24 نوفمبر، 2024 10:43 ص
Search
Close this search box.

مشروع إحياء مكتبة “آشور بانيبال” .. يمثل قوة العلاقات الثقافية بين العراق ومصر

مشروع إحياء مكتبة “آشور بانيبال” .. يمثل قوة العلاقات الثقافية بين العراق ومصر

كتب – هاني رياض:

فى خطوة جديدة كاشفة عن عمق العلاقات الثقافية بين مصر والعراق، تلك العلاقات التي بدأت في مطلع الألف الخامس قبل الميلاد بين حضارتي بلاد الرافدين ووادي النيل بداية من حضارات ما قبل التاريخ، واستمرارها طوال الدولة المصرية القديمة، قامت “مكتبة الإسكندرية” بتدشين حملة دولية لإمداد “مكتبة آشور بانيبال” بمئة ألف كتاب، وتقديم 1500 كتاب كدفعة أولى من مكتبة الاسكندرية، واللجنة الوطنية المصرية للمتاحف، والمركز الفرنسي للدراسات الاجتماعية والوثائق.

مكتبة الإسكندرية

كانت مكتبة الإسكندرية قد أقامت منذ أيام احتفالاً أقيم بالنادي الدبلوماسي المصري بالقاهرة بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية، حضره السفير “طارق القوني” مساعد وزير الخارجية المصرية للشؤون العربية، والدكتور “خالد عزب” رئيس قطاع المشروعات في مكتبة الإسكندرية، والسفير العراقي في مصر “حبيب الصدر”، والعديد من الشخصيات العامة والثقافية من البلدين، الذين قاموا بتدشين الحملة الدولية التي تقودها مكتبة الإسكندرية لإحياء مشروع مكتبة الملك الآشوري “آشور بانيبل”، في الفترة  668 – 627 ق. م، التي تعد من أقدم المكتبات في حضارة بلاد الرافدين، والتي تم اكتشافها في الفترة ما بين 1845 – 1854 م على يد البعثة البريطانية الأثرية العاملة في العراق، والتي استطاعت اكتشاف أكثر من 26000 لوحة مخطوطة من المكتبة محفوظة الآن في المتحف البريطاني.

تقوم المبادرة المصرية التي تهدف لإمداد مكتبة “آشور بانيبال” بمئة ألف كتاب، من خلال مخاطبة المؤسسات العلمية العربية، والمؤسسات الأكاديمية، فقد قامت بدعوة مؤسسة “جمعة الماجد” العلمية، ومؤسسة السلطان “علي عويس” الإمارتين، وكذلك جامعة “أم القرى” السعودية، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية المصرية وعلى رأسها الهيئة المصرية العامة للكتاب، ووزارة الآثار المصرية، ومركز المخطوطات المصري، ومؤسسة “عبد الرحمن بدوي” وغيرها، التي لبت الدعوة لامداد مكتبة “آشور بانيبال” بالكتب والمراجع العلمية.

تأتي هذه المبادرة المصرية التي تقوم بها مكتبة الإسكندرية، كما يقول الدكتور “خالد عزب”، كنوع من رد الجميل للعراق الذي ساهم علماءه وخبراؤه في برامج وأنشطة مكتبة الإسكندرية،  كما أكد  السفير العراقي على أن الإهداء المقدم من المكتبة هو تعبير عن العلاقة الوطيدة بين مصر والعراق منذ العصور السحيقة، بالإضافة إلى حرص مكتبة الإسكندرية على إبراز دور العراق، وعلاقتها بمصر من خلال مشاريعها الثقافية التي تقام بالمكتبة، وكانت وزارة الآثار المصرية قد أصدرت بيان في شباط/فبراير 2012 أكدت فيه أن “الوزارة تسهم في حملة مصرية تهدف إلى جمع أكبر عدد من الكتب المصرية وإهدائها للمكتبة كي يكون لمصر إسهام في هذا المشروع الثقافي والحضاري، وقد وعدت بإهداء المكتبة مجموعة من إصدارات الوزارة من الكتب التي تتناول الحضارة المصرية القديمة منذ مرحلة ما قبل الأسرات، حضارات ما قبل التاريخ، حتى العصر القبطي”.

مكتبة الملك “آشور بانيبال” التاريخية..

قامت البعثة البريطانية في الفترة ما بين 1845 – 1854م في موقع “كيونغيك” بمحافظة نينوى، باكتشاف 26000 لوح طيني عبارة عن نصوص باللغة الأكادية تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، في قصر آخر ملوك الإمبراطورية الآشورية “آشور بانيبال” الذي تم إحراقه بعد تدمير نينوى عام 612 ق. م، وتحتوي على العديد من المواضيع الهامة حيث اخبار الحروب، والرسائل، والمعاهدات التي كانت للملك بانيبال، وقد تم تصنيفها في خمس مجلدات محفوظة في المتحف البريطاني بلندن وتشمل التاريخ الأدبي، ومكتبة الملك الخاصة، ومكتبة المعبد، والمراسلات الملكية الرسمية، والعقود والمواثيق.

قام الملك الآشوري الذي حكم من الفترة 669 – 627 ق. م، حفيد الملك “سنحاريب”، ابن الملك “اسرحدون” الذي لقب نفسه بـ”عناية الحاكم الآشوري المثقف آشور بانيبال، ملك العالم، وملك الآشوريين”، والمعروف باهتماماته العلمية والأدبية بتجميع كل كتب الملوك السابقين من القصور الملكية في مكتبة قصره الملكي، وكانت تضم أهم الرسائل والمعاهدات، والإعلانات، والعديد من الحكايات الأدبية، والأشعار البابلية القديمة في تلك الفترة مثل ملحمة “جلجامش”، وقصة الخلق البابلية “إنوما إليش”، والعديد من القصص الأخرى، وبعد وفاته عام 627 ق. م انهارت امبراطوريته بسبب الصراع على الحكم بين أبنائه، واستقلال بابل عن الإمبراطورية الآشورية عام 625 ق. م، ثم الاستيلاء على نينوى عام 612 ق. م وتدميرها، وإحراق قصر ومكتبة الملك.

الالواح الطينية

مشروع إحياء مكتبة “آشور بانيبال” التاريخية..

بدء مشروع احياء مكتبة “آشور بانيبل” التاريخية الذي تبنته جامعة الموصل عام 2001 لبناء مشروع ثقافي حضاري متخصص بعلم الآثار والدراسات التاريخية على غرار مكتبة الإسكندرية في مصر، ويسعى المشروع لجعل المكتبة منارة علمية تضم أهم الكتب والدوريات العلمية والمقالات، ويقوم بتقديم خدمات للباحثين والمتخصصين في دراسة تاريخ وآثار العراق، وعلى رأسها الدراسات المسمارية واقامة المؤتمرات والندوات العلمية وإصدار الكتب والمجلات العلمية، ليصبح امتداد حضاري لدور مكتبة “آشور بانيبال” القديمة الذي امتد لمئات السنين، مستلهماً العمق الثقافي للحضارة الآشورية وانجازاتها الثقافية والعلمية الضاربة في جذور بلاد الرافدين حتى الحضارة الإسلامية مروراً بالتكوينات الثقافية للسومريين والبابليين والاكديين وغيرها من الروافد الأصلية التي شكلت الحضارة العراقية القديمة، وسيكون من مهام المكتبة الرئيسية الاشراف على أعمال التنقيب عن الآثار في مدينة نينوى.

تم أختيار مكان مشروع المكتبة في الموصل بمحافظة نينوى موطن الحضارة الآشورية، وتحديداً داخل الحرم الجامعي لجامعة الموصل التي قامت بتبني المشروع، ولها النصيب الأوفر فى تنفيذ المشروع، فهى التى قامت بالتصميم الهندسي للمكتبة على النمط المعماري الآشوري، حيث  استخدام شكل الثور المجنح والابراج والشرفات المسننة والمرتقيات والمصاطب التي تتميز بها العمارة الآشورية، وقامت بإنشاء وحدة في الطابق الأرضي للمكتبة المركزية للجامعة باسم “آشور بانيبال” لحين الانتهاء من تنفيذ المباني الخاصة للمكتبة، وتكفلت الجامعة بتنفيذ المكان وامداده بالكتب التي تقدر بـ 4097 مطبوع و2607 كتاب عربي وأجنبي و1490 دورية عربية وأجنبية.

وقد تعرض المشروع للعرقلة نتيجة الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، واستأنف مرة أخرى عام 2004 من خلال مبادرة جامعة “ستوني بروك” نيويورك، التى قدمت أكثر 1000 كتاب ودورية للمكتبة، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب من المعهد البريطاني لدراسات العراق، ومن المعاهد الآثرية الفرنسية، والألمانية.

تصميم المكتبة ومكوناتها..

الملك اشور بانيبال

تتكون المكتبة من 5 طوابق، منهم طابقين تحت الأرض مخصص كمخازن للكتب والأجهزة وغيرها، والطابق الأرضي يتكون من قاعات عرض متحفي لعرض نماذج لأهم الآثار العراقية، التي تمتد من العصور الحجرية ثم العصور التاريخية بداية من “السومرية ثم الأكدية والبابلية والآشورية”، وفترة ما قبل الإسلام ثم العصور الإسلامية المختلفة، وقاعات لعرض نماذج النصوص المسمارية المستنسخة من النصوص الأصلية الموجود بالمتحف البريطاني، وقاعات للندوات والمؤتمرات، أما الطابق الأول يضم المكتبة التي تحتوي على الكتب والمقالات وغيرها، وقاعات للدرس، وسيكون بالطابق الثاني مركزاً للمعلومات يضم الحاسبات، والثالث سيخصص قاعات للاستذكار، والإطلاع للباحثين والزائرين، والطابق الرابع يحتوي على مكتبة لأقراص الليزر، وتم تصميم المكتبة لتضم كل الثقافات المتنوعة التي كونت العراق القديم، وسوف يتم كسوتها من الخارج بمداميك من حجر”الحلان” ليماثل سور نينوى القديم، والشرفات ستكون بشكل “البربيت” الآشوري، بالإضافة إلى المدخل الرئيسي للمكتبة سيكون على هيئة بوابة “نركال”، أو بوابة “المسقى” الآشورية، وسوف تكون الشبابيك الخارجية على شكل علامتين مسماريتين عموديين، وسوف يتم تشجير محيط المكتبة بالأشجار والنباتات التي كانت موجودة في العصر الآشوري.

أما داخل المكتبة سوف يتم عمل مشاهد آشورية شهيرة مثل “صيد الأسود، ومشاهد من المعارك الحربية، ومشهد الاحتفال بانتصار الملك الآشوري “آشور بانيبال”، ومشاهد أخرى من عالم الحيوان والنباتات التي كانت موجودة بـ”آشور”، كما ستضم نماذج لأهم النصوص، وبالخط المسماري مثل مقاطع من “قصة الطوفان، ملحمة كلكامش”، كتابات تذكارية، رسالة ملكية، نص رياضي، نص فلكي، نص معجمي، وغيرها من النصوص الأثرية القديمة، أما قاعات المؤتمرات ستعكس العمارة الإسلامية حيث الأقواس، والأروقة التي ستتخذ حرف “النون”، اشارة للآية القرآنية الكريمة، وهكذا تمثل مكتبة “آشور بانيبال” الحديثة متحف طبيعي للعصور العراقية التاريخية التي شكلت حضارة بلاد الرافدين العظيمة .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة