يوم امس كلفني معالي وزير النقل هادي العامري بالذهاب الى دمشق لمتابعة عودة العراقيين اعلامياً والعودة معهم على متن طائرة الجامبو التي تتسع لـ450 راكباً وفور وصولي دمشق العاصمة ومطارها انتابني شعور مزدوج وهو انني لم ازر سورية الا في هذا الظرف الصعب الذي يفكر به العراقيون بالفرار منها ولم ازرها في استقرارها وازدهارها وحاولت اقناع مسؤول امني في المطار بضرورة السماح لي بزيارة السيد زينب رغم تحذيرات القادمين منها وتوصيف ما يجري فيها بانه حرب شوارع واستهداف المواطنين على الهوية فلم اكثرت لتحذيرات المرجفين والمرتجفين فحاولت اقناع مسؤول المطار السوري بالسماح لي فرفض بحجة عدم وجود موافقة لي كما اني لم اسافر سابقاً لها كقانون جديد وضعتها السلطات السورية فباءت محاولاتي بالفشل وكنت حريصاً على زيارة السيدة زينب والاطلاع على الواقع ميدانياً فلم افلح.
وبعد ساعات من المكوث في مطار دمشق شعرت وقرأت بالواقع الامني السوري الداخلي من خلال مشاهد المطار وبدا الامر مختلف عن المطارات الاخرى في العالم فلم نشهد اي حركة داخلية سوى حركة العراقيين وعوائلهم الذين يحزمون حقائبهم للعودة الى ار ض الوطن على متن طائرات الخطوط الجوية العراقية مجاناً فلم يخف السوريون امتعاضهم وغضبهم من قرار العودة باعتباره يشكل تداعيات توحي بخطورة الوضع الداخلي وامكانية انهياره وهو ما يعطي رسالة اعلامية غير جيدة بحسب الفهم السوري.
ووقفت طائرات الجامبو العراقية مع اربعة طائرات عراقية بانتظار العائدين الى ارض الوطن في وقت غابت اي طائرة اخرى لنقل مسافرين اخرين من غير العراقيين وكأن المطار مدينة اشباح غابت منه حتى المظاهر العسكرية والامنية سوى ترقب رجال الامن للمسافرين ومصادرة اي كاميرة تصور مدرج المطار.
ما اثار دهشتي واعجابي في هذا السياق هو امر مهم فقد عاد العراقيون الى وطنهم ولم يمازج شعورهم وتفكيرهم اي نوع من الخطر فقد يخطر على بال الكثيرين من العائدين الى اوطانهم شعور واقعي ومنطقي وهو وقوف رجال الامن والمخابرات بانتظارهم للتحقيق معهم او اعتقالهم كاجراء امني متبع في افضل دول العالم ديمقراطية فالعراقيون العائدون لم يكن بانتظار رجال مخابرات او امن واحد بل وجدوا في انتظارهم وزير النقل هادي العامري للترحيب بهم وتهيئة مستلزمات الوصول الى ديارهم امنين.
كما وجدوا الجميع متأهب ومستنفر لتقديم الخدمات لهم وتوفير الطائرات لنقلهم عملاً بوصايا دولة رئيس الوزراء الذي شكل لجنة ( خلية ازمة) برئاسة معالي وزير النقل هادي العامري والاهتمام الكامل والاحترام الشامل بابنائنا القادمين من سورية.
والمفارقة ان من العائدين من قدم اسمى معاني الشكر والتقدير لمبادرة الحكومة بينما اعرب بعضهم عن امتعاضه واعتراضه على طبيعة الخدمات المقدمة له اثناء الرحلة حتى شعر بانه في شركة لوفتهانزا الالمانية وليس في ظرف ازمة ووضع استثنائي وانتقد اخرون الحكومة وهو على متن طائرة وفرتها له الحكومة نفسها لكنه لم يفكر او يخطر على باله اي مسائلة او تحقيق او توقيف رغم تأكيدنا لهم بان ما يقدم لهم من نقل مجاني على متن طائرات الخطوط الجوية العراقية هو ليس منة او تفضل عليهم بل هو واجب وطني واخلاقي ونحن خادمون لهم ولسنا متفضلين لانهم يستحقون اكثر من ذلك.
لا اريد المقارنة بين مشهدين ولعلي اضطررت لذلك فقد عاد الاسرى العراقيون في بداية التسعينات الى العراق فلم يجدوا الا التأنيب من الحكومة العراقية وصرح عدي المقبور في مجلة الرشيد التابعة له بان هؤلاء الاسرى العائدين لا يستحقون الاستقبال والترحيب لانهم تخاذلوا ولم يقاتلوا ويموتوا من اجل الدفاع عن (الوطن) بينما اسرائيل تستبدل جثمان جندي اسرائيلي بعشرات الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين بينما مستعدة لاستبدال اسير اسرائيلي بالف من الفلسطينيين والللبنانيين.
وما نريد الاشارة العابرة اليه في هذا السياق هو ان دولة رئيس الوزراء اصدر عفواً عن العراقيين العائدين الى الوطن ممن لم تتلطخ ايديهم بدماء ابناء شعبنا وحاول تشكيل خلية ازمة لمتابعة اوضاع العراقيين في سورية وتسهيل نقل الراغبين منهم لارض الوطن ووفر كل مستلزمات العودة لهم وتسهيل وتذليل العقبات امامهم ووضع كافة الخدمات والتسهيلات لخدمتهم فما يسعني الا ان اقول ما قاله الشاعر العربي ابن الصفي:
حكمنا فكان العفو منا سجية فلما حكمتم سال بالدم ابطح
وحللتموا قتل الأسارى وطالما غدونا على الأسرى نعفو ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا و كل إناء بالذي فيه ينضح