ان ما يحدث من تطورات سريعة في الساحة السياسية لدول التعاون هو ترجمة للخطاب العالي النبرة الذي صدر عن اعلان قمة الرياض بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن هنا فان القلق عند بعض دول تجاه محاولة السعودية الإمسالك بزمام الأمور في المنطقة والتي اصبحت اللاعب الأساس في تصفية الملفات الساخنة من خلال العقود والصفقات الكبرى التي تم عقدها مع الولايات المتحدة والتي بلغت مئات المليارات من الدولارات ، وكان هناك ردود واضحة من قبل بعض الدول على ذلك كما ان القمة التي جمعت هذا الكم من الدول العربية والاسلامية الى جانبها واتخذت موقف عالي النبرة تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تعتبر لدورها المؤثر والمحوري في المنطقة وعلاقاتها الجيدة مع بعض اطراف النزاع ولديها حضور متوازن في اكثر من دولة عربية في المنطقة هي المقصودة ، كما يعزي بعض المحللين ان القمة وضعت سقوفا عالية للعلاقات ، وتعني ان اي دولة عربية وخصوصاً ” دول التعاون ” تنزل عن هذا السقف تصبح بمعاداة وبحالة خصومة مع الواقع العربي الجديد المتحالف مع اميركا. ومن المفارقات التاريخية التي تعتبر قليلية في مثل هذه العلاقات ولم تصل الى هذا الحد من الخصام وكان اشدها ضد مصر التي تم مقاطعتها عندما ذهبت الى كامب دايفيد وتنازلت عن الحق الفلسطيني وحينها تم نقل مقر جامعة الدول العربية منها الى تونس، اضافة الى ذلك، النزاع العنيف بين فصيلي حزب البعث في العراق وسوريا في ذلك الوقت والذي وصل الى حد القطيعة وحالة حرب اعلامية شرسة بينهما دون استعمال السلاح .وما يحدث اليوم يعتبر اعلى درجة من التشنج بين بلدانها فهو ليس استبدال سفراء او بعض الديبلوماسيين، انما قطعت العلاقات الديبلوماسية بشكل تام، واكثر من ذلك فقد وصلنا الى مرحلة أصبحت فيها الاجواء الجوية ايضا مُحظرة على الطيران الذي يأتي ويذهب الى قطر، وبالتالي يُعتبر حالة نزاع سلمي بين قطر والدول التي أخذت قرارا بمقاطعتها وبمقاطعة اجوائها لمنعها من استعمال اجوائهم بالاضافة لقطع العلاقات الديبلوماسية . الغريب في الامر هو دخول مصر بشكل مباشر في الازمة والتي يفهم منها تطوراً يمكن أن تحسب على أنها إستراتيجية جديدة لجمهورية مصر العربية تجاه مايجري في المنطقة ومحاولة العودة الى الريادة بعد ان استفحلت فيها المملكة العربية السعودية ، وقد يدل ذلك بالفعل على أنه تغير نوعي في السياسة المصرية التي لاتقبل قيادتها بأن يهمل دورها في المنطقة .كما يمكن الاشارة الى دور جامعة الدول العربية السيئ والمؤلم والغير موجود والسكوت الغريب و التي نشأت بالأساس لإقامة التواصل بين الدول العربية التي تحدث مشاكل فيما بينها وفي مثل هذه الحالات، والتي اوصلتها سلوكياتها وتبعيتها الماضية الى هذا الحد من النزول والتي لا تسمح لها ان تلعب دور وسيط يثق به للحد من مخاطر النزاع ونتائجه على الدول العربية . ولاشك ان الازمة السياسية الحادة بين قطر وجيرانها القريبين والبعيدين في العالم العربي أدت إلى قرارات تترجم في القانون الدولي على انها قطيعة، وتدهورت علاقات قطر مع جيرانها السعودية والإمارات والبحرين فضلا عن مصر وبعض الدول الاخرى ووصولها لهذا المستويات الغير مسبوقة لتصل لحد قطع العلاقات الدبلوماسية معها هو بمثابة اعلان حرب بين الاطراف كما تعطي نتائج سلبية على مستقبل مجلس التعاون الخليجي ويهدد كيانه . من المؤسف ان تصل البلاد العربية الى هذا الحد من الصراع ، ولا اعتقد انه من مصلحة احد ان يدخل في مثل هذا الصراع ، لانه يساهم في تكبير الفجوة، وبقاء دولة الكويت وسلطنة عمان الوحيدتين من مجلس التعاون الخليجي على علاقة معها يعني انهما سيلعبان بشكل ايجابي مع الازمة كما يحدث دائماً في مثل هذه الموضوع.
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي