أنظمة المراقبة .. تقييد للحريات وفرصة من “ذهب” للجماعات الإرهابية

أنظمة المراقبة .. تقييد للحريات وفرصة من “ذهب” للجماعات الإرهابية

كتبت – آية حسين علي :

تستغل بعض الحكومات كل هجوم إرهابي يحدث لفرض إجراءات من شأنها أن تقيد حقوق الإنسان، وتستعين في ذلك بنُظُم مراقبة إلا أنها لم تمنع وقوع كثير من الاعتداءات، ومن المحتمل أنها سهلت إيجاد أسلحة تستخدم في الهجمات التالية.

بيانات غير صحيحة..

صرح الرئيس الأميركي السابق، “باراك أوباما”، بعد نشر النسخة الأولى من “وثائق سنودن”، بأن برنامج التجسس الداخلي لوكالة الأمن القومي الأميركية “منع 50 تهديداً إرهابياً على الأقل”، لكنه لم يذكر شيئاً حول نتائج التجسس على مواطنين غير أميركيين، لأن هذه العملية من صميم اختصاص الوكالة.

هجوم مانشستر

وقال “كيث ألكسندر”، مدير الوكالة، إن “نظام المراقبة منع وقوع 54 عملية إرهابية.

كما أوضح “ديك تشيني”، نائب الرئيس الأميركي الأسبق “جورج بوش”، أن إدوارد سنودن كان خائناً للوطن، وإذا كان برنامج التجسس واسع النطاق موجوداً حينها، لم يكن لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 أن تقع.

وكان “سنودن” قد قام بتسريب وثائق مصنفة على أنها “سرية للغاية” من وكالة الأمن القومي، منها تفاصيل برنامج التجسس “بريسم” إلى الصحافة، في حزيران/يونيو عام 2013، إلى صحيفتي “الغارديان” و”واشنطن بوست” الأميركيتين.

لكن ثبت أن هذه البيانات التي استخدمت حينها لتبرير هذه الممارسات غير الدستورية ليست صحيحة.

نظرية فاشلة..

من المتوقع أن نسمع من جديد أن المراقبة الشاملة دون إطار قضائي هي الحل في مواجهة الإرهاب، وإنه أمر محزن أن نتخلى عن حقوقنا الأساسية، وحقوق جيراننا، لمنع وقوع اعتداءات إرهابية مثل ما حدث في هجوم “مانشستر” الذي راح ضحيته مجموعة من الأطفال أثناء حضورهم حفل إحدى نجمات موسيقى البوب.

ولا يهم أن هذه النظرية ثبت عدم صحتها، لأن ما بين اعتداءات أيلول وهجوم “مانشستر” كان هناك الكثير والكثير من المراقبة، ورغم ذلك زادت حدة الإرهاب ولم تنقص.

سيناريو مكرر..

تعتبر العلاقة بين حالة التأهب الجديدة وتلك التي كانت عند وقوع اعتداءات أيلول واضحة، فبعد الاعتداءات بشهر تم اعتماد قانون “باتريوت آكت” أو قانون مكافحة الإرهاب، وهو خاص بتسهيل إجراءات التحقيقات والوسائل اللازمة لمكافحة الإرهاب، مثل إعطاء أجهزة الشرطة صلاحيات من شأنها الاطلاع على المقتنيات الشخصية للأفراد ومراقبة اتصالاتهم والتنصت على مكالماتهم بغرض الكشف عن المؤامرات الإرهابية.

وتعتبر هذه القرارات غير دستورية ومعارضة لقيم الديموقراطية، ومنذ إقراراها كان يتم تعديلها بعد وقوع أي اعتداء إرهابي لتلائم المشهد الجديد.

وهو ما فعله رئيس وزراء بريطانيا السابق، “ديفيد كاميرون”، بعد اعتداءات باريس، وما ستفعله خليفته وقائدة حزب المحافظين، “تيريزا ماي”.

وصرحت “ماي”، عقب الهجوم “سوف أضع حلاً لمنع وقوع اعتداءات مماثلة في المستقبل، وسنهزم الأيديولوجية الملهمة لهذا العنف”.

وكانت “ماي” تشغل منصب وزير الداخلية، حينما نشر “سنودن” ملفات تهم الأمن القومي، وكانت المسؤولة المباشرة عن 3 وكالات استخبارات في المملكة المتحدة، من بينها “مكاتب الإتصالات الحكومية البريطانية الاستخباراتية الأمنية”، التي وصفها سنودن بأنها “أسوأ من وكالة الأمن القومي  الأميركية”.

كما كانت مسؤولة عن قانون الأمن ومكافحة الإرهاب الذي دخل حيز التنفيذ في تموز/يوليو عام 2015، والذي بموجبه تم تسخير المؤسسات المحلية والسجون ومصالح الخدمات الاجتماعية والمستشفيات والمدارس والجامعات الحكومية لتنفيذ حملة المراقبة لمنع محاولات نشر التطرف في المجتمع البريطاني.

يذكر أن هذا القانون ثبت أنه لا يتفق مع مبدأ عدم التمييز على أساس فكري أو ديني، الذي ينص على عدم مراقبة أو اعتقال أو تتبع وعدم التمييز أو ضرب أو قتل الآخرين بسبب معتقداتهم أو أديانهم.

أكبر جالية إسلامية في أوروبا..

تمثل الجالية المسلمة في بريطانيا ثالث أكبر جالية إسلامية في أوروبا، بعد فرنسا وألمانيا، لكنها تشكل 5.3% من إجمالي عدد السكان.

رغم ذلك، فإن واحد من بين كل 5 مسجونين في السجون البريطانية مسلم.

وخلال العقد الأخير، عانت المدارس الخاصة ذات الطابع الإسلامي هناك مضايقات من جانب الحكومة، وفي المقابل، تحصل المدارس المسيحية، التي لا تزال تدرس “نظرية الخلق” في محاضرات العلوم، على الدعم الدائم.

عمليات إرهابية متتالية..

من بين العمليات الإرهابية التي لم تستطع نظم المراقبة منعها، محاولة النيجيري “عمر فاروق عبد المطلب”، لتفجير طائرة “آير باص” المتجهة من أمستردام (هولندا) إلي ديترويت ميشيغان في الولايات المتحدة الأميركية يوم عيد الميلاد، ووجهت إليه تهمتين وهما وضع متفجرات علي طائره مدنية ومحاولة تفجير طائرة، ولم تستطع أجهزة الاستخبارات التواصل مع بعضها البعض والتعاطي مع الأمر لفهم البيانات التي تخص الجهادي والتي كانت بالفعل لديها.

وبفضل عمر، لم يعد مسموحاً اصطحاب سوائل على متن الطائرة، لكن وكالات الاستخبارات لم تتعلم الدرس.

تفجير ماراثون بوسطن..

بعد هذه الواقعة بأربعة أعوام، تمكن “تامرلان تسارنايف” من تنفيذ اعتداء خلال ماراثون بوسطن، وحينها لقي قسم الأمن الوطني ومكتب الاستخبارات الأميركية ووكالة الأمن الوطني مشكلة في التواصل.

هجوم أورلاندو..

كما تمكن “عمر متين” في حزيران/يونيو 2016 من قتل حوالي 49 شخص وإصابة 53 آخرين في هجومه على نادي للمثليين جنسياً في مدينة “أورلاندو” في الولايات المتحدة.

تفجير شارلي إبدو..

هجوم شارلي إبدو

كما نفذ “شريف كواشي” وأخوه سعيد كواشي الهجوم على صحيفة “شارلي إبدو” في 7 كانون ثان/يناير 2015، ما أسفر عن مقتل 17 شخصاً، وتم الحكم عليهما بالإعدام.

ووجهت الاتهامات في البداية إلى أجهزة التشفير، في محاولة واضحة لمنعها، لكن بعدها تبين أن الإرهابيين استخدموا أجهزة تليفونات غير ذكية في تنفيذ عملياتهم، وتمكنت الخلايات الإرهابية من التعامل خارج شبكة الاتصالات الأكثر مراقبة في العالم.

مرة وحيدة..

كانت المرة الوحيدة التي نجحت فيها أجهزة المراقبة من اكتشاف محاولة قبل وقوعها، هي رصد “سان دييغو” لرجل أرسل 8500 دولاراً لحركة الشباب المجاهدين الصومالية، المسؤولة عن تنفيذ الهجوم على المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم في أوغندا، التي راح ضحيتها 74 شخصاً من الجماهير، وحادثة القتل الجماعي في المركز التجاري “وستغيت”، والهجوم الإرهابي على جامعة غاريسا.

آليات التجسس لا تزال في يد الإرهابيين..

الواقع يؤكد أن برامج التجسس لم ترصد أو توقف وقوع أي اعتداء إرهابي مهم، وإنما تبقى آلياته في يد المجرمين، لذا فإنه عندما تطلب “ماي” من المواطنين البريطانيين التنازل عن خصوصياتهم كي يصبحوا أكثر أمناً، يجب أن يتذكروا أن المراقبة لم تسفر عن اعتقال أي إرهابي وإنما منحتهم الأسلحة التي ساعدتهم في تنفيذ عمليات أكثر وبدقة أكبر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة