18 نوفمبر، 2024 1:47 ص
Search
Close this search box.

دولة مستقلة ام اقليم متمرد ؟

دولة مستقلة ام اقليم متمرد ؟

لايخفى على المتابع للحدث العراقي تطور ازمة العلاقة بين بغداد وبين اقليم كردستان في ظل رئاسة مسعود بارزاني التي اتسمت بالدكتاتورية واختزال القرار الكردي بشخصه , وكان تطور ازمة العلاقة بين الطرفين وصل حد الصدام المسلح بين ميليشيا (البيش مركه) وقطعات الجيش العراقي على حدود محافظة نينوى مع سوريا كما كان مقدرا للازمة ان تصل هذه المرحلة وسوف تتطور الى  الاحتكاك المسلح بالفعل خصوصا مع تطورات الحدث السوري . يرجع البعض اسباب الازمات الى الصلاحيات الواسعة للاقليم الكردي في ظل النظام الفيدرالي في العراق وهي صلاحيات لا تتمتع بها اي فيدرالية في العالم , فهي جعلت من ادارة اقليم كردستان دولة داخل دولة , فمما منحه الدستور للاقاليم والمحافظات تاسيس مكاتب في السفارات والبعثات الديبلوماسية ( المادة : 117 رابعا ) , ويقينا ان هذه المكاتب تتحول الى سفارات ومكاتب اتصال تتجاوز على صلاحيات الحكومة , ومنها منح الاولوية لقوانين الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف مع القانون الاتحادي (المادة : 111) , والادهى في الامر ان اي تعديل على المواد الدستورية التي ثبت في الواقع اضعافها للحكومة المركزية وخطورتها على وحدة العراق لا يمكن تعديلها الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم وموافقة اغلبية سكانه باستفتاء عام (المادة : 122 رابعا) , وطبقا لمنطوق هذه المادة لايمكن تعديل المواد التي تضر بوحدة العراق وقوة قراراته دوليا واقليميا وكان حريا بواضعي الدستور انذاك ان يلتفتوا الى التجارب الفيدرالية في العالم قبل تسطير هكذا مواد مفخخة ؟ .
    عندما تبنى مشرعوا الدستور النظام الفيدرالي كانوا ينظرون الى خطورة الدكتاتورية التي خرج العراق منها , وكان مطلوبا تحطيم شبحها وازالة اثارها كما انهم وجدوا اقليم كردستان بمحافظاته الثلاثة حالة قائمة منذ عام 1991 وبحماية اميريكية دولية , لكن المشرع العراقي وفي ظل الخوف من الدكتاتورية وقوة الجبهة الكردية وتماسكها مقابل تفكك الجبهة العربية في صراع طائفي خضع للابتزاز من جهة , والامل بفيدرالية الوسط والجنوب اندفع هذا المشرع باتجاه اقرار صلاحيات واسعة للاقاليم اضعفت العراق كثيرا وجعلته دولة الرجل المريض مع ان القائم من تلك الفيدراليات اقليم كردستان فقط , فماذا ستكون عليه درجة ضعف العراق لو قامت الى جنبها فيدرالية في المحافظات الغربية او الجنوبية ؟ .
         كثير من المواطنين والمتابعين اعجبوا بتجربة اقليم كردستان في التنمية والبناء والخدمات مما جعلهم ينظرون الى فدرلة العراق بانها حل واقعي لمشاكل الدولة والمواطنين معا , وهذا الاعجاب فيه جزء من الحقيقة وليس كل الحقيقة , فهناك طبقات مسحوقة من الشعب الكردي مقابل طبقة ملكت الثروة والنفوذ تتقدمها عائلة البارزاني التي لاتخضع ثرواتها في الداخل والخارج الى اي استقصاء او مساءلة , الى جانب ذلك تحولت سلطة الاقليم الى سلطة دكتاتورية عائلية حيث تقبض عائلة بارزاني على مفاصل الحكم في الاقليم من الرئاسة الى رئاسة الحكومة الى رئاسة الاجهزة الامنية وقد قامت تلك الاجهزة بمهمات قذرة ضد صحفيين ونشطاء وقيادات سياسية معارضة في الاقليم دون خوف من مساءلة او محاكمة , وهذا وغيره رسم صورة ذهنية سيئة للفيدرالية والاقاليم لدى العراقيين , فصارت مشروعا لاضعاف العراق وتفكيكه .
   في ظل الصلاحيات الواسعة للاقليم والمتداخلة مع صلاحيات الحكومة الاتحادية , وفي ظل الطموح الشخصي لرئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني بان يكون عهده عهد تاسيس الدولة الكردية المستقلة تصاعدت قرارات حكومة الاقليم المتحدية لحكومة بغداد , من انفرادها بانتاج النفط وتهريبه , الى انفرادها بادارة المنافذ الحدودية الشمالية للعراق , الى محاولات عقد صفقات تسليح خاصة بميليشيا (البيش مركه) , الى اعتبارها المناطق المتنازع عليها مناطق كردية وهي مناطق لم يحسم امرها من الناحية القانونية بعد , واخر ما في قائمة اضعاف العراق وحكومته الاتحادية الموقف الكردي من الازمة السورية . ان موقف حكومة اقليم كردستان من الازمة السورية وتطوراتها يناقض تماما موقف الحكومة في بغداد مع ان الدستور يعطي حكومة بغداد وحدها ادارة ملف السياسة الخارجية للبلاد والتعبير عن الموقف الرسمي للعراق ازاء كل القضايا الاقليمية والدولية (المادة : 107 اولا ) , وخلافا للدستور (المادة : 7 ثانيا) استقبلت حكومة الاقليم مجاميع من المعارضة السورية , خصوصا الكردية منها لتدريبها على السلاح واعادتها  الى سوريا , كما جعلت من الاقليم – وهو ارض عراقية تخضع للسلطة الاتحادية – ملاذا امنا لبعض القيادات السورية المعارضة تنشط فيه وتنسق اعمالها , كما اصبح الاقليم ممرا للسلاح والمجاميع الارهابية بالتناغم مع مواقف تركيا والسعودية وقطر من الازمة السورية , وهي دول اصبحت مثلث الشر في المنطقة بدعم امريكي اسرائيلي .
   يحصر الدستور العراقي الحفاظ على وحدة العراق وسيادته واستقلاله بالسلطات الاتحادية (المادة : 106) , ومن هنا يترتب على حكومة بغداد القيام بواجباتها في تحريك القطعات العسكرية للجيش العراقي باتجاه الحدود مع سوريا حسب تطورات الازمة في هذا البلد لاسيما ان المعارضة السورية خليط من العلمانيين ومن السلفيين الدمويين الذين يعلنون كل يوم استهدافهم العراق وشعبه وهم على تواصل مع الخلايا الارهابية الناشطة في العراق , ولكن ما ان تحركت قطعات الجيش العراقي حتى وجدت على حدود محافظة نينوى مليشيا (البيش مركه) تقف حائلا بينها وبين تنفيذ واجباتها , وهي لعمري بفعلها هذا تحولت من قطعات تعد جزءا من القوات المسلحة العراقية كما يروج لذلك بعض القيادات الكردية الى عصابات مسلحة خارجة على القانون وعلى الحكومة القضاء عليها وتجفيف كل عوامل تغذيتها المالية والتسليحية لان الدستور يحظر تكوين ميلشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة (المادة : 9 اولا, ب) .
      لماذا هددت حكومة بارزاني باستعمال القوة العسكرية ضد الجيش العراقي في حال انتشاره على حدود محافظة نينوى مع سوريا مع ان هذا الانتشار حق حصري للحكومة الاتحادية ؟ . تتعدد الاجوبة على هذا التساؤل ولكن من المتفق عليه ان حكومة كردستان اصبحت جزءا من اللعبة الاقليمية فيما يخص سوريا ولها دورها كما لتركيا وقطر والسعودية ادوارها المرسومة اميريكيا اسرائيليا , وحكومة اقليم كردستان تطمح في النهاية الى تحقيق ما ياتي :
1- قبول المثلث التركي السعودي القطري وبمباركة اميريكية اسرائيلية بدولة كردية مستقلة شمالي العراق ثمنا وتقديرا للموقف المسعودي من الازمة التركية .
2 – في حال سقوط بشار الاسد وتفكك سوريا الى دويلات تتخلص قيادة اقليم كردستان من احدى الدول الاقليمية المعارضة للدولة الكردية المستقلة .
3 – الاعتراض التركي على الدولة الكردية المستقلة شمالي العراق يمكن تسويته باتفاق سياسي يمنح اكراد تركيا حكما ذاتيا , ويمنح تركيا دورا اوسع في شؤون المنطقة الى جانب امتيازات خاصة للشركات التركية .
4 – الاعتراض الايراني لا قيمة له في ظل تلك التطورات لان سيصبح اعتراضا منفردا , بل ان ايران نفسها سوف تصبح هدفا لاثارة اضطرابات داخلية فيها الى جانب ازمة ملفها النووي .
5 – تطمح قيادة اقليم كردستان العراق بسيناريو لاكراد سوريا يشبه في خطواته ما جرى في العراق وهو فرض مناطق كردية شبه مستقلة في سوريا تتطور الى دولة مستقلة تتحد مع الدولة الكردية المرتقبة شمالي العراق .
هذه الاهداف او السيناريو هي ما يحمل حكومة اقليم كردستان ومسعود بارزاني على التمرد على سياسة ومواقف حكومة بغداد سواء على مستوى الموقف من الازمة السورية او تسليح مليشيا (البيش مركه) او تهريب النفط او السيطرة على المنافذ الحدوية او باستقبال وزير خارجية تركيا في اربيل دون اذن من بغداد وترتيب زيارته لمحافظة كركوك .
     بعض القوى السورية وغير السورية من خلال متابعة مواقف مسعود بارزاني وحكومته وكيف تحول الى خنجر في خاصرة العراق دعا الى انفصال الكرد السوريين مبكرا وتحميلهم تبعات الانفصال سياسيا واقتصاديا وعسكريا , وبهذا الخصوص كتب عامر العظم ” ليس كرها بالأكراد ولا رغبة في تقسيم سوريا لكن سوريا ليست بحاجة لكل هذا الصداع ولبرزاني جديد وبشمركة جديدة، سوريا الجريحة بعد سقوط بشار لا تملك الروح لتتصرف كماما تريزا مع الأكراد السوريين، لذا فالأفضل هو تسليم الجمل بما حمل سريعا ! ليأخذوا أرضهم وسكانهم ويلتحقوا بأكراد العراق والسلام ” .
لماذا اغفلنا نحن في العراق هذه الحقيقة وبقينا نحلم بوحدة وطنية تضم شعبا اخر قاتل من اجل دولته المستقلة عشرات السنين ؟ .

أحدث المقالات