15 نوفمبر، 2024 7:40 ص
Search
Close this search box.

“الكافرة” .. براعة “علي بدر” في معايشة مخاوف المرأة

“الكافرة” .. براعة “علي بدر” في معايشة مخاوف المرأة

قراءة – سماح عادل :

تبدأ رواية “الكافرة” للروائي العراقي “علي بدر”، إصدار منشورات المتوسط، بحديث للبطلة “صوفيا”.. تحكي فيه حكي أشبه بمونولوج عن نفسها وحياتها، لنكتشف أنه ليس حواراً داخلياً وإنما هي تحكي لحبيب لها يرقد مريضاً.. تتنقل “صوفيا” بين الأحداث الماضية، في سرد متواتر ما بين زمن أقدم وزمن أحدث، وجميع تلك الأحداث تقع في ماضيها.. يتقمص الكاتب شخصية البطلة الأنثى، ويحكي من خلالها ببراعة عن إحساس المرأة بهذا العالم، الذي يضطهدها شرقاً وغرباً.. لكن اضطهاد الشرق أثقل وطأة.

التشدد الديني..

تتذكر “صوفيا” طفولتها القاسية تحت وطأة صدمة حادث وقع لحبيبها، وأصبح بين الحياة والموت، عاشت في بقعة صحراوية احتلتها جماعة مسلحة تنتمي للتيار الديني المتشدد، لتتحول حياتها إلى شقاء متواصل هي وأمها، تعمل خادمة، ويموت أبوها الذي ينضم للمسلحين، وتتزوج أمها رغماً عنها، خوفاً من طمع المسلحين بها بسكير ليموت هو أيضاً.. ترصد “صوفيا”، التي كانت “فاطمة” في الماضي، كيف يتعامل المتشددين بوحشية مع الجميع، ويضطهدون المرأة بشكل مضاعف، من خلال حادثة رجم لفتاة حتى الموت، بدعوى أنها زانية، في حين أنهم يسبون النساء لمتعتهم الجنسية، واغتصابهن وقتما شاءوا.. تتزوج “فاطمة” من شاب برئ تقتله أطماع المتشددين الذين يقنعونه أن يفجر جسده لينعم بسبعين حورية في الجنة.

ترصد الرواية كيف حول المتشددين الدينيين بلدان بعينها في منطقة الشرق الأوسط لمنطقة أزمات.. سبوا النساء وقتلوا الرجال ومثلوا بجثثهم، ودمروا معالم الحضارة، وقضوا على كل معاني الحياة الجميلة لصالح إشباع غرائزهم من خلال معاناة “فاطمة”، وإن جاء خلاصها بالصدفة حين ماتت أمها، واستطاعت الهرب إلى أوروبا بمساعدة أحد المهربين، لكنه لم يكن خلاصاً بقدر ما كان معركة جديدة تنتظرها، حيث عاشت في حياة بائسة كلاجئة، إلى أن استطاعت تعلم اللغة والعمل بجد لتجد لنفسها مكاناً في بلجيكا.

الهروب من الهوية..

غيرت “فاطمة” اسمها وتنكرت لهويتها العربية لأنها كانت تريد أن تعيش حياة جديدة، ليس فيها ذكرى للشقاء الذي عاشته، أحبت شاب أوروبي لتكتشف أنه أيضاً ينحدر من أصول عربية، وأن والده لبناني.. لتنتقل الرواية إلى رصد الحرب الأهلية في لبنان، والقتل الوحشي لكلا الطرفين مسلمين ومسيحيين، ونقل التمزق النفسي الذي تعانيه “صوفي” ما بين التخلي عن هويتها بل وكراهيتها، وما بين شعورها أن ما جعلها تحب “أدريان” هو أنه عربي مثلها، ويشاركها نفس المعاناة.

إدانة التعصب..

تدين الرواية التعصب الديني والعرقي.. ليس بشكل مباشر وإنما من خلال رصد آثاره المدمرة على النفس البشرية، ترصد تحول المنطقة العربية إلى التشدد الديني، وغزو جماعات ممولة ومغرضة إلى استخدام الدين لتخريب المنطقة، وتأثير ذلك على المرأة، التي هي الفرد الأضعف والذي يقع عليها العبء المضاعف، لتؤكد أن العنف يولد مزيد من العنف لتنتهي حياة الإنسان الذي يقع في هذه الدائرة الجهنمية بشكل بائس، مثلما حدث لوالد “أدريان” الذي انتحر رغم أنه هاجر من لبنان وبدأ حياة جديدة، لكن ذكرى العنف الذي وقع عليه والذي أصبح فيما بعد أحد أياديه لقتل أناس آخرين ظل يلاحقه، ولم تنتهي المأساة بموته بل امتدت لابنه “أدريان” الذي ظل محملاً بذنب أبيه ومعاناته.

التحرر من العنف..

تتحرر “صوفي” من العنف.. ليس فقط عندما تختار أن تهاجرمن تلك المنطقة الخربة، وإنما عندما تحارب لتعيش في سلام، معتمدة على قوتها الداخلية وعزيمتها.. تواجه اضطهاد من نوع آخر، يتعامل به الناس مع اللاجئين بسبب عوزهم، خاصة العمال المهاجرين إلى الدول الأوروبية، لأنهم يعتبرون أنفسهم أحسن ممن تضطرهم ظروفهم إلى الهرب والاعتماد على منح الحكومة.

وجدت “صوفي” في “أدريان” ملاذها.. أحبته وأحست أنها أخيراً استطاعت أن تطمئن، لكنها تضطر أن تتخلى عنه لأنها تكتشف أن له زوجة وابنة.

معايشة أحاسيس المرأة..

البطلة الرئيسة هي “فاطمة – صوفيا” التي تستعيد ذكرياتها مع باقي الشخصيات، “أمها” و”أدريان” و”أبيها” و”زوجها”، نعرفهم من خلال عيونها وتقاطعهم معها.. يصف الكاتب ببراعة كيف تعاني المرأة في الغرب أيضاً، حين تتعامل مع ذكر يهتم فقط بمضاجعتها، وكأن المرأة بالنسبة له فرصة لاقتناص اللذة.. فهي في الشرق ذبيحة تغتصب، وتهان، وتقتل بوحشية، وفي الغرب جسد لجلب المتعة.. دون أدنى شعور بالإلتزام تجاهها.

قليل من الكتاب الذكور الذين يستطيعون معايشة إحساس المرأة بالعالم من حولها، ونقل مخاوفها ومعاناتها.. كما أجاد “علي بدر” في تصوير مشاعر الفتاة المراهقة حين تكتشف الرجل لأول مرة، وتشعر به، ذلك التجاذب الغريزي الناعم والرقيق، الذي شعرت به “فاطمة” تجاه ابن زوج أمها، كما صور ببراعة حب صوفي لادريان، ذلك الحب الذي يملأ الروح وقد يثقلها، وإحساسها بجسدها سواء في مرحلة القهر، أو حين اكتشافه لأول مرة بحرية بعدما هاجرت إلى بلجيكا.

  • أعمال “علي بدر”:

2001: “بابا سارتر”.. جائزة أبو القاسم الشابي في تونس، جائزة الدولة للآداب في بغداد.

2002: “شتاء العائلة”.. حازت على جائزة الإبداع الأدبي في الإمارات.

2003: “الطريق إلى تل المطران”.

2004: “الوليمة العارية”.

2005: “صخب ونساء وكاتب مغمور”.

2006: “مصابيح أورشليم”.

2007: “الركض وراء الذئاب”.

2008: “حارس التبغ”.. القائمة الطويلة الجائزة العالمية للرواية.

2009: “ملوك الرمال”.. القائمة الطويلة الجائزة العالمية للرواية 2010.

2010: “الجريمة”، “الفن”، و”قاموس بغداد”.

2011: “أساتذة الوهم”.

2015: “الكافرة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة