23 ديسمبر، 2024 9:38 م

حديث النصف الأوّل , قبل شهر رمضان ؛ من شهر شعبان ..”السجدة الكرويّة” – 2

حديث النصف الأوّل , قبل شهر رمضان ؛ من شهر شعبان ..”السجدة الكرويّة” – 2

لا بأس أن نتوسّع ولو قليلاً ونخصّص للمستجدّات “الدينيّة” الوقت الكافي من التمحيص مخافة البدعة ,لأنّ ما ذهب بريح العرب والمسلمين ونحى بهم إلى هذا المنحدر من الضعف هي البدع “المستجدّات” الّتي لا زالت تعمل مفاعيلها تمزيقاً بمجتمعاتنا الاسلاميّة والعربيّة وتتضاعف جيلاً بعد جيل لسهولة تغلغلها بين عناصر ومفردات وشرائح هذه المجتمعات وسرعة الاستجابة لها من قبل الناس يتقبّلونها وهم في غفلة منشغلون بشؤون الحياة ومشاكلها , فما بالنا لو كانت هذه المجتمعات تعيش حالة الضيق والتدهور المعنوي والاقتصادي وعلى الصعد كافّة ..

 إشكاليّة أخرى لا يفصح عنها هذا النمط من نماذج الافتاء الّذين تطرّقنا إليهم في الجزء 1 من هذا المقال كي نستطيع أن نلتقط ولو مبرّراً واحداً منهم نستأنس به كي نتجرّع مرارة تصدّرهم المشهد الثقافي في هذا الزمن الأميركي الفوضوي , هي أنّنا بينما نراهم  يشدّدون على “الحجاب” وعلى النقاب وعلى “البوشي” أيضاً ويتوعّدون وكأنّهم أوصياء على الناس “هم يعلمون انّ الوصاية أقصر الطرق لاستعباد الناس بعد أن ولدتهم أمّهاتهم أحراراً” بالويل وبالثبور وبالكفر وبدخول النار وبالخروج من الملّة وبالتحريم على الزوج  أو الزوجة كلّ من خالف فتاواهم التحريميّة .. وهم أنفسهم هؤلاء باقة المفتون الّذين عنينا , في عصر العولمة هذا  , لم نرهم أو نسمع بأيٍّ منهم قد أطلق تصريحاً واحداً يعطنا رأيه فيه أو بفتوى منه , وهل هي خطأ , أم لا “مع شرح الأسباب” عن تفشّي ظاهرة تحويل العلاقة الخاصّة بين العبد وربّه في “السجدة” إلى الساحات الرياضيّة وملاعب كرة القدم ؟ .. أنا عن نفسي لا أتوقّع منهم ذلك , ولأسباب كثيرة لا يتّسع المجال لذكرها هنا , وتوقّعي مبني على معطيات أكبر من موضوع السجدة .. ذلك أنّنا إذا ما انتقلنا لمجال آخر أوقع ثقلاً على الحائر السائل , أنّنا لم نحصل من أيٍّ منهم لحدّ الآن على إفتاء أو تفسيراً واحداً ولو عبر الفضائيّات الّتي يطلّون علينا برؤوسهم منها أو عبر مواقعهم الإلكترونيّة , يتماشى مع الشارع المسلم , الحقيقي , عن ما فعلته وتفعله قوّات الاحتلال الغربيّة في أفغانستان وفي العراق من انتهاكات صارخة واستباحة للمقدّسات وللحرمات , فقط سمعنا أصواتهم وفتاواهم  ضدّ رسّام الكاريكاتير الدنماركي  وضدّ وجبات الجبنة الّتي يأكلها ! .. فهل استضعف الدنمارك هؤلاء “فوصفوها” .. أم ماذا .. ؟ .. أم أنّ شحن الجوّ العام العالمي والعربي بقضايا الدين والتدين بوجهه السلبي هو المطلب من دوائر غربيّة بعينها

أنا كغيري من المثقفين المنفتحين على عقول الآخرين مهما كانت طروحاتهم الفكريّة مالم تكن ملوّثة بالعرقيّة وبالمذهبيّة الّتي قضى على مثيلاتها الموروثة عن عصر الجاهليّة الإسلام نفسه  , لست ضدّ منافسة الضفة الغربيّة من العالم الآخر ولا غيرها من ضفاف , وسواء , بالألعاب الرياضيّة أم بغيرها من فعّاليّات إنسانيّة , نساءً  ورجالاً , شرط أن لا يتدخّل فيها اغتصاب الحقوق أو السلاح ..  بل على العكس أنا كغيري من الّذين يقفون بقوّة مع التنافس الشريف .. ولكن ( شرط أن يكون التنافس نابعاً من أرضيّة انتماء كفؤ يوازي بجميع أبعاده انتماء من هم منتمون للضفة المقابلة ) , لا أن يكون التنافس عالة على “القوانين الأولمبيّة” مثلاً , والّتي صنعها لنا السيّد الغربي “حمايةً للضعيف”  , مثل حزمة الفعّاليّات المعنونة تحت مسمّيات “حقوق الانسان” وغيرها من منظّمات باتت مكشوفة ومكشوفة أغراضها منذ أمد طويل .. ( أي يجب أن يؤدّي رياضيّونا الصلاة ) إذا ما أدّوها , وهنا أصل موضع هذا المقال , من وعي ذاتي مسند بالانتماء باللاّوعي بالذات المتماهية تلقائيّاً بمرتكزات دولة متفوّقة “وغير معتدلة”  تضيف “لمسابقيها” وبقيّة “قوى الاستطلاع الثقافي” هالة من الخصوصيّة الواجبة الفرض على جهات التنافس الأخرى وكفؤ لها من حيث الثقل السياسي الدولي وأن لا نقبل بديلاً غيره آخذين بعين الاعتبار أنّ المتنافس الرياضي الغربي أو الأميركي  عندما “يصلّي” بطريقته الّتي عهدناها عقب “فوز” ما يحقّقه مثلاً , فإنّما نابع من شعور “ذاتي” خاص به وليس جمعي كما يظن البعض من “أخوتنا بالله” ؟!  , قوامه مرتكزات راسخة تعلوها ذات ينتعش بها صاحبها “الغربي” وينتشي .. ذات منتمية لمجموعة حِزَم إشراقات مكوّنة للحسّ العالي المتراكم في اللاوعي لديه وبالانتماء والافتخار وبالتفوّق والمبنيّة جميعاً , والممهّد لها تربويّاً منذ الصغر , على الإنجاز العالي حدّ التطرّف والانعزال الكينوني عن الـ “مثل” الّذين هم “نحن” ! مع تحفّظنا على مدى شرعيّة هذا النوع من الاستعلاء .. “صلاة” مشحونة بمثل هذا “المضمون” , من المؤكّد سيكون لها وقعها الخاص في النفوس , لذلك .. لطالما استفزّنا مثل هذا النمط  واستفزّتنا “صلاته” في مناسبات مغايرة أدائها في غير مواقعها بالنسبة لنا , كما استفزّنا سابقاً منذ أوّل ظهورهم على أراضينا بشكل غير مباشر “مستشرقون .. رسّامون وأدباء وطوبغرافيّون” أو بشكل علني قبل ما يناهز الثلاثمائة سنة “استعمار” ..

 اقحام السجدة في المجريات الرياضيّة مثلاً , هو إقحام لشعيرة دينيّة في غير محلّها , فليس صحيحاً أن يصبح من المألوف لدينا أن “هدفاً”  يتحقّق بمن استطاع تسجيله  في مرمى “الخصم”  إلاّ وقد “خرّ ساجداً” صاحبنا , بظنّه , وبظنّ من أفتى له بجواز ذلك من مثل وعّاظ القشطة “واللوزينة الدينيّة” والمنتمون بكلّ تأكيد للإسلام الأميركي ومواصفاته “العصريّة” المضمونة للراعي الأميركي خراج “سحابتها” أينما “أمطرت” ! .. 

الصلاة أصلها ( خشوع )  .. ولا خشوع وسط هيجانات ! ولا تستقيم حالة السجود “أو سيتم قبولها” بحسب منطق التديّن الحقيقي كما أفهمه , وسط “شلوشة” فرح وتعانق وقُبَل وقفزات في الهواء ورقص و”تمرغل” على أرضيّة ثيّل الملعب و”ترافس” ووسط  ضجيج عالي على إيقاعات أبواق المشجّعين وطبولهم ووسط أهازيج الجمهور المرعدة المزبدة في أرجاء الملعب ..

 الرياضي “الساجد” يا سادتي ليس هنا بصومعة يتأمّل خاشعاً يلوم ذاته ويعنّفها على ارتكاب الخطأ أو المعاصي , لأنّ ساحة الرياضة هي أقرب ما تكون “لساحة معركة سلميّة” إن صحّ التعبير , حيث لا مجال للتأمّل المقصود دينيّاً نتائج بعض ممارساته سجود .. كما و أنّ الدعوة “للإسلام” لم تأتِ “للتحدّي” ..  لأنّها دعوة تبشير وتحذير وإنذار لا كيد وإغاضة عن طريق أداء شعيرة دينيّة وكأنّ مؤدّيها يغمز لمنافسه من الضفة الأخرى ويلمز له بأفضليّة ما يحمل من معتقد ! , وذلك ما يجري في مسابقات اليوم الرياضيّة بكرة القدم خصوصاً ! .. فالسجدة لله كما يُفترض وليست للإغاظة ! كما وهي ليست اداة استعراضيّة لإحراج الخصم” لنطق الشهادتين ! ..

السجدة , وبحسب ما أفهما أنا على الأقلّ بفهم إيجابي , “هي نهاية لتراكم خشوع قد ينفجر بسجدة في أيّة لحظة تستدعي ذلك” , لا على أسس ذاتيّة بحتة , ولا على أساس تباري ولهاث بين “خصوم” يَتلْهَوْن .. أي أنّ السجدة بحسب قناعتي تأتي بعد سكون وانفراد طويلين قد تودي بمن يمارس التعبّد في صومعة محراب , فيما بعد , مع الدوام على تكرار التوسّل بالذات الإلهيّة ؛ الخروج عن دائرة الوجود للحظات سابحة معيّنة .. أو لنبأ انتصار في معركة حقيقيّة , أوعن نبأ سار أو فرحة ذاتيّة آنيّة , فهي إذن من أصل تمنّي مكرّر على الله , ذلك أنّ “خرّ ساجداً” بمثل تلك السجدة الّتي أدّاها  النبيّ “داوود” أتت من تأمّلات مقدّمتها نكران ذات والّتي هي من ذات “الكلّ” ومرتبطة معها , ولوم شديد للنفس , كان في حالتها أقرب ما يكون أمام الخالق , وبخشوع تام , كانت لتلك اللحظات الزمنيّة في لحظة تجلّي لا يعلم درجة صفاء فطرتها إلاّ الله  تسامت ضمن حلقة تدبّر وتفكّر وانبهار بقدرته سبحانه و”تنبيهه” لداوود بلطف منه بلفت انتباهه لموضوع  خاص نتائجه كانت بمثل ذلك السموّ تجلّت بأن خرّ داوود ساجدا لله .