26 نوفمبر، 2024 9:50 م
Search
Close this search box.

بذور العلمانية في الاسلام

بذور العلمانية في الاسلام

أن الكلام عن العلمانية في الاسلام , ولو بصيغة البذور المخففة فيه من الصعوبة بل من الجرأة الشئ الكثير .
فقد غدت هذه الكلمة , هي الكلمة الرجيمة في الخطاب العربي المعاصر . فما تم تحميله عليها من أنتهاك المقدس جعلها ترادف الكفر الصريح والألحاد الواجب على معتنقه عقوبة القتل .
أفلم يجب الاسلامي المتشدد الذي قتل فرج فودة , عندما وجّه اليه القاضي السؤال : ” لم قتلته ؟ ” , بقوله : “لأنه علماني ” ؟ وأنكى من ذلك , ألم يجب , عندما سأله القاضي : ” وما معنى علماني ؟ “, بقوله : ” لا أعرف ” .
والدكتور يوسف القرضاوي نفسه , أحد أكبر فقهاء الاسلام اليوم , ألم يجب عندما سئل في أحدى حلقات برنامج “الشريعة والحياة”عن رأيه في العلمانيين من المسلمين المعاصرين , بأن أبدى أستغرابه من أن “حد الردة” لم يطبق عليهم حتى الان ؟
والكل يعلم بصحة المقولة التي أطلقها حسن البنا منذ الثلاثينيات من القرن الماضي والقائلة أن الأسلام هو بالتعريف ” دين ودولة ” , مع أن كلمة ” دولة ” نفسها لم ترد لا في النص القرأني , ولا في الالاف من الاحاديث النبوية .
وما دمنا بصدد الكلام عن النصوص , فلنعرض حديث تأبير النخل (أي تلقيحها) المشهور . فقد كان النبي مارا بحي من أحياء المدينة , فسمع أزيزاً فأستغربه , فقال : “ما هذا ؟ “, فقالوا :”النخل يؤبرونه”, فقال وهو الذي لم تكن لديه خبر بالزراعة : “لو لم يفعلوا لصلح”. فأمسكوا عن التلقيح , فجاء النخل شيصاً أي لم يثمر . فلما أرتدوا اليه يسألونه , قال :”أنتم أعلم بأمور دنياكم” , وقد روي هذا الحديث وكان من جملة من رواه عائشة وأنس بن مالك , بصيغ أخرى , منها قوله :”ما أنا بزارع ولا صاحب نخل , فما حدثتكم عن الله فهو حق , وما قلت فيه من قبل نفسي , فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب”. وكذلك قوله :”إذا كان شيئاً من أمر دنياكم فشأنكم , وإن كان شيئاً من أمر دينكم فإليّ” . وأخيرا قوله :”أنتم أعلم بما يصلح دنياكم , وأما أخرتكم فإلي”.
ونستطيع أن نقول إن هذا الحديث أي حيث تأبير النخل , أن دل إنما يدل على التمييز بين أمر الدنيا وأمر الأخرة .
وان من الأشكاليات بين الاسلام والعلمانية , يكمن في طريقة طرح العلمانية , فبعض ممن يطرح العلمانية لا ينطلق من أجل المساواة بين أفراد المجتمع بمختلف أديانه أو قومياته أو مذاهبه ، بل أن الطرح ينبع من عدم دينية ، بمعنى آخر أن هناك لا دينيين ونتيجة لموقف سلبي واضح من الدين ، أو عقدة من الدين من الذين  يطرحون العلمانية, ومن المعلوم أن الدين يطالب أتباعه بالالتزام بما يأمر به ، وهذا الاتباع يلزم مجاهدة النفس لدرجة وصف مجاهدة النفس بالجهاد الأكبر الذي يقارن بالقتال الموصوف بالجهاد الأصغر ، ورغبة منهم بعدم الالتزام بذلك يطالبون بالعلمانية لأنها سوف لن تقف ضد الكثير من رغباتهم وطموحاتهم وشهواتهم ، بعكس الإسلام الذي سيقف في وجه الرغبات والطموحات والشهوات غير المشروعة ، ونجد هؤلاء دائمي السخرية من الإسلاميين والإسلام.
وتكمن الأشكالية أيظاً في جواب هذا السؤال : هل كان اختيار العلمانية في مجتمعاتنا نتيجة ضغط عالمي بأن نتبنى الخيار العلماني أم أنه نتيجة تحولات تاريخية حقيقية فرضتها الظروف التاريخية الاجتماعية وبالتالي لا محيص من تبني العلمانية ، فلا يمكن أن نتجاهل العوامل السياسية في مشكل العلمانية في مجتمعاتنا ؟ .
ومن هنا تتكون حالة من التخوف لدى المسلمين تكمن في مسألة طرح عدم تدخل الدين في أنظمة الدولة يفضي إلى حالة لدى المسلمين يرون فيها أنهم مخيرون بين إما أن يكون مع دينهم أو مع قوانين وأنظمة الدولة ، والتي قد تكون في أحيان كثيرة متعارضة فالواقع يثبت أن القوانين في جميع الدول القائمة حالياً ذات مرجعية وضعية ، يمكن أن تتوافق قواعد من النظم الوضعية مع المرجعية الإسلامية لكن ليس بالضرورة يحدث دائماً فكثير من الأنظمة والقوانين الوضعية تتعارض مع المرجعية الإسلامية ، ولعل الدول العربية يوجد بها من ذلك الكثير ، وأحياناً يكون الاختلاف في الكيفية التي وصلت للنتيجة وهي التي تعتبر الإشكالية أكثر من النتيجة ، فإما أن يختاروا دينهم على القانون ولا سيما عندما تكون العلمانية مفروضة على المسلمين ، أو أن يعيشون حالة عدم استقرار بسبب عدم قدرتهم الالتزام بدينهم باتباع القانون الذي مضطرون إتباعه ، فمثلاً عندما يفرض على المسلمات عدم ارتداء الحجاب عند الدخول في الجامعات أو دخول البرلمان – تركيا في المثالين ، فرنسا في المثال الأول – وبالتالي فإن الملتزمين بدينهم إما عليهم عدم الدخول في الجامعات أو عدم الالتزام بحكم شرعي , وتحضر هنا مسألة عدم السماح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات التركية مما يجعل المرأة المسلمة إمام عدم لبس الحجاب أو ترك الجامعة أو لبس شعر مستعار لكي لا يظهر شعرها الحقيقي ورغم ذلك لا تسلم من سخرية البعض .
وعلى الرغم من وجود بذور خفيفة للعلمانية في الأسلام وعلى الرغم من قول مالك بن أنس : ” لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها “, بالرغم من ذلك يبقى الصراع جدليا بين السلفية والعلمانية .

أحدث المقالات