أدلى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي السيد رائد فهمي، بتصريحات مسجلة بالفيديو لصفحة إخبارية عراقية على النت، سنحاول في الأسطر التالية فهمها والتوقف نقديا عند ما فُهِمَ من مضمون كلامه. فرغم أن حديثه جاء ليضع بعض النقاط على الحروف كما قيل، ولكنه – للأسف – وضع المزيد من علامات الاستفهام على ما ورد على لسانه، بسبب ما يمكن أن نسميها “لغة املأ الفراغات” التي يعتمدها السيد فهمي وهي طريقته الخاصة في الكلام والنطق والتعبير عن أفكاره بهذا الشكل، وهي طريقة رغم انها ذات نبرة محببة وشعبية ولكنها مُرْبِكة تشوش السامع. وقد سمعته يتحدث مباشرة في لقاء لي معه قبل عدة سنوات حين زارني في منزلي رفقة صديقنا المشترك الفنان التشكيلي إبراهيم الجزائري، ربما قبل حرب الاحتلال سنة 2003 أو بعدها بقليل. والرجل – والحق يقال- متواضع ودمث ومنفتح على الآخر بشكل قد لا نجده لدى أقرانه ورفاقه.
فبخصوص ما قاله البعض، عن أن الحزب الشيوعي العراقي أيد مساعي قيادتي حزبي الطالباني والبارزاني لإجراء الاستفتاء حول مصير الإقليم كخطوة نحو انفصاله وإقامة دولة كردية مستقلة، ورفض البعض الآخر لهذا التفسير على اعتبار أن قيادة الحزب لم تؤيد الاستفتاء بل حذرت من تداعياته وتحفظت على توقيته، قال السيد فهمي محاولا حسم هذا الخلاف (نحن موقفنا حتى هذه اللحظة، حتى هذه اللحظة، نحن قلنا حتى على موضوع الاستفتاء، نحن موقفنا معلن هذا ، نعم نحن (قطع في التسجيل) وموقفنا ما له علاق بوجودنا في كردستان أو بعدم وجودنا هذه قضية مبدئية ما لها علاقة بوجودنا أو بعدم وجودنا)، ثم يضيف (نحن نعتقد أن الفيدرالية لم تستنفذ أغراضها، مو من.. من طرح موضوع الاستفتاء، خوش “طيب”؟ هذا شعب كردستان يريد يستفتي قيادته – تريد قيادته تستفيه؟- طبعا نحن في تقديرنا يجوز “محتمل” الوقت مو ملائم ، يجوز ربما له عوامل داخلية لعبت دور، وقلنا أن هناك تداعيات للاستفتاء، تداعيات محلية، تداعيات إقليمية ولاحظنا أن دول الجوار كلها رفضت والأطراف الدولية كلها متحفظة هذه كلها كتبناها وقلناها. ولكن يبقى السؤال هل سينظم الاستفتاء أو لا ينظم؟)، ويضيف (إذا هم أرادوا أن ينظموه فأنت كيف تمنعهم ينظمون الاستفتاء؟ ولكن السؤال يبقى: هل ينظم الاستفتاء بالتنسيق والتوافق مع الحكومة العراقية لو بعيد عنها؟ نتائج الاستفتاء محسومة مقدما لمصلحة الاستفتاء، ولكن ماذا سيحدث بعد الاستفتاء؟ هم “القيادات الكردية” يعتقدون ان هناك رغبة في تنظيم الاستفتاء، ولكن قالوا لا يعني تنظيم الاستفتاء الاستفلال الفوري (كلمة الفوري قالها بصوت منخفض جدا)، وهذا الاستفتاء يعطيهم تفويضا وهذا التفويض يتم بعده يتفاوضون مع الحكومة الاتحادية وبالتالي هذه العملية قد تستغرق وقتا ولكنهم بذلك يضعون الدولة –الكردية، لم يقلها ولكنها واضحة من السياق- على جدول الأعمال. وتصبح “وتتحول ؟” من قضية مضمرة إلى قضية معلنة).
حتى الآن، وعذرا لطول المقتبس، لم نفهم موقف السيد فهمي وقيادة حزبه من الاستفتاء، ولكنه وبعد ان قال العبارة الأخيرة ختم مداخلته بالكلمات الواضحة التالية (نحن، الذي قلناه هو هذا، قلنا : أنتم في المطاف الأخير لكم الحق في تنظيم الاستفتاء – تسووا الاستفتاء – ولكن قلنا، إذا هذا الاستفتاء بدون موافقة، نحن نريد نقول الدولة ، شعب يريد الدولة هذا حقه، حق تقرير المصير، ولكن أي دولة تريد تنبثق، يجب أن تكون ولادة طبيعية وليس كولادة متعسرة وولادة قيصرية. وفي المطاف الأخير تبقى بغداد هي عمق كردستان، وهذا ما اتفق عليه معي مسعود أيضا، يبقى العمق العراقي هو عمق كردستان وبعدين وبالتالي يجوز في لحظة من اللحظات (لن يجدوا مصلحة في الانفصال) ماكو مصلحة أن ينفصلون!
أتساءل بكل الحياد المطلوب: هل ثمة موقف واضح ومتماسك وصلب سواء كان مع أو ضد إجراء الاستفتاء على مستقبل الإقليم في كلام السيد فهمي؟ أم أنها محاولة لتمييع الموقف المتماسك المطلوب وترويج إجراء الاستفتاء رغم كل التحفظات التي طرحها، وهو طرحها لا كتحفظات وموانع بل كاحتمالات “يجوز وربما”؟ ثم هل الموضوع الذي يجب التركيز عليه بين اليساريين وأحزاب اليسار والقوى الديموقراطية هو أحقية الأمة الكردية في تقرير مصيرها كسائر أمم الكوكب الأرضي، والذي أؤيده دون تحفظات وبقوة، أم هو يتعلق حصرا بتوقيت إجراء هذا الاستفتاء الحزبي في ظروف الحرب والفساد وتفكك الدولة وتحلل الحكم الطائفي التابع للولايات المتحدة في العراق، وفي الظروف الإقليمية والدولية الصعبة والتي تزداد تعقيدا؟ ثم لماذا يجري الخلط باستمرار بين الموضوعين وتصوير من يعترضون على الاستفتاء وانفصال الإقليم من طرف واحد وفي هذه الظروف وكأنهم ضد حق تقرير المصير؟
ألا يمكن الخروج بالصيغة التالية لموقف السيد فهمي وقيادة حزبه من موضوع الاستفتاء؟ وكأني به يقول استنباطا مما قال (من حق الداعين لتنظيم الاستفتاء في القيادات الكردية القيام بتنظيمه. نحن وضحنا لهم بعض الاحتمالات “يجوز” من حدوث تداعيات واحتمال أن يكون التوقيت غير مناسب ولكن بالأخير قرار تنظيم الاستفتاء قرارهم ومن حقهم إجراءه ومن حق شعبهم الحصول على دولة وتمنينا أن تكون ولادة هذه الدولة طبيعية وليست قيصرية وأخيرا يجب أن يبقى العراق هو العمق لكردستان حتى بعد قيام الدولة خوفا من أن يثبت لاحقا أن الانفصال ليس في مصلحتهم)!
وأختم بالتساؤلات التالية: إذا كان السيد فهمي قد اعترف ضمنا بأن الانفصال قد لا يكون في مصلحة الأكراد وقياداتهم، فلماذا يتخذ هذا الموقف المشجع أو في الأقل غير الحاسم في تحذيره من الموضوع؟ أليس هناك احتمال من أن تؤدي هذه الخطوة إلى الإضرار بالشعب الكردي نفسه وبحقه في تقرير المصير الذي تحول اليوم الى شعار سياسي تتجار به الأحزاب القومية الكردية؟ ألم يتحدث فهمي عن احتمال وجود عوامل داخلية دفعت لاتخاذ قرار تنظيم الاستفتاء؟
وأخيرا، ألا يتحمل السيد فهمي وقيادة حزبه مسؤولية عن موقفه هذا ما أمام الناس في إقليم كردستان الذين يراد توريطهم في مغامرات حزبية شعبوية كهذه، إذا وقع المحذور وفشل الانفصال الكردي كما رجح هو شخصيا؟
ثم من قال بأن الطرف الآخر – العراقي العربي – سيوافق على أن يكون عمقا ستراتيجيا للمغامرين والعابثين بحق تقرير المصير بعد فشل تجربتهم الانفصالية؟ بل، مَن قال أصلا أن الاستفتاء سيمر وسيتم إلحاق كركوك بالإقليم المتحول إلى دولة مستقلة؟ ربما، يراهن البعض على الصفقات السرية بين الأحزاب الإسلامية الشيعية والأحزاب القومية الكردية لتحقيق هذا الهدف، وهذا احتمال وارد جدا رغم عدم وجود أدلة كافية عليه في الوقت الحاضر، ولكن حتى لو صح هذا الاحتمال فعلا فالعراق ليس الأحزاب الإسلامية الشيعية فقط، ومحاولة سلخ كركوك عن العراق وضمها إلى الدولة الكردية المستقلة ستكون بوابة الجحيم التي يحاول فتحها اليوم بعض المغامرين واللاعبين بدماء الأكراد والعرب وجميع العراقيين. فحذار… لن يكون بوسع البعض بعد الان اللجوء إلى لعبة “النقد الذاتي” بعد الزج بالعراقيين في الكوارث والمغامرات!
موضوع آخر أثاره السيد فهمي ويستحق التساؤل والبحث عن إجابة: ما مشكلة أو إشكالية الحزب الشيوعي الذي يقوده السيد رائد فهمي مع حركة التغيير الكردية “كوران” والتي قال بأنها (ليست إشكالية سياسية بل هناك أمور معينة تتعلق بصفحة مريرة لعبت دورها، وربما في المستقبل يعني … نحن ما عندنا، ما عندنا مانع اطلاقا من هذا …) ولكن ، مع احترامي لمن يستحقون الاحترام، أتساءل: هل يعقل أن قيادة حزب لها مشاكل وصفحة مريرة مع حزب آخر دون أن يعلم الرأي العراقي العام أو ربما حتى أعضاء الحزب بحيثيات هذا الخلاف؟ هل يتعلق هذا الخلاف بقضية شخصية غير سياسية بين فلان وعلان في قيادة الحزب وفلان أو علان في قيادة حركة كوران؟ هل لتلك “الصفحة المريرة” علاقة ما بمسؤولية نوشروان مصطفى ودوره في تنفيذ مجزرة بشتآشان التي راح ضحيتها العشرات من الأسرى الشيوعيين العراقيين؟ وإذا كان هذا الاحتمال وارداً فلماذا يحتفظ رائد فهمي وقيادة حزبه بأفضل العلاقات مع الطالباني وقيادة حزبه وهو الذي كان القائد الفعلي والآمر المباشرة بتنفيذ المجزرة إلى جانب نوشروان؟ أعتقد أن لغة ” املأ الفراغات التالية” التي يستعملها السيد فهمي في أحاديثه لم تعد تقنع أحدا حتى من أعضاء وأصدقاء الحزب ولا من اليساريين العراقيين خارج الحزب ولا الناس المحايدين خارجه.
رابط الفيديو المشار إليه أعلاه:
http://v.ht/yW2u