حاورته – سماح عادل :
الشاعر المصري “رضا ياسين”.. صدر له ديوانان “غرف سرية للبكاء” و”سماء مفتوحة كقلبي”، كما يقوم بعمل قراءات نقدية لنصوص أدبية، وينتوي إصدار كتاب جديد عن الأدب الإفريقي بعنوان “غواية السرد وفتنة النص”.. تحاورت معه (كتابات) عن الشعر والأدب..
(كتابات): حدثنا عن كتابك الذي تجهزه عن الأدب الإفريقي.. ولما اخترت هذا الموضوع ؟
- كتابي “غواية السرد وفتنة النص” جاء بعد تفكير وتردد.. لقد قرأت الكثير من الروايات الإفريقية.. وكانت الدهشة تتملكني من هذا الجمال السردي لدى المبدعين الأفارقة، واكتشفت أن الأدب الإفريقي متنوع وغني بلهجات كثيرة.. هناك الأدب الإفريقي بأصوله ولغته العربية، البعض يقصره على الأدب بلهجاته الإفريقية ويُخرج منه الشمال العربي الإفريقي بأكمله، وأحياناً يقصرونه على أدب “ذوي البشرة السوداء”، هناك إلتباس في مصطلح الأدب الإفريقي حاولت أن أكشف عنه، وحين كتبت المخطوطة الأولى وعرضتها على أصدقاء أعزاء مثل “د. أشرف حسن”، الحائز على جائزة الطيب صالح، والمبدعة “أمل مشالي”، والصديق الروائي “حسام المقدم”.. دعموني جميعاً، أحسست أنني سأقدم عملاً طيباً تحتاجه المكتبة العربية، وخاصة أن السرد الإفريقي غير معروف جيداً لدى القارئ العربي، رغم فوز الكثير من مبدعيه مثل “نادين غرديمر” بجوائز هامة مثل “نوبل”.
وقد قمت في الكتاب بالجمع بين تقديم الرواية الإفريقية للقارئ وتشجيعه على قراءتها، وتقديم دراسة عن السرد وآلياته، وجمالياته في النص الروائي، واستعنت بالكتب والمراجع عن السرد، وللأسف لم أجد إلا القليل جداً عن الأدب الإفريقي.. كان الموضوع شائكاً وشيقاً في الآن نفسه، واستعنت بأكثر من مئة مرجع وكتاب.
(كتابات): الوحدة.. الموت.. الحزن.. الفقد.. لِمَ يمتلئ شعرك بهذه المعاني ؟
- الشعر حالة.. والقصيدة لحظة خاطفة تحاول أن تقتنص الوجود بأكمله في كلمات، وحين تكتب عن ذاتك المؤرقة بالهم الإنساني، ستمر بكل تلك العواصف والحالات الإنسانية التي تتراوح بين الطمأنينة والقلق.. لتجد أن الحياة الإنسانية تتراوح بين حَدّى ريح.. ريح هادئة مستسلمة وريح عاصفة، وربما لأنني أخاف من الموت، لكن في لحظة الكتابة نفسها، تصبح الحالة شفيفة وغائمة، تنتشي بها وقد تسكرك، لكنك لا تتبينها إلا بعد اكتمال تلك الحالة.
(كتابات): في رأيك هل يولد الشعر من رحم المعاناة ؟
- المعاناة المصقولة بالموهبة والقراءة والدراسة والاجتهاد تصنع مبدعاً.. التي تجعلك إنساناً وتمتلك حساً مرهفاً وعيناً إنسانية لاقطة، فالكتابة معاناة، حين يريد المبدع أن يكتب يكون له طقوسه الخاصة، ويهيئ نفسه ذهنياً ونفسياً.. قد تأتي تلك الحالة في لحظات كالسيل الجارف، وتقتلعك من واقعك المُعاش، وقد تأتي الحالة الشعرية على مهل كأمواج البحر، موجة إثر موجة.
(كتابات): لما اخترت كتابة الشعر.. وماذا تحقق لك كتابته ؟
- يبدو أنه هو الذي اختارني.. في بداية التجربة الإبداعية كتبت القصة القصيرة في المرحلة الإعدادية، وبدأت الشعر في المرحلة الثانوية، وأصبح الشعر هو الأقرب للنفس بعد تدعيم الأساتذة والأصدقاء لي، وفى الجامعة إلتقيت بشعراء الجامعة وشعراء قصر ثقافة المنصورة في التسعينيات أمثال “محمود الزيات، محمد سالم، إيمان مرسال، بهية طلب، أمل جمال، عزمي عبد الوهاب”، وغيرهم الكثير.. كنا نتبادل الكتب والدواوين ومجلات “شعر” و”إبداع”، كانت هناك حالة إبداعية متوهجة بامتياز، رسخت هذا الطريق وجعلته مشروع حياة.
(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في مصر والعالم العربي ؟
- الثقافة في مصر والعالم العربي في مأزق كبير.. ربما لاشتباك الأمر بالواقع السياسي والاجتماعي الذي نعيشه والذي لا يمكن الانفصال عنه، المثقف العربي يعاني ويبدع تحت قصف السلطة والاحتياجات اليومية الحياتية، والواقع الثقافي الآن أصبح منشغلاً بتصفية الحسابات أكثر من حالة الإبداع ذاتها، وفي الحالات التي ترى فيها حراكاً ثقافياً، كأن يوجد جوائز إبداعية في الشعر أو الرواية، ستكتشف أن هناك حسابات أخرى للفوز، وأن الكثير من هذه الجوائز تذهب لأسماء بعينها، وأن مجاملات فاضحة تشوب هذه الجوائز، وقليلاً ما تجد الحيادية والنزاهة في لجان التحكيم التي تنظر إلى النص الأدبي بعيداً عن اسم صاحبه.
(كتابات): هل تخصصك في علم النفس أثرى كتابتك للشعر ؟
- علم النفس هو أحد العلوم الإنسانية التي تهتم بالإنسان وتدرسه في جميع حالاته وأحواله، تسرب علم النفس في العقل الباطن لديَ ووجدتني أكتب عن حالات إنسانية عانت من الجنون مثل “زينب” في قصيدة “قبضة يد”، أو عانت من الاكتئاب الحاد الذي أدى للانتحار مثل “أروى صالح” في قصيدة “بمسرات كثيرة أوقظ طعنتها”، متوحداً مع تلك الحالات الإنسانية.
إلى جانب القراءات الفلسفية المتنوعة الأخرى التي أعطت النص الأدبي زخماً إنسانياً، ارتفعت به من مجرد وصف لحالة إلى مرتبة الكشف عن الذات والتماهي فيها، والاقتراب من الحزن والنبل الإنساني في معناه الأجمل.
(كتابات): من هم الشعراء والكتاب الذين أثروا بك.. وبعضهم ذكرتهم في متن شعرك ؟
- أي نص شعري هو نتاج حوار مع نصوص أخرى سابقة له.. يتداخل ويتناص معها، وهو نتاج قراءات كثيرة ووعي ثقافي يتبدى دائماً في خلفية النص، وهناك الكثير من الشعراء الذين قرأتهم، أثروا في ذاتي فكرياً وإنسانياً، مثل “المتنبي وأبى تمام، أبو العلاء المعري، ومحمود درويش وأمل دنقل”.
(كتابات): هل وسائل التواصل الاجتماعي في رأيك هي أحد الأسباب لظهور عدد كبير من الكتاب والشعراء في العالم العربي في الآونة الأخيرة ؟
- بالطبع ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على ظهور عدد كبير من المبدعين والشعراء، وكانت حلاً سحرياً لمشكلات النشر التي يعاني منها الكثيرون.. أصبح نشر النصوص أسهل، وأصبح التفاعل بين الشاعر وقارئه مباشراً وفاعلاً، وإن شاب التفاعل بعض المجاملات، لكنها أهم الثورات المعرفية التي ساعدت في تبادل الخبرات.
(كتابات): ما رأيك في حال النشر.. وهل واجهت صعوبات في ذلك ؟
- قبل ظهور الإنترنت كان النشر في الجرائد والمجلات صعباً جداً.. وكان الأمر يتطلب السفر إلى القاهرة والإلتقاء بمسؤول الصفحة الأدبية وعرض الأعمال عليه، أو إرسالها بالبريد، وكثيراً ما كان لا يلتفت إليها ما دام اسم المبدع غير معروف له.. لم يختلف الأمر كثيراً الآن، وإن أصبح أقل حِدّة، فما زلنا نعاني من التجاهل لولا شبكات التواصل الاجتماعي التي مازالت متنفساً للكثيرين.. أما نشر الكتب فأصبحت باهظة التكاليف وحين يود المبدع أن ينشر على نفقته الخاصة فهو سيفكر ألف مرة في تلك النقود التي سيدفعها من قوت أولاده، ناهيك عن أن هناك دور نشر تتلاعب بالمبدع نفسه، وتغالي في أسعارها ثم لا تجد عدد النسخ المتفق عليها، وأعرف الكثير من المواقف التي حدثت لزملاء مبدعين تعرضوا لمواقف سيئة مع دور النشر.
(كتابات): هل الشعر محتفى به من القراء وهل يجد جماهير من القراء ؟
- سيظل الشعر هو ديوان العرب الأول، رغم تصدر الرواية للمشهد الإبداعي الآن، لكن الشعر له بريقه الخاص، وجماله الأبهى في الإلقاء والتواصل الحميمي المباشر بين الشاعر والمتلقي، ويظل أيضاً للشعر جمهوره الخاص الذي يحتفي به وإن أصبح قليلاً، ربما لأن ذائقة المتلقي تعودت لسنين طويلة على نوع خاص من الشعر العمودي والتفعيلى، فلما ظهرت قصيدة النثر ارتبكت ذائقة المتلقي ونفرت منه قليلاً.
لكن قصيدة النثر أصبح لها جمهورها المتزايد يوماً بعد يوم، بما تعطيه من براح الرؤية وانسياب اللغة وتداخلها، وعمق الصورة، وخاصة مع ظهور جيل جديد من شعراء مبدعين أصبح لهم صوتهم الخاص، منهم على سبيل المثال لا الحصر “إيمان مرسال، محمد القليني، حامد صبري، مؤمن سمير، هشام محمود، عزمي عبد الوهاب، عبد الرحمن تمام، أسامه بدر، شريف رزق، شهدان المغربي، رضا أحمد، أشرف الجمال، عبد الغفار العوضي، فاطمة منصور، محمود حربي، مصطفى أبو مسلم، منال محمد علي”، والحقيقة أن القائمة تطول، فقد أصبحت القصيدة النثرية ذات زخم خاص.
ربما أصبحت الجماهير أقل عدداً، لكن ذلك حال مجتمع بأسره، لم يعد يحتفي بالمبدعين والعلماء وأهل الفكر كما يحتفي بنجوم الفن والرياضة، فحالة القراءة في مصر والعالم العربي بأسره في تراجع مستمر، ولك أن تراجع مشهد البيع والشراء في معرض القاهرة للكتاب السابق، ربما لارتفاع أسعار الكتب، وللحالة الاجتماعية والسياسية التي يعاني منها المجتمع وانعكست سلباً على القراءة والكتاب، فالأسباب كثيرة ومتداخلة وتحتاج إلى دراسة تلك الظاهرة.