من سجية السلطة في العراق الحالي، ان يبقى الحاكم “الشيعي” يغازل خصومه “السنة” بجزء الوطن، بينما يصارح مذهبه بامتيازات اكيدة تلغي المعارضة، بعد تمرد “قائد” هو الآخر يحكم بشهوة معارض رغم اختزاله لمفهوم الدولة التي يشعر بانتمائها لعقيدته المحظورة في الامس – الحاضرة اليوم .
ولأن النائب عن القائمة العراقية احمد العلواني “السني”، وصف في حديث للصحافة زعيم حزب الله في لبنان بـ “الكاذب”، فقد رفض التحالف الوطني الذي يتزعمه ابراهيم الجعفري تلك التصريحات معتبرا انها تمثل “وقاحة”، موقف الجعفري جاملته كتلة النائب العلواني بدعوة الحفاظ على الرموز الدينية، دعوة بدأت باستنكار احدى تصريحات النائب عن تحالف الجعفري سامي العسكري، الذي انتقد في مقابلة له يوسف القرضاوي باتهامات وصفت بالمسيئة .
ملامح الجعفري في خطابه الاخير امام البرلمان العراقي تطورت بشيء يختلف في نوع خطاباته المنتمية لـ “لغة التصريف” المطولة نسبيا، وعلى اعتبار ان الامور الفنية تجري في قاعة برلمان بتخصيص المقاعد الامامية لرؤساء الكتل النيابية، لكن الجعفري ترجل من مقعده وقصد هذه المرة منصة الخطاب، واصفا رأي النائب العلواني حول حزب الله بـ “الوقاحة”، مشددا على احترام منزلة الحزب الذي عده “مقاوما شريف”، جاء ذلك ضمن استرسال كلمته الممتعضة بتعصب علني اضاف لها نكهة من الانحياز لـ “نصر الله” .
موقف الجعفري استفز كتلة “علاوي” ودعاها هي الاخرى الى مطالبته بالاعتذار من القرضاوي الزعيم “السني”، بعد تصريحات احد نواب كتلته التي وصفته بـ “اسوأ عمامة” .
وبقيت خلاصة المواقف غير محسومة بين الطرفين حول نواب لديهم فسحة من وجهة نظر لا يمكن اختزالها كمواقف لمذهبين يرى كل واحد منهم الحق معه في اغتنام الارض وتسيير البشر وفق نصوص مختلفة تدعى بـ “المقدسة” .
كما لا ادري ان كان الجعفري يريد استهلال الفرصة للقاء خطبة جديدة تعيد لخطاباته شيئا من المجد بعد غياب مؤقت، يبدأ فيه برمز المذهب قبل الوطن ؟، وهو خطاب متزامن مع حملة اعلامية يسوق لها تياره “الاصلاح” في مدن العاصمة بغداد بلافتات عملاقة تحمل مبادئ مختلفة ؟، ولا اعرف أيضا سبب اقتران موقفه كرئيس لتحالف تنبثق منه الحكومة مع زيارة وزير خارجية سوريا “وليد المعلم” لبغداد عقب جولة مباحثات مع طهران هدفها معالجة الازمة السورية التي تشحنها مقاومة المعارضة وتصدي الحكومة ؟، فهل من الوارد ان يكون تحالف الجعفري قد اعطى موقفا شيعيا يحكم البلاد لدعم “الاسد” في محنته، بعد الاستعانة بلغة المواقف المشفرة التي كان مفتاحها نصر الله ؟، أم ان ترتيب الحضور في الانتخابات القادمة تدفع بالجعفري الى نمط التودد لجماهير العقيدة بعد خسارته وهو منقسما على الدعوة بتيار يحمل انفاسا قريبة من الليبرالية ؟.
في الخلاصة يبدو لي ان التيارات الاسلامية “الشيعية – السنية” في العراق تحتاج لتسويق الازمات في المنطقة بما يحفظ مكاسبها السياسية في الداخل، وربما تكون الازمة السورية محور لتوجهات جديدة تقودها تلك التيارات، فالشيعية ينفعها تخوين المعارضة والتحشيد لما تصوره بالمؤامرة الخليجية ضد المذهب، والسنية تكسب ايضا من مواقفها المساندة للمقاتلين في حلب جهادا انتخابيا قادما للفوز بالسلطة في العراق المجاور لأصدقائها السوريين المناوئين للحكومة العلوية عندهم .