سألني صديق عن الأزمة القطرية والتعاطي العربي معها وخصوصا العراقي, فقلت أن المواقف تنوعت حسب الرؤية السياسية لكل بلد, وحسب طبيعة المحاور, أو تبعا لتراكم أحداث الماضي, واغلب المواقف اتجهت للخندق السعودي, أما عراقيا فعليك أن لا تتوقع شيئا كبيرا, فهم سيلتزمون الصمت, وينتظرون ما هي توجهات محاور المنطقة, ثم ينقسمون حسب المحاور ما بين داعم ورافض, وهكذا يتشظى الرأي العراقي ويصبح ضعيفا وغير ذي اثر, والمنطقة تعلم ذلك ولا تقيم له وزنا, وهذا مما يثير الحزن عند العراقيين, لأنهم نكبوا بساسة سذج.
هنالك فن يدعى فن التعامل مع الأزمات, بحيث تتحول الأزمة الى مكسب وانطلاقة جديدة.
● الموقف الإيراني من الأزمة
لو نقرأ الموقف الإيراني نجده موقف ذكي, وينم على فهم واسع, فمع المواقف القطرية السابقة المعادية في سوريا والعراق واليمن, ومساندتها للجهد الخليجي في محاصرة إيران والدعوى لفرض عقوبات دولية قاسية, لكن إيران في الأزمة القطرية فتحت ذراعيها للقطريين, وأصبحت نافذتهم نحو العالم ألان, لم تصمت أو تتخاذل أو تتشفى بعدوها, بل تفهم أن مد العون اليوم مهم, باعتباره أولا كواجب أنساني وسيسجله التاريخ, وثانيا لن ينساه القطريون, وثالثا هو انطلاقة جديدة للعلاقات الإيرانية الخليجية.
الحكومة عندما تكون خلفها مؤسسة تخطط لها وتضع البرامج وتفهم طبيعة المتغيرات وكيفية التعامل معها ستكون تلك الحكومات ناضجة ومثمرة لشعبها, وهذا حال الحكومة الإيرانية التي تسير وفق خطط وبرامج لجعل إيران اقوي.
● الموقف الكويتي من الأزمة
الكويت دولة صغيرة جدا, جغرافيا وسكانيا, ولولا النفط لما صمد وجودها, لكن في الأزمات يظهر الكويتي كعملاق كبير, فلم تسكت مثل بعض الدول المنطقة (العراق مثلا), بل كانت في حركة وتواصل مع أطراف الأزمة مع بلورة فكرة وفهم لحل الأزمة الى أن خرجت بوساطة لحل فتيل الأزمة, وهذا الموقف الكبير سيسجل التاريخ للكويت, كدولة ساعية للسلام بدل التصعيد وشبح الحرب المخيف.
الموقف الكويتي لم يجعلها تخسر احد الطرفين, بل كلاهما سينصت للصوت الكويتي, الساعي للحفاظ على اللحمة الخليجية, وحفظ المصالح وأبعاد شبح الحرب والخلافات بين دول الخليج.
الموقف الكويتي يشير لحنكة في الحكم وفهم واسع لمصالح الكويت, انه علم السياسة الذي يجتهد به الكويتيون, فالصمت والنوم لا ينتج الا خيبات كما أصابتنا نحن العراقيون من ساستنا السذج.
● الموقف المصري من الأزمة
الموقف المصري كان عدائيا, وهو مبني على صراع سابق واتهامات متبادلة منذ الانقلاب على السيسي المدعوم قطريا, فسخرت مصر أعلامها للهجوم على الحكومة القطرية وفضح منهجها في دعم الإرهاب والسعي لإحراق المنطقة بما يسمى بالربيع العربي, وتخندقت في خندق السعودية, بعد كسر الجليد في مؤتمر الرياض الأخير.
وحسب الرؤية المصرية فالمكاسب المنتظرة هي: أولا هي كانت تنتظر الفرصة لرد الصفعة القطرية, عندما دعمت جهود التخريب في مصر, فالمصريين يجدونها فرصة للانقضاض على العدو وليس وقت التسامح, ثانيا أن المصريين يسعوا لكسب ود محور أمريكا والسعودية, عبر موقف منسجم مع مواقفهم, وبالتالي كسب الاستثمارات والقروض الأمريكية والسعودية, وثالثا عودة الدور المؤثر عربيا لمصر.
أذن مصر تتحرك من منطلق البحث عن مكاسب والانتقام من العدو, وهو موقف سيسجل تاريخيا لان له اثر في الأحداث.
● الموقف العراقي من الأزمة
الموقف العراقي ميت, لا يوجد أي موقف لا تأييد لمحور المقاطعة ولا دعم للشيخ تميم, بل فضل المسئولون الحكوميون الصمت وانتظار انتهاء العاصفة للوقوف مع المنتصر.
حالة من الإغماء التي لا يستفيق منه ساسة الخضراء, مما أزاح أي أهمية للعراق إقليميا.
وللسكوت العراقي أسبابه, أولا: غياب أي رؤية سياسية للعراق في علاقاته الخارجية وفي كيفية التعامل مع دول الجوار, حيث عودنا الساسة على العنتريات الفارغة والهزائم السياسية المتلاحقة, وثانيا: بسبب انقسام ولاءات حلف الأحزاب الحاكم, فاغلب الكيانات السياسة تابعة لدول إقليمية أو قوى عظمى وهكذا نجد تنوع في المواقف اتجاه القضية الواحدة فيبدد قوة أي موقف عراقي ممكن تحققه, وثالثا: البلادة السياسية التي يتمتع بها كبار الساسة, فلا يرون ابعد من غرفهم, رابعا: الصراعات الداخلية جعلت الساسة العراقيون في حالة من التيه.