26 ديسمبر، 2024 7:00 ص

في انتخابات الرئاسة الإيرانية: الأصوليون يتَّحِدُون ومهمة روحاني صعبة

في انتخابات الرئاسة الإيرانية: الأصوليون يتَّحِدُون ومهمة روحاني صعبة

 

مع الحراك الذي شهدته صفوف التيار الأصولي في إيران، والزخم الذي أضافه انسحاب المرشح قاليباف لصالح إبراهيم رئيسي، فإن مهمة حسن روحاني للفوز بولاية ثانية باتت صعبة على الرغم من أن المؤشرات ما زالت تنبئ بتقدم حظوظه على حساب منافسيه.

وترصد هذه الورقة العناوين البارزة والشعارات الانتخابية التي طغت على مجمل التنافس الانتخابي، وهو ما يشير بقوة إلى أن القضايا المعيشية والفقر والبطالة هي التي تتصدر هموم الناخبين، الذين يصوِّتون يوم الجمعة 19 مايو/أيار 2017 لانتخاب الرئيس وسط تراجع واضح للعناوين الخارجية.

وفيما يشكِّل الهمُّ المعيشي الدافع الأول للناخبين، يدخل روحاني متوكئًا على عصا ما تحقق من الاتفاق النووي، ولم يتحقق الكثير فيما يدخل خصومه شاهرين السيف في وجه منجز روحاني الذي يرون أنه لم ينجز اتفاقًا يُعوَّل عليه. وفيما تدخل إيران الانتخابات على وقع اتهامات متبادلة بالفساد والمساس بأسس الثورة بين المتنافسين ينتخب الإيرانيون مجددًا رئيسًا للبلاد متعلقين بالوعود.

لمطالعة الملف كاملًا اضغط هنا

ينسحب المرشح الرئاسي، محمد باقر قاليباف، لصالح مرشح التيار الأصولي، إبراهيم رئيسي، وفي المقابل ينسحب إسحاق جهانغيري لصالح حسن روحاني، لتشتد المنافسة بين رئيس يحاول أن يستثمر القليل الذي تحقق عقب الاتفاق النووي، بعد ما يزيد عن 12 عامًا من التوتر بشـأن البرنامج النووي الإيراني، فيحظى بأربع سنوات أخرى، وبين سادن للعتبات المقدسة في مشهد، يحظى بتأييد التيار الأصولي، وقبل ذلك بعلاقات قوية مع مرشد الثورة الإسلامية، وطُرِح اسمه بجدية كخليفة محتمل للمرشد.

وجاءت خطوة قاليباف لتدعم حظوظ التيار الأصولي وتصعِّب من مهمة روحاني بشكل كبير؛ فقبل انسحاب قاليباف كانت المؤشرات تدعم بصورة واضحة تَقَدُّم روحاني على منافسه، لكن هذا التقدم أصبح في معرض الخطر مع “الوحدة” التي وجدت طريقها إلى صفوف الأصوليين عبر انسحاب قاليباف الذي من الممكن النظر إليه على أنه قرار اتُّخذ بصورة مُؤَسَّسِية وليس إيثارًا شخصيًّا من عمدة طهران.

وفيما أعلن هاشمي طبا أنه سيمنح صوته لروحاني، يأتي اسم مصطفى مير سليم خافتًا وسط تنافس المرشحين السابقين، وهو التنافس الذي يتجه ليصبح ثنائي القطبية، بالرغم من أن مير سليم سيبقى في المنافسة حتى النهاية، وسينال دعمًا محدودًا من الأصوليين التقليديين.

وبينما غاب الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، عن هذه المنافسة بقرار من مجلس صيانة الدستور إلا أنه كان من السهل ملاحظة وجود مؤيديه المتململين في التجمعات الانتخابية المختلفة، يكتبون شعارات داعمة له بالاسم، ومنها: “نعم فقط لأفكار وبرنامج أحمدي نجاد، ليذهب روحاني”(1).

تسعى هذه الورقة إلى تلمس أجواء الانتخابات الرئاسية التي تشهدها إيران، من خلال ملاحظات ومشاهدات تسجلها الباحثة من طهران، وتُقَدِّم قراءة لطروحات المرشحين وأولوياتهم.

تعقيدات المشهد الانتخابي

لا يبدو الميل الواضح لتقسيم الساحة التنافسية في إيران اليوم واقتصارها على تيارين مصيبًا ودقيقًا بقدر ما هو محاولة لتبسيط الواقع المتشابك، المتنافر المتقاطع في الوقت ذاته. وإن كان ليس من شك في أن إبراهيم رئيسي (السيد صاحب العمامة السوداء)، أصولي يمثِّل بصورة كلاسيكية التيار الأصولي، فإن القول بأن روحاني (الشيخ صاحب العمامة البيضاء)، إصلاحي يمثِّل التيار الإصلاحي وفق الطرح والتنظير الذي قام عليه هذا التيار لايعدو أن يكون مغالطة، فدعم الإصلاحيين لروحاني لا يجعل منه إصلاحيًّا، والتيار الذي يقوده روحاني اليوم وأخذ اسم تيار الاعتدال هو امتداد لبرنامج السياسي الإيراني الراحل، آية الله هاشمي رفسنجاني، وما يطرحه روحاني على صعيد الاقتصاد والعلاقات مع الغرب لا يعدو أن يكون إعادة تدوير لما سبق أن طرحه فريق رفسنجاني الاقتصادي. لكن ذلك لا ينفي وجود تقاطعات بين الإصلاحيين وتيار الاعتدال، فيما تفرض حالة العزلة والتهميش التي تعرض لها التيار الإصلاحي أن يدعم روحاني، للحفاظ على هامش ولو متدنيًا من الحضور في الساحة السياسة، ويأتي هذا الدعم على الرغم من خيبة الأمل التي يستشعرها كثير من أبناء التيار الإصلاحي جرَّاء الوعود التي أطلقها روحاني دون أن يتمكن من تحقيق أي منها، خاصة على صعيد الحريات.

يدخل إبراهيم رئيسي الانتخابات مدعومًا من “الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية “جمنا””، وهي الجبهة التي تشكَّلت عقب الخسارات المتلاحقة للتيار الأصولي، وجرى تشكيلها في مبادرة لتوحيد صفوف التيار وتكونت من (جبهة مردم نيروها انقلاب إسلامي/ الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية)، وينضوي تحت لوائها الأحزاب والشخصيات الأصولية التي تعمل على الساحة من داخل وخارج تحالف الأصوليين، وجرى الإعلان عنها في فبراير/شباط 2017(2).

ولا يمكن القول أيضًا: إن روحاني يمثِّل اليسار الذي ضمَّ مجموعة من الأحزاب والتجمعات السياسية الإيرانية وسيطر على الحكومة في بدايات الثورة، وتجلَّت طروحاته في الفترة التي رأس فيها مير حسين موسوي الحكومة، فهذا اليسار شهد تحولات كبيرة، وانتقل من موقع إلى آخر لكنه لعب دورًا كبيرًا في دعم محمد خاتمي في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1997 منحازًا للشعارات التي كان ينادي بها وتتضمن إصلاحات ثقافية وسياسية واجتماعية داخل البلاد(3).

وإن كان هذا التيار الذي ضمَّ عقب تشكيله 17 حزبًا وعددًا من التنظيمات من أبرزها الثاني من خرداد (في إشارة إلى اليوم الذي انتُخب فيه خاتمي وفق التقويم الشمسي الإيراني)، فهو يضم اليوم 50 حزبًا وتجمعًا، دون أن يقول ذلك بأنها تشكِّل إدامة واستمرارًا للطروحات الأولى للتيار التي أمسى الكثير منها مهجورًا اليوم. لكن أصوات هذه الكتلة السياسة تشكِّل إزعاجًا حقيقيًّا للأصوليين، خاصة مع إعلان الرئيس السابق، محمد خاتمي، دعمه الواضح لروحاني، وتبعه في التأييد حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني، الذي سبق لمجلس صيانة الدستور أن رفض ترشيحه لانتخابات مجلس الخبراء في 2016.

ما زال الإصلاحيون يستخدمون وصف “المحافظين” للإشارة إلى معارضيهم الذين تشكَّلت نواة معارضتهم لطروحات التيار بشكل منظَّم منذ العام 1997، لكن التسمية يرفضها التيار الأصولي، الذي يقدم نفسه بوصفه الأكثر التزامًا بأصول ومبادئ الثورة والنظام وولاية الفقيه. وهي المبادئ ذاتها التي تحضر في الانتخابات الرئاسية اليوم، وتجعل التيار يقف خلف إبراهيم رئيسي في محاولة للإمساك بزمام رئاسة الجمهورية، مسجِّلًا نقدًا لروحاني تتسع دائرته لتشمل الفقر والفساد والتبذير والسياسة الخارجية.

ولعل المفارقة تكمن في أن أهم تشكيلات هذا التيار الذي كان يُنظَر إليه على أنه يمثِّل يمين الثورة، ارتبط باسم الراحل هاشمي رفسنجاني الذي كان ينأى بنفسه شيئًا فشيئًا عن التيار، مبتعدًا عنه ومقتربًا بحكم الضرورة من منافسيه، الذين اقتربوا منه أيضًا بحكم الضرورة؛ فجاء دعمه لمير حسين موسوي (خصم أمس) في عام 2009، ليقوموا بطيِّ عشر سنوات من الخلافات الفكرية التي حكمت العقد الأول عقب انتصار الثورة ويفتحوا ملفَّ خلاف جديدًا بين الأصوليين كان من أثمانه اتساع الشقة بينهم وبين المرشد.

وحيث إن رفسنجاني ابتعد عن صفوف الأصوليين بما يشبه القطيعة، دون أن ينخرط في التيار الإصلاحي فقد شهد العام 2005، ظهور ما يسمى بتيار الاعتدال وتزعَّمه حينها آية الله هاشمي رفسنجاني “معتبرًا نفسه أكبر من أن ينضوي تحت لواء التيارين: الأصولي أو الإصلاحي”، ونجح في أن يجتذب إلى صفوفه قسمًا كبيرًا من الإصلاحيين وأقنعهم بأن ينضموا إليه، إضافة إلى الدعم الذي كان خلفه من قبل قسم من الأصوليين بشكل تقليدي، على أساس أن دورة “التعصب الجاف” قد ولَّت وبات من الواجب انتهاج خط الاعتدال(4). لكن الحملات الإعلامية للإصلاحيين لتشويه سمعته خلال حكم خاتمي من جهة ورفض الأصوليين توجهه للائتلاف مع الإصلاحيين أدى إلى خسارة رفسنجاني الانتخابات أمام أحمدي نجاد، ليعود حلفاؤه بزعامة حسن روحاني، ويفوزوا بكرسي الرئاسة عام 2013.

واليوم، ورغم الدعم الكبير الذي يتلقاه حسن روحاني من الزعيم الإصلاحي محمد خاتمي، إلا أنه ما زال يتحرك في حدود المساحة التي خطَّها رفسنجاني، مع تحرك حذر لإبقاء العلاقة مع مرشد الثورة على خير ما يرام، وإن كان الأداء الاقتصادي لحكومته قد تعرَّض لنقد حاد من المرشد حاول روحاني أن ينقضه بالدليل والحجة لكنه استدرك مُقرًّا بالتقصير.

عناوين السباق الرئاسي

يحضر عنوان السياسة الخارجية بصورة أو بأخرى في طروحات المرشحين ومناظراتهم، لكنه يبقى عنوانًا خجولًا أمام العنوان “الاقتصادي” وبشكل أكثر دقة “العنوان المعيشي” الذي يتركز على الفقر والبطالة، وهيمنت الشعارات المتعلقة بهذا العنوان على برامج المرشحين وطروحاتهم، وإن كان روحاني هو الوحيد الذي قدَّم برنامجًا بملامح واضحة، لكن معارضيه يتذكرون جيدًا أنه قدم برنامجًا “مبشرًا” في العام 2013 ولم يحقق منه إلا النزر اليسير. فيما طالته مثل غيره اتهامات الفساد وشكَّل ملف “الرواتب الخيالية” التي تقاضاها مسؤولون نقطة بارزة في ملف الاتهامات هذا.

وفيما يواصل روحاني وعوده في حملته الانتخابية الحالية، إلا أن فئة كبيرة من الإيرانيين اليوم يشكِّكون بقدرة الرجل وامتلاكه لمفتاح الحل، ويتندرون بشكل سياسي لاذع على المفتاح الذي شكَّل شعارًا في حملته السابقة.

وما زال روحاني يراهن على الاتفاق النووي، الذي لم يستطع أن يُحدث تغييرًا ملموسًا على معيشة المواطن الإيراني، ويدافع وفريقه بشراسة عن هذا الاتفاق ومنجزاته على تواضعها. فيما يبدو أن التلكؤ الأميركي في تنفيذ بنود الاتفاق واللهجة المهدِّدة من قبل ترامب تضع روحاني في مواجهة سهام خصومه الذين طالما شكَّكوا في النوايا الأميركية وحذروا من اندفاعة روحاني.

ولم يقف روحاني مكتوف اليدين أمام خصومه بل ردَّ الهجوم بهجوم مضاد ودافع عن خياراته التفاوضية، وسخَّر قدرته على بناء الحُجَّة لإقناع ناخبين كثر ما زالوا مترددين لمن يمنحون أصواتهم، وحذَّرهم من انتكاسة اجتماعية والعودة إلى الوراء(5).

خلاصة

بالعنوان الاقتصادي والاتهامات المتبادلة بالفساد والفشل، يسعى المتنافسون لحسم الانتخابات وعدم السماح بأن تنتقل إلى الدور الثاني، وجاء انسحاب قاليباف ليدفع نحو هذا الخيار، رغم أن استطلاعات الرأي داخل إيران كانت تشير بوضوح إلى تقدمه متجاوزًا إبراهيم رئيسي بكثير. ومنح انسحابه غير المتوقع زخمًا كبيرًا لمرشح التيار الأصولي، إبراهيم رئيسي، وجعل مهمة روحاني صعبة للغاية.

يتحدث بعض المحللين(6) عن أن أصوات قاليباف ورئيسي مجتمعة قد تصل إلى ما يقارب 58% من الأصوات، لكن ذلك لا يمكن الجزم به؛ فانسحاب قاليباف لا يعني أن جميع أصوات مؤيديه ستصب في سلة رئيسي.

__________________________

د. فاطمة الصمادي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني

مراجع

(1) من ملاحظات سجلتها الباحثة في تجمع انتخابي للإعلان عن انسحاب قاليباف لصالح رئيسي عُقِد في مصلى الإمام الخميني، في 16 مايو/أيار 2017.

(2) اولين نشست مجمع ملي «جمنا» برگزار شد (انعقاد الاجتماع الوطني الأول لمجموعة “جمنا”)، الموقع الإخباري 598، (تاريخ الدخول: 17 مايو/أيار 2017):

http://www.598.ir/fa/news/414312/%D8%A7%D9%88%D9%84%DB%8C%D9%86-%D9%86%D8%B4%D8%B3%D8%AA-%D9%85%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D9%85%D9%84%DB%8C-%D8%AC%D9%85%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D8%B1%DA%AF%D8%B2%D8%A7%D8%B1-%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8-10-%DA%A9%D8%A7%D9%86%D8%AF%DB%8C%D8%AF%D8%A7%DB%8C-%D8%A7%D9%88%D9%84%DB%8C%D9%87-%D8%AF%D8%B1-%D8%B3%D8%A7%D9%8496

(3) كاووس، سيد إمامي، پژوهش در علوم سياسي، (بحث في العلوم السياسية) (جامعة الإمام الصادق، طهران، 2010)، ص 152.

(4) عماد آبشناس? “الانتخابات الرئاسية الإيرانية: قراءة في الخارطة السياسية”، مركز الجزيرة للدراسات، 18 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 17 مايو/أيار 2017):

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/04/170418112116458.html

(5) من ملاحظات الباحثة.

(6) روند انتخابات بس از انصراف قاليباف، جام نيوز، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 20177):
المصدر/ الجزيرة للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة