في رمضان / ولا أدري لماذا في هذا الشهر تحديداً / تقومُ دنيا الفضائيات ولا تقعد . سيولٌ من الغثاء ، طوفاناتٌ من الهرج والمرج ، موجاتٌ من الشرّوالجريمة والانهيار العائلي ، استقدامُ ما باد واندثرمن تواريخ أيامنا الفاجعة الماضية ، أكاذيب ، وجوهٌ استهلكها الزمنُ ، تعودُ هرِمة ً شائخة ، تلهثُ وراء رزق لا يُعرفُ مصدرُه . مُتعبة ٌلا تستطيعُ الأصباغ ولمسات المكياج الناعمة أن تُخفيها .
ولنسألْ: لمَ هذه السيولُ من المسلسلات التي لا يسطعُ فيها الإبداع والجمالُ والمعرفة التي تُغني ذائقة المُشاهد .ما حاجتنا الى مسلسل عمر وعلي و/ ابو بكر / والحسين ,…و…و..الّا اذا كان القائمون على انتاجها وتسويقها يضربون عصافير بحجر .؟؟ اجل ، إنّهم يُثيرون الطائفية ويُخرّبون عقول الناس ولا سيّما الناشئة . ويُعمّقون الهُوة َ بينهم من شواطئ الأطلسي حتى ماليزيا واندنوسيا . ولنسألْ أيضاً : ماذا سيُقدّمُ لنا عمرُ الخطاب وغيرُه من المسلسلات الدينية من زاد فكري غير الحقد والضغينة والفرقة والالتفات الى الوراء البائد ونبذ الحاضر وقطع اوصرنا بالمستقبل ؟ مَنْ يصرفُ عليها ومنْ يكرّسُ هذا العدد من نجوم الفن ، ومَنْ يدفع التكاليف الباهظة التي ترقى الى الملايين ؟؟ اذاً ، ثمة َ مؤسسات لها ركائز دعم مادي أشبهُ بالدولة / دهاقنة وسماسرة وتجّار حروب وخراب . هذا الحشدُ من المال لو صُرف على فقراء العالم العربي لاختفى الجوعُ والعوزُ والتشرّدُ والضياع .
على كلّ مُثقف شريف ، ومسؤول وطنيّ ذي ضمير حيّ ان يعمل على ايقاف عرض هذه المسلسلات التي تبثّ السموم وتزرع الفتنة وتُخرّب أواصرَ العائلة ، وتخلق لدى الجيل الجديد العوق الفكري والظلامي والاستسلام للقدر ، ما عدا استثناءات ضئيلة منها ، ثمّ لأيّ غرض يُزجُّ هذا الكمّ من المسلسلات التركية والعربية والخليجية التي تُحرّضُ على الفتنة وتعطيل العقل . فهل أوطانُنا كلها شرّ ٌ وباطل وقتل وغدر وسطو وجهل ؟ بعضُ العائلات العربية / غالباً / مستغرقة في االبساطة تأخذ من كل غثاء ما يسدّ حاجات غرائزها الآنية الضحلة .وأسأل مرّة ً اخرى وبالحاح : ما الذي سيقدّمُه لنا مسلسلُ عمر الذي تُصدّرُه جهاتٌ مشبوهة تقتلُ فينا العقل والضمير والابداع ؟ ثمّ ما الذي أضافته الأفلامُ والمُسلسلاتُ الدينية القديمة الى مائدتنا المعرفية بدءاً بالرسالة وما قبلها وما بعدها ؟ وكذا هذه الرمضانيات الباهتة الساذجة التي تفتك بعُرى العائلة والمجتمع . اوقفوا هذه التفاهات التي تعلو في رمضان على صوت العقل والايمان وهي مُحشدّة بالشر والغدر والخيانة وانعدام الحشمة وتكريس آخر صرخات الأزياء والمكياج .، حتى تكاد الوجوه الحقيقية تختفي كما لو كان الممثلُ والممثلة يضعان قناعاً على وجهيهما . ثم كيف ينسجم هذا العريُ وتكريس الشرّ في هذا الشهر .المسلمُ نهاره صائم وليله عائم يطوفُ به المسلسل الرمضاني في مستنقع الاسفاف .ويستخفُ بعقله وضميره . مسلسل اُنجِزَعلى عجل يضحك علينا ويستغفلنا ويستخفُ بنا . وما المضامينُ الحداثوية والانسانية التي يعدنا بها ؟ ما يُقدّمُ في رمضان يخلو من الألق المعرفي ، والمشهد هو ذاته يُعادُ ويدور حول نفسه ، بؤرة ٌ صغيرةٌ هي اللقطة والصورة والمكان مستغرقة في خواء فني يفتقرُ الى لمسة ابداع .والمُمثل بطيءٌ مُملٌ زري الشكل / ولا سيّما الشيوخ / وهو غاطسٌ في الأصباغ . لا اريد ان اذكر الأسماء فهم انفسهم في جميع المسلسلات ، لم يطرأ عليهم أيُّ جديد لا شكلاً ولا تمثيلاً ، ما عدا الصراخ الذي غدا سيد الموقف . حركاتُ الممثلين عشوائية لا تتصلّ بفيزياء الجسد ولا بعلم الحركة والأداء…. في طفولتي المُبكرة كنتُ كثير التردد على السينمات فما أن أخرج منها حتى أتقمّصَ دور الممثل ، اتصرف مثله سلوكاً وحركة ، واظل قرابة شهر مثل كريكوري بيك وسبنسر تراسي وغاري كوبر وغاري غرانت وجيمس ستيوارت ، اعيش شخصياتهم بكلّ ايقاعاتها وايحاءاتها وايماءاتها واصواتها . حتى انني حين أتحدّثُ مع معلميّ اضع يدي في جيبي أو اُمسك اسفل ياخة سترتي .او اُحرّك يدي اتركها هي تتحدّثُ نيابة عني .لكن ما الذي سيستفيد الطفلُ من هؤلاء العجائز وقد غدوا مومياوات تتحرّك . المسلسلاتُ العربية والتركية / ولا سيّما الرمضانية / كلها تتشابه وتتكرّرُ .فلمَ يكون المسلسلُ من ثلاثين حلقة ، كيف يتم ترتيبه ، وتُملأ الفراغاتُ . حتماً سيكون على حساب عدد الحلقات والحشو والتكرار.
اوقفوا هذا الطوفان من الأعمال المُسطحة ، ورفقاً بذائقة المشاهد بدلاً من ايقاظ غرائزه واحقاده وشروره النائمة فيه .اوقفوا المدّ العشائري القبلي والديني الذي يُفرّق ولا يجمع الكلمة ، الذي يجرح ولا يُداوي ، وتحتقرُالمرأة وتمضي بذائقتنا المعاصرة الى أيام الجاهلية .. لماذا عمر وعلي وجعفر الصادق في هذا الظرف العصيب ؟ اليس وراء كلّ ذلك ما وراءه ؟ فثمة َ أياد خلفية وخفيّة لا مرئية تصرفُ وتُحرّك وتُعمّق خلافاتنا . وتُثير النعرات والمشاعر التي قبرناها منذ زمن ونسيناها لنعيش أخوة متحابين . لكنها ولأسباب شيطانية تُستقدمُ من أجل تمزيقنا وتفريقنا وقتل بعضنا البعض ، ووضعنا في آخر الركب الحضاري نتساوى مع الصومال تأخراً وسواها من الدول المنسية الشأن.
أيّها المُموّلون القائمون على شؤون الفن رفقاً بأبنائنا وبناتنا وبنا . اوقفوا هذا الجنون الإعلامي المقصود لأنه إن استمرّ فسيجرفُ الأخضر واليابس ،ولا يكون بمنأى عنه أيّ أحد . حتى أنتم بقضكم وقضيضكم . اوقفوا طوفان الحقد حتى لا يقتل الأخُ أخاه .والمواطنُ جاره وصديقه . اوقفوا أنهار الدم التي تبثّها الفضائياتُ العربية في هذه الأيام .
لا مرحباً بمسلسلات رمضان ، ولا بالتركية التي ترجم الناس في عقر دارهم ، وتُحرّضُ على الشرّ والاحقاد وتعيد الينا أيامنا التي تركناها وراءنا .