23 ديسمبر، 2024 9:09 م

ملصق في جامعة بابل يسئ للطلاب والطالبات معا

ملصق في جامعة بابل يسئ للطلاب والطالبات معا

في جامعة بابل وتحديدا في قسم التربية وعلم النفس رأيت ملصقا معلقا على جدار أحد  الممرات.
في الجهة اليسرى منه صورة طالبة محجبة وفي الأخرى صورة طالبتين سافرتين تقرآن في كتاب. وفي الأعلى وبحروف كبيرة، كتبت عبارة ضعيفة الصيغة والمعنى: (حجاب يصون أو تنهش عيون” بحيث جاء النصف الأول منها فوق صورة الطالبة المحجبة والقسم الآخر  فوق صورة  الطالبتين غيرالمحجبتين. وتحت صورة المحجبة وضعت صورة  قطعة حلوى نظيفة، بينما ظهرت  تحت المحجبتين صورة حلوى نزل عليها  الذباب.
استفزني الملصق  الذي أنفق على انجازه مبلغ لا أظن من جيب طالب أو طلاب،  فهو عبارة عن (فلكس) ملون وبحجم كبير، قد يصل عرضه إلى مترين وارتفاعه إلى متر ونصف المتر.
 سألت أحد المسؤولين في الكلية عما إذا كان للعمادة أو القسم علاقة بتعليق هذا الملصق فأجاب وبثقة عالية: “أبدا… هذا من ابتكارات الطلبة”. قلت: وهل يحق للطالب أن يعلق أي شيء كما يشاء ودون رقابة؟ علما أن النشاط السياسي داخل الجامعة ممنوع قولا وليس فعلا لأن كثيراً من شعارات القوى الإسلامية تعلق فيها،ومثلها الملصقات التي تحمل جميعا شعارات سياسية، فيما يمنع الطلبة الآخرون، من رفع شعارات مهنية بعيدة كل البعد عن السياسة…
وانتظرت عدة أيام معتقدا أن هذا الملصق سيرفع بمجرد انتباه المسؤولين إليه، لأنه يسيء للطالبة السافرة والطالبة المحتشمة على حد سواء.
ويبدو أن صاحب “الفكرة العبقرية” لم يجد صورة لسافرة غير محتشمة، فاستخدم صورة لطالبتين تذاكران، كما هو واضح في الملصق. مع 1لك فهو (الملصق) يسئ إلى  جميع الطلبة الذين جعل منهم  وحوشا وذبابا، ينهشون بعيونهم زميلاتهم، بل أن هذا الفعل أكبر من إساءة، فهو يشكل خرقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان،الذي جاء في المادة  29 منه ما يأتي: ” يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته للحقوق التي يعينها القانون”. كذلك يعد خرقا لدستور العراق الذي لم يمنع  السفور في أي نص من نصوصه، ولهذا نجد في قمة هرم الحكم عندنا ا ابتداء من مجلس النواب إلى مجلس الوزراء إلى الجامعات سافرات محترمات: طالبات، تدريسيات وموظفات،  وفي جميع دوائر الدولة نجد المحجبات والسافرات يعملن معا ولم نسمع أن وحوشا نهشت أحداهن وإذا حدث خلل أخلاقي هنا أو هناك وهو على العموم ليس ظاهرة في مجتمعنا العراقي، فقد يحدث عند المحجبة كما عند السافرة، وهو ما يرتبط بأسباب وعوامل مختلفة  منها البيت والمدرسة والجامعة والمجتمع… وغيرها. 
    إن ما أعرض له هنا هو قضية كبيرة تدخل ضمن الحريات الشخصية، وإن القانون لا يبيح مثل هذا الخرق وهذا التجاوز، وكما ان علينا جميعا مثلما نحترم المرأة المحجبة، يتوجب أيضا أن نحترم المرأة السافرة، فالأمر يتعلق بخيارهما الشخصي، ناهيكم عن أن الشعب العراقي يتكون من ملل وأديان عدة ولكل دين وملة ثقافتها الخاصة بها.
      إن على الجامعة مسؤولية كبيرة ليس فقط في إشاعة العلم وروح البحث العلمي، وإنما أيضا في التربية وقبول الآخر والتعايش بين أبناء الشعب العراقي الواحد بعيدا عن الأفكار الطائفية والعرقية والاختلافات الثقافية هذا إذا أردنا أن ينعم الطلبة جميعا بأجواء دراسية صالحة إلى جانب ما تسعى إليه رئاسة الجامعة من توفير مستلزمات نجاح العملية البحثية والتدريسية من أساتيذ أكفاء ومن مراكز بحوث وبنايات جديدة وقاعات واسعة ومكتبات كثيرة ومن تخصصات علمية دقيقة ومختبرات…إلخ. وهذا كله لن يكون منتجا ما لم تتوافر حرية العلم والاعتقاد والحريات الشخصية وعلينا جميعا أن نلتزم بالمبدأ القائل: تتوقف حريتي عندما تبدأ حرية الآخرين.