ,وفي مضمونه يحمل توجهات فئوية وطبقية لشريحة رجالات الدين الشيعة وحفاظهم على دورهم المهيمن على مصير الناس البسطاء والكسبة وشبه المثقفين لديمومة سلطانهم مع توافق بعض الاجندات الدولية والاقليمية في توظيف الصراع الطائفي لخدمة اغراضها وتوجهاتها السياسية .وعلى كل مواطن عراقي  بغض النظر عن مذهبه او اثنيته او قوميته ان ينتبه لخطورة هكذا توجهات قد تبلورت لدى البعض بحسن نية او كشعور بالظلم وان يسرع بلفظها واسقاطها من حساباته ويتوجه الى لم الشمل العراقي فولله ليس هناك سنة عاقلين يريدون اقصاء الشيعة والعقلاء في العراق هم الاكثر وليس هناك شيعة في العراق يريدون اقصاء السنة ,والصراع مفتعل وربما الطبقة السياسية الحاكمة الان تدرك هذا اليوم اكثر من اي وقت مضى عدم جدوى هكذا توجهات خطيرة, ولكن من تورط في هذا المشروع ولا يستطيع التخلي عنه لسبب او اخر ؟عليه  ان يتنحى او ينسحب ليفسح المجال لغيره من الوطنين قبل فوات الاوان وتحل عليه اللعنة الابدية .
[email protected]

أحدث المقالات