إن المحافظة على مستوى النجاح والتميز لأداء المؤسسات والأفراد اصبح أمرا صعبا في ظل التحديات التي تحيطنا من كل جانب فدائما ما ستكون هناك مشكلات يجب مواجهتها وحلها وفرص لا بد من اقتناصها والاستفادة منها ،مما يتطلب ان تبذل المنظمات والأفراد جهودهم وتطلق طاقاتهم الابداعية للتكيف معها ..فالتغيير المتلاحق والمستمر في كل جزء من اجزاء العمل وظهور التكنولوجيا الحديثة المتقدمة والاتجاه الى الاعتماد الكامل على المعرفة والمعلومات والتوجه نحو التخصص الدقيق وزيادة تعقيد بيئة العمل..تحديات لا تواجه إلا باستثمار الطاقات البشرية وتشجيع النجاح ورفع مستوى الطموح للعاملين في منظمة العمل .. فنجاح المؤسسات مرتبط بقدرتها على ادارة مواردها البشرية لانجاز اهدافها بأفضل السبل الممكنة .
وقد أشارت كثير من الدراسات التي طبقت على مختلف المهن ان الافراد الذين يعملون في وظائف تسمح لهم باستغلال قدراتهم وتعطيهم استقلالا كبيرا في تنظيم عملهم ويحصلون على تغذية راجعة عن انجازاتهم مثل هؤلاء يكونون اكثر رضا عن عملهم وعن حياتهم بشكل عام .
فالحرص على تنمية القوى العاملة وبناء العقول وتطوير الخبرات الادارية والاهتمام بسيكولوجية الموظف سيؤدي حتما الى انعكاسات ايجابية على مؤشرات الاداء والانجاز للفرد ولمنظمة العمل .
فعلم الادارة الحديث يسعى لتحقيق مبدأ الفعالية في الاداء لتحقيق الاهداف بأقل تكلفة ممكنة وبدون اسراف في الموارد المتاحة وبأقصى استغلال للقدرات الفردية الموجودة ، بالإضافة الى اهمية التحديد الواضح لخطوط السلطة والمسئولية والمحاسبة وتوفير الوسائل اللازمة لتطوير الافراد ووضع برامج تساعد على تحقيق اهداف المؤسسة مع مراعاة ان تكون تلك الاهداف واقعية قابلة للتحقق ومتناسبة مع قدرات واستعدادات العاملين و وضع سقف زمني لتحقيقها .
من الحقائق التي لا جدال فيها الدور الفعال الذي يلعبه التدريب في حل كثير من المشاكل التي تواجه المؤسسات والعاملين فيها في مختلف مستوياتهم وإتاحة الفرصة لهم لإطلاق القدرات الكامنة بما يعزز مسيرة تقدم المؤسسات والمنظمات .
فالتدريب هو عملية منظمة لزيادة المعرفة وتنمية المهارة والخبرة وتعديل السلوك اللازم لأداء وظيفة ما بكفاءة واقتدار ، وقد أثبتت الدراسات ان التدريب هو احد اعمدة التحسينات في الجودة والأداء .
إلا أن أغلب الادارات في المؤسسات والمنظمات لم تدرك اهمية التدريب بعد ، وتفتقد المعايير الجيدة لاختيار المدرب والمتدرب وبرامج التدريب المناسبة لاحتياجاتها.. وفي الوقت ذاته لا يوجد لديها الايمان بقدرات الانسان الموظف وطاقاته الفعلية ، فضلا عن الجهل بقيمة الثروة البشرية وتنميتها للمشاركة في صناعة المستقبل .
وباتت الحاجة الى إعداد قوة بشرية مؤهلة ومدربة يمكن الاعتماد عليها في تقديم الخدمات للمواطنين بالكم والكيف المطلوبين وبأقل تكلفة وفي الوقت المناسب ..ضرورة لتحقيق التنمية والارتقاء بمستوى الاداء ، فاكتشاف القصور في جوانب العمل وتحديد الاحتياجات التدريبية مسئولية تقع على عاتق الادارات العليا في المؤسسة والرؤساء المباشرين والموظفين انفسهم لتحويلها الى برامج تدريبية لسد الفجوة بين الاداء الحالي والأداء المطلوب للوصول الى الاداء الامثل .
ان التدريب حق لكل موظف بغض النظر عن جنسه او موقعه الوظيفي ، وتوفير الفرص المتكافئة لجميع العاملين في الادارات العليا والوسطى والدنيا للاشتراك بالبرامج التدريبية داخل او خارج الوطن وعدم خضوعها لاعتبارات الوساطة والمحسوبية ، ووضوح معايير اختيار المرشحين والابتعاد عن سرية الترشيحات ..فرصة لاستغلال جميع الطاقات للمشاركة الفعالة في تقدم المجتمع .
وان التخطيط لذلك لا بد ان يبدأ من القاعدة ولا يقتصر فقط على القمة حتى يكون واقعيا ميدانيا ، فاتخاذ اغلب الادارات الحكومية اجتياز دورات معينة شرطا لغرض الحصول على الترفيع أمرا صحيا ومهما ، والأهم منه هو اخضاع الموظفين الجدد الى دورات مكثفة لسد نقص الخبرة ، كما تظهر الحاجة كذلك الى التدريب عند نقل الموظفين بين الاقسام والإدارات المختلفة ، فالتدريب يعنى بالمهنية والتخصص الدقيق وتنمية المهارة والخبرة وإكساب المعارف والمعلومات وتغيير الاتجاهات نحو العمل في محاولة لتحقيق اكبر استفادة ممكنة من قدرات الفرد الفعلية والفكرية وإيجاد نوع من الانسجام في اداء الاعمال بعيدا عن التنافس والاحتكاك والتعارض ، علاوة على معالجة السلوكيات التي تؤدي الى اهدار ساعات العمل .
وعليه ..فان تفعيل مراكز التدريب في المؤسسات والمنظمات أصبح ضرورة للتوسع في عملية التدريب ووضع البرامج القريبة والبعيدة المدى وجذب العاملين للمشاركة والتمرين لدعم روح الابتكار والتجدد ، وعلى القائمين على ادارة المراكز التدريبية وواضعي السياسات والمخططين الالمام بأعداد المدربين وخبراتهم وتخصصاتهم وحصر الدورات التدريبية التي يمكن ان يقوموا بتنفيذها داخل المؤسسة والاهتمام بكافة مكونات وأجزاء النظام التدريبي وتامين متطلبات العملية التدريبية مع الاعتماد على مبادئ الادارة الحديثة .
إن علم التدريب المعاصر يعتمد على استثارة تفكير المتدرب ، فلا يجب ان ينظر الى التدريب على انه عملية وحيدة الاتجاه يصب فيها المدرب معلوماته داخل راس المتدرب بل على المدرب ان يطلب مشاركة المتدرب الذهنية الواعية ، وهذا يعتمد على كفاءة المدرب التي تحول الدورة التدريبية الى متعة فكرية وتقارب اجتماعي وعملية اشباع للجوانب الفكرية والثقافية ودعم القدرات بإمكانية تحقيق الذات واستخراج الطاقات المخزونة وخلق جو من الالفة بين المتدربين والقائمين على تنفيذ البرنامج مما يساعد على بناء فريق العمل وتحقيق ديناميكية الجماعة ، فالتدريب عملية تشاركية يكون فيها دور المدرب تيسير التعلم من طرف المشاركين وليس التلقين لذلك تظهر الحاجة الى استقطاب مدربين محترفين يملكون القدرة على التحفيز والتغيير .
فإذا لم يكن المدرب على مستوى عال من الكفاءة فان ذلك سيؤثر على باقي مكونات النظام التدريبي مهما كانت درجة كفاءتها لأنه يعد احد المكونات الرئيسية في العملية التدريبية لذلك يجب ان يكون لديه المعلومات والمهارات العلمية من ناحية ومهارات تعلم الكبار من ناحية اخرى .
فالخبرة في مادة التدريب مطلوبة ، فلا يستطيع المدرب ان يعلم ما لا يعرفه ، إذ أن المعرفة والمهارات المهنية في مجال التدريب ومهارة الاتصال والقدرة على التعامل مع الفروق الفردية ومهارة اثارة اهتمام المتدربين عند عرض الانشطة اثناء البرنامج التدريبي و مهارة ادارة الوقت وتحديد الزمن المطلوب لكل نشاط تعليمي ولكل جلسة من الجلسات التدريبية والتقيد في نسبة الوقت المخصص للتعليم النظري والتطبيق العملي والالتزام بأوقات الاستراحة والوقت المحدد لكل جزء والوقت الاجمالي للتدريب ، بالإضافة الى اختيار وتطبيق الاساليب التدريبية الحديثة واستخدام المعدات والأدوات والمعينات اللازمة للعملية التدريبية ليتماشى مع مكونات نظام التدريب وتفسير ادوات التقييم ونتائجه…اساسيات لنجاح العملية التدريبية والسير بها نحو الأهداف بخطوات واضحة .
فالإلمام بقواعد وأسس وأساليب التقييم مهم ، سواء للمدرب أو واضعي السياسات في المنظمة والوقوف عند السؤال الآتي : ماذا حققنا من نتائج ؟ ضرورة للاستفادة من المؤشرات الناتجة لمعالجة مواقع الضعف وتدعيم جوانب القوة .
حيث ان التقييم والتقويم جزء لا يتجزأ من عملية التدريب ويساعد في المتابعة وتقييم الاداء بعد انتهاء عملية التدريب فالتقييم يعني تحديد قيمة البرنامج التدريبي من خلال ما يحققه من نتائج ايجابية و التأكد من جودة التدريب في ردم الثغرات الوظيفية والفجوة بين الوضع الكائن وما يجب أن يكون عليه.
كما يمكن استخدام نتائج المتابعة لإعداد وتنفيذ تدريب تنشيطي عند الحاجة او ابلاغ الجهات المعنية بأسباب عدم تحسن الاداء لو كانت هذه خارجة عن نطاق المعرفة والمهارات والاتجاهات لتحقيق الاهداف المقصودة بالوصول الى الانجاز والتميز .
ومن خلال نظام متابعة المتدربين يمكن التأكد من ان الموظف قد اكتسب من التدريب المعلومات والمهارات والاتجاهات اللازمة لكي يؤدي عمله بالمستوى المطلوب وان الاموال التي انفقت على التدريب تتناسب مع الفائدة التي عادت من نتائجه ، فالملاحظ عند استخراج تكلفة التدريب لكل فرد سنويا والكلفة المرتفعة لمدخلات العملية التدريبية فإنها لا تتناسب مع المخرجات .
إذن ..ما هو المردود العملي والعلمي ومدى فعالية الدورات إذا لم يوجد تغيير حقيقي في السلوكيات المهنية وتحقيق التغيير والتطور المنشودين؟
ذكرنا سابقا بأن التدريب هو أحد أعمدة تحسينات الأداء ، إلا أن تحسين الأداء له عوامل اخرى فالتدريب ليس العامل الوحيد المؤثر ، صحيح أنه يؤثر بصفة مباشرة على مستوى أداء المتدرب، غير أن هناك اسباب اخرى لفجوة الاداء كضعف سياسات الدعم وقلة الحوافز بنوعيها المادية والمعنوية وضبابية آلياتها داخل المؤسسات ، لاسيما بان هناك الكثير من الموظفين حتى وإن تحسن آدائهم لا يجدون التغذية الراجعة المناسبة عن انجازهم في العمل .
ولكن ذلك لا يمنع من ان يحفز الانسان ذاته بذاته ، فالحاجة الى النجاح والتقدير والشعور بالانجاز والأهمية ، حاجة انسانية ودافع يحرك الانسان نحو البحث عن الفرص لتطوير امكانياته والتوصل الى الطرق التي تكفل له تحقيق هدفه رغم الصعوبات والمعوقات التي تحول دون اشباعه لتلك الحاجات والدوافع .
فالتحفيز الذاتي والشعور بالمسئولية…ضرورة لتميز الموظف ونجاحه في عملية الادارة بشكل عام وفي أدارة حياته بشكل خاص فالمكافحة من اجل التفوق والانجاز..قوة تجعل الانسان يخترق الحواجز ويتغلب عليها بالعمل المنسق الجاد المخلص ..فمن الممتع .. ان تتقدم بخطوات صغيرة حتى تبلغ هدفك .
والاستخدام لمفهوم ” العشر بوصات “.. بأن يتخيل الانسان ان كل خطوة يجتازها تقربه مسافة (10) بوصات من الهدف. فكرة يجب ممارستها يوميا .
يقول مثل قديم : ” ان النجاح هو محصلة اجتهادات صغيرة تتكرر يوما بعد يوم “.