5 نوفمبر، 2024 2:02 م
Search
Close this search box.

لماذا التشاؤم من نتائج الثورات ؟

لماذا التشاؤم من نتائج الثورات ؟

اخشى ما تخشاه الشعوب الثائرة و في مقدمتهم المتابع الواقعي هو عدم الحصول على النتائج  المرجوة و عدم وصول الشعب الى شاطيء الامان من ما يحصل من الثورات و جراء خيبات الامل من بعض الانحرافات الوقتية لما بعد الثورات هنا و هناك، و كل الخوف على ما قُدم من التضحيات ان تذهب هباءا، و الخوف على الا يحصل المواطن ايضا الا على النظام ذاته و لكن باشكال و الوان و شيء من التركيبة المختلفة، او ربما بجواهر و اسس جديدة لم يستفد الشعب منه شيئا و لم يكن للمواطن البسيط في كل ما قدم له من التضحيات الجسام ناقة و لا جمل. كل التكهنات في محلها و قابلة للبحث، لكنها تستند على افكار واقعية مستنتجة من الزمن السابق لها اسبابها و عواملها و التي تدلنا على ما يمكن ان تعيد الانظمة ذاتها و لكن بغطاءات و فاعلين مختلفين مظهريا شيئا ما  . تنتاب الجميع الشكوك  في قرارة انفسهم عند قراءتهم للواقع و ما بدر مما بعد الثورات من الاحداث و الظواهر غير المتوقعة، و اعترى انفسهم من الشكوك لنتيجة المعادلات السياسية الموجودة على الارض . فالشعب ذاته، بالمواصفات و الخصائص و السمات و التراكمات و الامكانيات و الوعي و الثقافات ذاتها، و الاوضاع الاجتماعية الاقتصادية السياسية و ما يتمتع به الشعب من المميزات لم تتغير بين لحظة و اخرى جراء تغير سطحي للحكم الذي طال عقود و بفعل ثورة تزيح المتسلط و يحل البديل من قبل شعب يعيش ضمن الاطار و المساحة الاجتماعية السياسة الثقافية ذاتها و بالعقلية نفسها دون تغير يذكر في لحظته ،و التغيير الفوري الاعم غير معقول و ليس واردا في اي حساب عقلاني . من اهم النقط الايجابية التي يمكن التعويل عليه لما بعد هذه الثورات التي يدفع اي منا للتفاؤل هو تغير مستوى  و نسبة المشاركة السياسية و زوال الخوف الكامن في كيان الفرد و اصراره على المضي دوما في تحقيق اهدافه و الدوام على ما يتطلع اليه على المستوى العام و الخاص، و كذلك عدم توقف الثورة في محل معين، بل استطالتها و استدامتها حتى بعد تغيير الانظمة  السابقة و احلال البديل، و المؤشر الايجابي الاكبر هو عدم سيطرة الياس من صعوبة المهام التي تقع على عاتق المواطن، و هذا دليل على مدى  انتقال هذه الشعوب لمرحلة جديدة دون احتمال العودة عنها مهما تجبر من اعتلى سدة الحكم من جديد .
الخلل الكبيراصلا في بنية المجتمع المبني على الخوف و الشك و الانعزال و الانطواء و اللامبالاة جراء حكم المستبد في المراحل السابقة، فان كانت الاسباب اجتماعية ام سياسية ام ثقافية بشكل عام فان المسبب هو الانظمة الساقطة، و الدليل على وجود تلك الصفات هو عدم اسهام نسبة كبيرة من الشعوب في العملية السياسية سابقا و عدم تدخلهم في الشؤون السياسية العامة التي تهمهم قبل غيرهم بشكل مباشر كانت ام غير مباشر، و ما استقر عليه الشعب على هذه الحال لعدة اسباب و عوامل منها ياس المواطن من ثبوت الحال لمراحل طويلة و عدم مشاهدته لاي تغييرواجب حصوله للحياة العامة له مدى تلك المرحلة الطويلة ،فمن اين يمكن ان يكون له دافع  للاشتراك في الشان العام، اضافة الى عدم توفر المناخ السياسي الحر فكريا و اجتماعيا و سياسيا و اصبح يعيش في فضاء يعتبر معيقا رئيسيا لتلك الخطوات التي تعتبر واجبا على المواطن الاصيل في اي بلد ان يخطوها، لذا لم تتوفر اية فرضة امام الفرد للمشاركة في الامور السياسية العامة باشكالها المختلفة المطلوب الاشتراك فيها وفق النسق السياسي الاجتماعي الموجود . اي عدم مشاركة و الركون في زاوية يعني فناء الطاقة الايجابية للتغييرات العامة و في مقدمتها السياسية و النظام و نمط الحكم، بشكل تلقائي، و به يضيق نطاق وعيه و ادراكه السياسي مما يفرض عليه الحالة هذه  و ينتج عنها الاغتراب و عدم الاحساس بالمسؤلية. اما اليوم مابعد الثورات التي غيرت الحكام المتسلطين، نرى في الافق ملامح تغيير واضح في مستوى الاشتراك في الشؤون التي تهم الشعب بشكل عام من كافة الجوانب، و هي التي تقع لصالح ضمان المصالح العليا للشعب . الشيء الاهم ليس في تغيير الحكام فحسب بل بفتح نوافذ و طرق عديدة على خروج المواطن من صمته المطبق و انطوائه الاجباري و تمكنه من القفز من السفينة التي اركبته اياها السلطات السابقة، و تعتبر هذه بداية النهاية للوضع غير الطبيعي و الشاذ الذي عاشته الشعوب من جراء تلك الممارسات الاستثنائية من قبل تلك الانظمة الشمولية ، و التي لم يكن لديها همٌ غير مصالح مجموعات و حلقات ضيقة اعتلت السلطة طوال تلك المرحلة المشؤومة فقط .  لم يكن هناك مجال واذا لم تستغلها تلك السلطات و لم تترك من المناصب و المراكز السياسية الاكاديمية الاعلامية و الاقتصادية  شيئا، و لم تدع منفذا لمن ليس له ما يدعمه من تلك الحلقات او لم تكن له صلة بشخصية متنفذة في تلك البلدان المغدورة .
ان ما يزيح التشاؤم من هذه الثورات و نتائجها و ان كان البديل الحالي المنظور مشابه لحدما من حيث العقلية و التوجه لما سبقه، المزيح هو ازدياد نسبة المشاركة السياسية الحقيقية بشكل فعال و بعفوية من قبل الجيل الجديد، و هذه المشاركات ازاحت ستار الحجب عن ممارسة الواجبات في الامور العامة و اصرارهم المفرح على الوقوف على القضايا السياسية العامة و بطرق شتى . توفر الارضية المناسبة لتوفير الاجواء المطلوبة لضمان المشاركة الواسعة في العملية السياسية الديموقراطية و ان تخللتها بدايةً الشواذ، يعتبر عاملا مشجعا للانتقالة الى مرحلة مغايرة نسبيا بشكل عام . في كل الاحوال سوف تبقى مجموعات صغيرة و بنسبة لا تؤثر بشكل عام على المسيرة الجديدة، من الذين يمكن ان يتسموا بالتبلد السياسي و لاسباب و عوامل لا يمكن ازالتها في لحظة معينة ، و يحتاج لوقت و امكانية و عمل مضني و للعقل المدبر في المراحل المقبلة، و هذه المجموعات  هي اصلا من افرازات الضغوطات الكبيرة للسلطات السابقة على الشعب و التي ولدت هذه النسبة من المجتمع التي تحتقر السياسة و ما فيها، او ممن ياسوا من عملهم و اقتنعوا بان تاثيراتهم باتت تافهة و لم تستطع التغيير فانطوت في زاوية نائية من حياة المجتمع. او نشاهد من الناس من نشا اصلا على اللامبالاة السياسي بتاثير العائلة و البيئة او المجتمع نتيجة انعدام التوعية المطلوبة، و هذه المجموعات و ان شكلت عائقا امام تقدم الوضع السياسي و الممارسة الديموقراطية لعدم مشاركتهم السياسية المطلوبة و اصبحوا مانعا امام التنمية و التقدم الاجتماعي بعد الثورة لحدما الا ان نسبتهم ستقل بتغيير المرحلة و عدما يشهد الجميع الانتعاش السياسي الذي يحصل بعد الثورة، ان كانت الفعاليات مستمرة. و عليه يجب البدء بالتغيير الشامل الايجابي مستهلا ذلك من التعليم و انبثاق منظمات مدنية فعالة لبناء حكم رشيد يضع العدالة الاجتماعية و المساواة و الحرية و الديموقراطية امام اعينه . من المتغيرات الايجابية الاخرى التي تقلل نسبة التشاؤم لدى المتابع هي ارتفاع نسبة الاحساس بالمسؤلية الوطنية و القومية، و كما تلمسنا، من الافعال و الاحداث الصغيرة اليومية، و هذا ما يجعل اي منا ان يتفائل من النتائج الطيبة البعيدة المدى التي يمكن الحصول عليها بعد هذه الثورات .
عدم اتاحة الفرصة امام الرجوع الى الوراء بادية على شكل عمل جيل الثورة و جدية افعال و توجهات الشباب على المضي قدما في الثورة قبل غيرهم، و قوة المشاركة السياسية و الاحساس بالمسؤلية من فعل الذات دون فرض من الاخر و المتابعة الدائمة من المقاييس الصحيحة المطلوبة لقياس نجاح الثورة و لتوفير الساحة الضرورية لتحقيق الديموقراطية الحقيقية و حكم الشعب، و يتقوى هذا الهدف بازدياد الثقة بالنفس و الثقة المتبادلة بين السلطة و الشعب و الاعتماد على النفس.
لذا، لا يمكن لاي منا ان يسيطر عليه التشاؤم ان تابع و قرأ الاحداث و حلل في العمق ما يجري و استدل النتائج مما سيحصل مستقبلا . و ان سيطرت بداية على زمام الامور من يمكن ان يسمون من افرازات و نتاج ظلم المستبدين و ما اقترفوه بحق الشعب من السيطرة المطبقة من كافة المجالات، مما غير من مسار تفكيرهم و سيطرت عليهم المثاليات و الخيال التي استبعدوا بها انفسهم من مشقة الحياة و صعابها والدخول في الصراع مع الذات، اي يمكن تسميتهم بالاكثرية المعدمة من كافة الجوانب الاقتصادية الثقافية الاجتماعية مما فرضت عليهم معمعة الحياة التوجه نحو الغيب، و التي ايدت بتلك العقلية من كان يسايرهم و يدعم ما يؤمنون به من الاعتقادات و الافكار و التي كانت من صنع الانظمة المستبدة ذاتها او من بقايا التاريخ ،و هذا الفعل المشين من قبل السلطة من اجل تحقيق مرامها و كانت في مقدمة اهدافها، و كان هذا هدف الانظمة العاتية جميعا دون استثناء .
على العلمانيين و العقلانيين الواقعيين ان يحسبوا لمرحلة و فترة معينة تلك الحسابات الدقيقة التي يفرضها الواقع و ما افرز منه من عوامل الشوم و السلبيات طوال تلك المرحلة، و الذي صنعته تلك السلطات من النواحي الاجتماعية الثقافية و ما تراوح عليها الشعب من نسبة الوعي العام، هذا ما يدفعهم الى الحساب الصحيح لدراسة ما عليهم من الافعال الضرورية الانية و عدم خلطها بالاستراتيجيات، و هنا يبرز دور النخبة في تحديد المسار و تنظيم الامور العامة و طرح الخطط المطلوبة ، كي لا تتوقف الثورة و من اجل عدم  بروز نتاجاتها و ثمارها عند درجة و سلٌم معينة بل تكون في تقدم و تسامي مستمر، و كي لا تنغمس المجموعات المتكتلة دائما في العملية المصلحية للحصول على المصالح الخاصة الضيقة، و يجب عدم ترك اية ثغرة او عدم اتاحة الفرصة لبقاء اية جهة او توجه في السلطة لمرحلة طويلة، اي التغييرات المتتالية الضرورية تنقل الشعوب الى المرحلة الطبيعية المطلوبة لتقدم هذه الشعوب المضحية دون توقف. و به لم يبق للتشاؤم محل عند قراءة نتائج الثورات و لا يمكن ان يكون له اي موقع في فكر المتتبعين  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات