20 ديسمبر، 2024 11:49 ص

بالرغم من إنني لم أتعرف على الشاعرة  المصرية صفاء فتحي شخصيا طوال إقامتي الطويلة في القاهرة إلا إنني ازعم بأنني من المتابعين لها منذ زمن طويل فهي فتاة اختارت فرنسا منقلبا حياتيا ومعرفيا لها واستطاعت أن تحقق نجاحات هادفة في مسيرتها الشعرية والإبداعية وكانت من جلاس حلقات جاك دريدا في باريس لسنوات طويلة ولعل سبب توقفي عند هذه الموهبة الشعرية والإبداعية اللافتة بالرغم من  إن الوقفة لا تحتاج غالبا إلى سبب دخيل يكفي التأمل مرجعا ومع ذلك فصفاء فتحي  شكلت حضورا بذاتها وعبرت عن نفسها بنوع خاص من الكتابة الشعرية غالبا ما كنت أتمناه وأتطلع إليه لأن الشعر بالرغم من دلالاته المجانية التي تتخذ غالبا منحى التعريف الزائد عن الحد لشعرية تند عن التحديد مسبقا وبعديا، لأن الشعر هو فعل في اللغة الأولى اللغة المصفاة من المعقولية الدخيلة ومن هنا يلعب الفعل الشعري كونه تورطا بالزمني والعرضي كما تراه صفاء فتحي وهي تقول من مجتزأ مقابلة معها أجراها نائل الطوخي (كأن المرء شاهد حاضر علي ما شهد عليه في زمن* غاب عن الحضور*.)وذلك لأن الغياب هو فعل أيضا هو نشاط يتم بمعزل عنا على مسافة مناسبة بين الوجود والعدم ،بين الحضور والغياب ،بين الذات والذكرى وبين الشعر والشاعر توجد طفرة استباق إلى الإمام أو إلى الخلف الذي هو أكثر سبقا لأي اتجاه مستقيم ممكن ،ترى كيف يمكن التخلص من التتابع في الأثر أو من القرصنة الفريدة التي توفرها لنا الكتابة بوصفها اتساع للحضور أو تمديد وهمي للغياب ،لعل صفاء فتحي تدرك الشعر بوصفه أكثر مما تستطيع قوله اللغة فيما لو عرفت “إي اللغة “ما تقول ،حلول نسبي ومضيعة وقت الكائن في تحصيل ارتداد لغوي إلى ذاته المنسابة من بين يديه سوى تحرك أو بقي ساكنا لا فرق ،بينما يكون الشعر حسب ما يراه فهما متقدما للحرف والصوت والكلمة: هو نوع مضاعف من البحث عن الخامة الأولى للوجود –الإنساني-أو الذي أصبح إنسانيا بفعل إرادة تاريخية قائمة على الإيمان الأعمى، بأن ثمة قوة حقيقية للانجاز الصوتي للكائن المتكرر بالوجود والمجتمع واللغة التي تحيطهما بعناية سرية غير مسبوقة،من هنا فن تفعيل فعل الشعرية هو بالتناص الجمالي –ألتفكيكي –مع دريدا هو فك حدود الدوائر والمغاليق التي يتعلق فيها الكائن لكي ينسى جنونه الأصلي وعرضيته الكبرى وانعدام سببيته المنطقية في هذا العالم من هنا عملت صفاء فتحي على تمتين لغتها الخاصة من ذاتية وحشية أصيلة لا تقبل أن تستسلم لانسيابية ما هو لغوي أو من الاعتداد بالتراث العيني للمخطوط البشري الكبير التي أرادت الكتابة أن تثبته لنا تراثا حقيقا لاشك فيه ،إن العناية بأعمال صفاء فتحي تفتح آفاقا مهمة للتساؤل الأنطلوجي حول كينونة المكتوب والمنطوق والمستعاد صوريا عملت وقرأت صفاء فتحي طويلا لتجارب جاك دريدا إلا إني قرأت أشعارها بمعزل عن هذا التأثير كما ازعم لاسيما في شذراتها ومرآها عن الشعر وصار ممكنا الحصول على شاعرة تبهرنا وتقودنا إلى مجاهيل متاحة للتعبير ناشطة وذكية كما أرى ومشبعة معرفيا ما يجعلها بمنأى عن التأثر السلبي بالآخر أو الاعتداد به كما يجب أو  كما أرى أو كما رأيت .

أحدث المقالات

أحدث المقالات