اذا كنت تحترم حرفتك،اذا كنت تحترم الانسان الذي تشاهد فيلمه، الذي لم يعجبك، اذا كنت تحاول-على قدر ما تستطيع-أن تساعد نفسك، وتساعده، فينبغي أن تقول له-بصراحة- عن ما لم يعجبك، وأن تسمع جوابه، سواء اتفق معك أم لم يتفق. ان هذا هو ما يشكل، على ما أعتقد ، الأخوة الحرفية. يبدو لي (كل ما أقوله وجهة نظر شخصية، وليست وجهة نظر استاذ، أو كلام من الأعلى الى الأدنى) أن أكبر المشاكل –الآن-تكمن في أننا –منذ قاعدة السيناريو- نسينا كيف نحترم المتلقي. أي ،أننا أصبحنا نتوجه الى المتلقي الذي لا يفكر، الذي لا يستطيع تحليل الفيلم: لماذا فعل المؤلف هذا وليس هكذا. أنا أعتقد ان هذا -من وجهة نظر تسويغ فكرة المخرج- له أهمية فائقة.
اقتطع أخي في حينه، ورقة من سيناريو كوبولا “العراب” حيث تجد أن كل لقطة مفصلة الى خمس فقرات: الحركة، مزاج الانارة،الملابس،التأثير الرئيس والأخطاء المحتملة. أنا أعرف أن كوبولا ليس وحده يتعامل بهذه الطريقة مع السيناريو، فأنا مثلا، اكتب السيناريو الاخراجي لأي فيلم، بأكبر بكثير مما يدخل في الفيلم. فلماذا أحتاج الى ذلك؟ لغرض أن أستطيع “تصوير الفيلم” على الورق في ظروف مثالية، حيث لا يوجد مطر، والشمس تشرق كما تريد،والممثلون صاحون والأجهزة تعمل جميعها، أي حيث كل شيء متوفر. وأنت تجلس ازاء منضدتك تكتب السيناريو شارحا ما تطمح للوصول اليه في هذا المشهد أو ذاك. فلو فرضنا أن المشهد الذي يدور في غرفة تستغرق كتابته 15 صفحة، لكنك توزعه لا بحسب المكان –كما نفعل في السيناريو الاخراجي- ولنقل “شقة ناتاشا” ، بل بحسب الفكرة، ولنقل “ضربة” أو “مستحيل” أو “لماذا”. أي أنك تستخرج الذي يبدو لك الأكثر أهمية منذ عنوان الفقرة الأولى “الحركة”.وبعد ذلك ،تشرح بكلماتك الخاصة (وهذا مهم جدا)محتوى هذا المشهد: “ناتاشا تعود الى بيتها متعبة” وتشرح بأسلوب حياتي، وكل ما كان الأسلوب أكثر حياتية،صارت عملية التصوير أكثر سهولة. بعد ذلك في فقرة “مزاج الانارة” تكتب “غروب بعد يوم حار. مدينة، زغب الحور الفضي يملأ الجو،وقد مرت سيارات الرش قبل قليل، لذا ترى من النوافذ المفتوحة الأسفلت المبتل”. وهكذا تشرح بالتفاصيل الدقيقة، من غير أن توفر الكلمات أو الوقت.
أستدرك، أنا لا أنصحكم أن تعملوا مثل هذا تماما، فكل ما هنالك، أنا أعمل بهذه الطريقة.
وفي الفقرة الثالثة، أكتب بأدق التفاصيل حواراتي الآتية مع فنان الملابس والمصور ومسئول المؤثرات الخاصة والخ.والفقرة الرابعة “التأثير الرئيس في المشهد” مهمة جدا. ذلك أننا –أثناء التصوير- كثيرا ما ننسى التأثير الرئيس المطلوب، لأن الممثل يأخذنا معه بعيدا، حين يشرع في ارتجالاته، فنضيع الشيء الأساس، وحين نعود اليه في غرفة المونتاج، نجد أن هناك شيئا ما لا يستقيم.
والفقرة الأخيرة، “الأخطاء المحتملة” ، حيث تحلل فيها ما تحاول الوصول اليه، وتحاول استقراء الى أين يمكن للارتجال أن يقودك، وعدم دقة السرعة، وغياب الزمن والخ.
لكن هذا –طبعا- لا يعني أنه نتيجة لتفصيل السيناريو هذا أنك لن تصادف أية مفاجئات من أي نوع. لكن بفضل هذا التفصيل، تستطيع-دائما- العودة إلى الانطباعات الابتدائية للفيلم الذي أردت تصويره، كي تصلحه في تلك الظروف الفعلية ، التي تكونت في سيرورة العمل المباشرة. أي أنك وأنت تشاهد المادة المصورة ، تستطيع –دائما- المقارنة مع المكتوب،وترى أي اتجاه سلكت، وهل يستقيم مع ما ينبغي أن يحدث في الفيلم بناء على فكرته. وحينئذ تستطيع أن تستمر في التصوير،أو أن تعود إلى الوراء واعادة تصوير المشهد.
أعتقد أن هذا التفصيل في كتابة السيناريو مهم جدا، بل ضروري. ذلك أن المخرج يستطيع أن يصور لنفسه، من خلال الورق ما يصعب جدا تصويره أثناء عملية التصوير، حين تكون مشغولا من الصباح وحتى المساء، بتبديل شيء ما، بسبب الميكرفون العاطل أو تبدل الإنارة..لكن لديك –دائما-التصور الأول لذلك الفيلم “المثالي” الذي أردت تصويره. لم يحدث لي في كل حياتي أن أحصل على ما تخيلت في الواقع.ولا أظن أن أحدا قد حصل على ذلك مطلقا.