23 نوفمبر، 2024 10:15 ص
Search
Close this search box.

ما دفع لترامب أهو أتاوة أم جزية؟

ما دفع لترامب أهو أتاوة أم جزية؟

قرأت بعض الكتابات التي سخر أصحابها من قمة ترامب/ آل سعود، وهم محقون في سخريتهم لأن شر البلية ما يضحك، فقد وصفوا ما دفعه آل سعود من أقوات شعب الجزيرة العربية الى ترامب على أنه جزية، والحقيقة أنها ليست جزية، لأن الجزية ضريبة تدفع للدولة، وهذه أتاوة دفعت لبلطجي، ففي الدولة تؤخذ من المسلمين الزكاة ومن غيرهم تؤخذ الجزية، وأنها تؤخذ من المقاتلين فقط، فلا تؤخذ من المعاهدين ولا من المستأمنين، يقول القرطبي في تفسيره: الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من المقاتلين، وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني، وهذا الرأي دليله قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}، وما يروى عن عبادة بن الصامت قوله للمقوقس عظيم القبط: إما أجبتم إلى الإسلام، فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدت في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم، فإن أبيتم إلا الجزية، فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبداً ما بقينا وبقيتم، نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد علينا.

وعليه وباختصار شديد ووضوح أن الجزية ضريبة يدفعها غير المسلمين تماماً مثلما يدفع المسلمون الزكاة، وتؤخذ من القادرين المقاتلين، أي لا تدفع عن طفل أو امرأة أو عجوز، أو رهبان أو مريض أو مجنون، ويتم أخذها مقابل تقديم الحماية، وهي جزية صلحية تقدر حسب الاتفاق وجزية عنوية تقدر حسب غنى الشخص وفقره، يقدرها بعضهم بثمانية واربعين درهما على الغني واثني عشر على الفقير العامل، فالعاطل عن العمل لا جزية عليه، بل إن بعض الفقهاء قدرها باربعة دنانير على أهل الذهب واربعين درهما على أهل الفضة، وهذا المبلغ يدفع كل سنة، الراجح أن قيمة الدينار أكثر قليلا من مائة دولار، أما قيمة الدرهم فتقرب من سبعين دولار، والمعلوم أن سكان السعودية 30 مليون، نطرح نصفهم نساء غير مشمولين بدفع الجزية فيكون الباقي 15 مليون، ثلثاهم معفيون منها لأنهم اطفال وشيوخ ومرضى ورجال دين قياسا باعفاء الرهبان، فالباقي 5 ملايين، أكثر من نصفهم عاطلون عن العمل، فنصل أخيرا الى أن المستهدفين بدفع الجزية 2 مليون معظمهم فقراء، أي أن ما يجب دفعه من كل واحد منهم هو 12 درهما، وهو ما يعادل 840 دولار ولنقل 900 دولار، وعندما نضربها بمليونين يكون الناتج مليار وثمانمائة مليون في حين أن ما قبضه ترامب من هدايا خاصة له ولعائلته من ساعات وعباءات ويخت يفوق هذا المبلغ، أما ما دفع من أموال بعنوان استثمارات فيفوق 400 مليار، واذا ما اردنا أن نقارن بين الجزية التي بهذه الاوصاف التي مر ذكرها وبين ما دفعه آل سعود لترامب سنجد أن الامر مختلف، فالجزية تدفع على وفق عهد بشروط الاسلام الدين الذي يضع المؤمنين أمام عهودهم، ولا اعتقد أن ترامب ذو عهد، فالحقيقة أن ما دفعه آل سعود لترامب هو ثمن حماية نظامهم، من الشعب السعودي الذي تدفع أمواله أتاوات للامريكيين والصهاينة، ففي اثناء حملته الانتخابية وفي احدى مناضراته قال ترامب: ندافع عن اليابان، وندافع عن ألمانيا، وندافع عن كوريا الجنوبية، وندافع عن السعودية، ندافع عن عدد من الدول. ولا يدفعون لنا مقابل ذلك شيئاً، ولكن ينبغي عليهم أن يدفعوا لنا، لأننا نوفر لهم خدمة هائلة ونخسر ثروات، كل ما قلته هو أنه من المرجح للغاية أنهم إن لم يدفعوا حصتهم العادلة، قد يضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم أو عليهم مساعدتنا، فنحن دولة لديها ديون تبلغ 20 ترليون دولار، عليهم مساعدتنا، وفي تعليق له على ما قاله ترامب قال الاعلامي السعودي جمال خاشقجي: كرر ترامب فكرته الحمقاء عن تدفيع السعودية ودولة اخرى تكلفة ما وصفه حمايتهم، هذه سلبية، وقد كان ترامب اكثر وضوحا عندما دعا العائلة السعودية الى تقديم ثلاثة ارباع ثروة السعودية الى امريكا بدلا من نصفها التي كانت تدفعها مقابل حماية حكمهم واستمراره في الجزيرة العربية، واضاف ما يقدمه آل سعود الى امريكا من مال حتى لو كان نصف ثروة البلاد لا قيمة له ولا اهمية بالنسبة لما تقدمه امريكا لهم من حماية ورعاية، فان ترامب يعلن عن نفسه انه فرعون هذا العصر قوي عزيز بلطجي ياخذ الاتاوات ممن يجيرهم، وآل سعود يعلنون عن انفسهم انهم رعية فرعون اذلاء ضعفاء يدفعون له ما يريد ان هو أجارهم، اليست هذه هي الحقيقة؟ والحقيقة أيضاً أن من يعوّل على آل سعود ويأمل فيهم خيرا إنما هو واهم، فهؤلاء مذ احتلوا الجيرة العربية بمباركة الاستعمار البريطاني الى يومنا هذا كانوا غطاء لكل معتد على مقدرات الامة، وهذا ليس غريبا على اسرة ورثت كل سوآت الملك العضوض والجبري الذي انقلب على حكم الامة وخلافتها الراشدة، ولكن الغريب أن من يسمون بالشيوخ الدعاة في مملكة آل سعود لم ينبسوا ببنت شفة، أغلبوا على أمرهم أم انطلت عليهم أوهام الخطر الرافضي القادم من بلاد فارس التي يروج لها آل سعود _ طبعا انا لست مدافعا عن ايران ومشروعها الاقليمي في المنطقة – أم أنهم شركاء فيما يقترف، فاذا كانوا دعاة حق فليقولوا كلمة الحق.

أحدث المقالات

أحدث المقالات