إذن مشكلة العراقيين العويصة وطامة العراق الكبرى هما في الإلحاد.. هكذا تكلّم رئيس التحالف الوطني والمجلس الأعلى الإسلامي، عمار الحكيم، مقتفياً آثار رئيس ائتلاف دولة القانون والأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي نوري المالكي، والأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، فضلاً عن الشيخ محمد اليعقوبي، وربّما غيرهم أيضاً ولم آخذ بالي منهم.
دفعة واحدة تأتيك هذه الموجة من الكلام عن الإلحاد بوصفه الخطر الأعظم المحيق بالعراق والعراقيين .. لا داعش ولا فلول نظام صدام ولا القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في أرضنا وعلى أبداننا، ولا الطائفية السياسية، ولا تمرّد العشائر على القانون والدولة، ولا الفساد الإداري والمالي، ولا المخدرات التي انتقل بها العراق من حال المعبر إلى حال المُستقرّ زراعةً وصناعةً وتجارةً.
الإلحاد هو الشرّ المستطير الذي يتعيّن أن نقرع الطبول ونشمّر عن السواعد ونُشهر السيوف لمواجهته.
لكن أين هو الإلحاد؟ ومن هم الملحدون؟
شخصيّاً أعرف أنه ما مرّ عام من دون أن يكون في العراق ملحدون … إنهم موجودون من قبل أن تلدني أمي … كتب الأدب والتاريخ حافلة بالحكايات والروايات عنهم وبأدبهم أيضاً، شعراً ونثراً. وفي كل مراحل الدراسة كان بين الزملاء والزميلات ملحدون، من عقائد سياسية مختلفة، يساريةً ويمينيةً ووسطاً، ومن غير ذوي العقائد السياسة كذلك.
وشخصياً أعرف أيضاً أنّ مَنْ أعرف من الملحدين لم يكونوا يدّعون علناً أو سرّاً إلى الإلحاد كما كنّا نحن ذوو العقائد السياسية ندعو إلى عقائدنا ونرغّب فيها. بالنسبة لهم ولنا كان الإلحاد، كما الإيمان، مسألة شخصية وشأناً خاصّاً.
الأهم أنه لم يُسجل يوماً ما على الملحدين أنهم قد انتهكوا حرمة جامع أو حسينية أو كنيسة أو كنيس أو مندي (للصابئة) أو معبد إيزيدي، أو تجاوزوا على حرية مؤمن وهو يؤدي فروضه الدينية ويمارس طقوسه التعبدية.
الأكثر أهمية أنه على مدى الأربع عشرة سنة الماضية لم يحصل أن تقدّم مُلحد واحد ليفجّر نفسه أو سيارة ملغومة أو عبوة ناسفة في أي مكان، أو يحمل السلاح ليقتل إنساناً على الهوية أو على غير الهوية، أو يصادر مُلكاً لغيره.
على المستوى نفسه من الأهمية أن الملحدين تميّزوا دائماً بأنهم الأكثر تمسّكاً بالقانون والأكثر انحيازاً للدولة من المتشددين الدينيين، وبخاصة الإسلاموسياسيين.
ما المشكلة مع الملحدين العراقيين إذن؟
بكلّ الصراحة، إنّ مشكلة السادة الذين يخترعون لنا الآن بالذات، مع بدء العدّ العكسي للانتخابات، عدواً وهمياً اسمه الإلحاد، هي أن بعض الملحدين، كما الكثير من المؤمنين، اختاروا أن يكونوا جزءاً من جمهور الحملة الإعلامية والسياسية على الفساد والفاسدين في الدولة والمجتمع والدعوة الى الدولة المدنية. والمشكلة أن أغلب الفاسدين هم من أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة.
إذا صار الإلحاد ظاهرة كبيرة ومشكلة خطيرة في العراق تستدعي رفع الصوت عالياً، فإنّما لأنّ هذه الأحزاب (الحاكمة) قد أساءت، وهي تمارس السلطة الفاسدة، إلى الدين الذي تزعم أنها ممثّلته والقيّمة على شؤونه.. الفساد في الدين يدفع إلى الإلحاد، بالتأكيد.
انظروا حواليْكم وراجعوا أنفسكم.