17 نوفمبر، 2024 9:56 م
Search
Close this search box.

سؤال العبادي

في مؤتمره الصحافي التالي لاجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي ، طرح رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي أول من أمس السؤال العراقي الأهم المطروح حالياً، بل ربما هو الأهمّ على مدى تاريخ العراق كله.
رئيس الوزراء تساءل: “وين راحتْ المليارات؟”.. هو عنى مئات المليارات التي تدفّقت على العراق في عهد سلفه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو العهد الذي أثناءه تجاوز سعر برميل النفط المئة دولار أميركي وفاقت موازنة العراق السنوية المئة مليار دولار، في طفرة غير مسبوقة وقد لا تكون ملحوقة أيضاً على المدى المنظور.
سؤال العبادي هو السؤال الكاوي المتكرّر على لسان كل عراقية وعراقي كل يوم على مدار الساعة. والعراقيون جميعاً ينتظرون منذ سنوات أن يخرج أحد مِمّنْ أُنيطت بهم، أو أناطوا بأنفسهم، مهمة إدارة البلاد في الحكومة أو مجلس النواب أو السلطة القضائية أو الهيئات “المستقلة”، ليعطيهم الجواب الشافي كيما تطمئنّ النفوس الفائرة غضباً على هدر هذه الثروة المهولة، وتهدأ الأرواح الحائرة وسط عتمة عدم الشفافية التي تتعمّدها الطبقة السياسية المتنفذة إمعاناً منها في تضليل الشعب، بل في إذلاله.
السيد العبادي لم يأتِ بجديد وهو يطرح السؤال. وما كان ينطوي على الجديد المأمول ليس تحديد كيف ضاعت هذه المليارات ومَنْ الذي ضيّعها وإلامَ كان منتهاها، فهذا معروف يقيناً أو حدساً، إنّما الجديد الذي كنّا ننتظر أن نسمعه من السيد العبادي أو غيره ممّنْ هم في مقامه، هو ما الذي قد وُضِع موضع التنفيذ لاستعادة هذه الاموال التي كانت ستصنع عراقاً آخر غير هذا العراق الذي تعاني فيه مدينة عريقة كالحلة التي تحدّث عنها السيد العبادي في مؤتمره الصحافي من دون شبكة صرف صحي ومن دون شوارع مبلطة، أو مدينة في غاية الأهمية، كالبصرة عاصمة العراق الاقتصادية التي يجري من تحت أقدام أهاليها النفط شطوطاً وبحاراً وتكابد مع ذلك من تحوّل أنهرها الجميلة الى مكبّات عظمى للنفايات والمياه الآسنة الثقيلة… بل إنّ الثروة المنهوبة كانت، فضلاً عن ذلك، ستجنّب العراق محنته الراهنة نادرة المثال التي بدأت بتسليم الموصل إلى عصابات إرهابية (داعش) ويُمكن ألّا تنتهي إلا بتقسيم العراق وتمزيقه.
كما السيد العبادي، نحن نعرف جيداً “وين” راحت المليارات، ونعرف مثله أيضاً أن حصة كبيرة منها تُستخدم الآن في حروب السياسة القذرة ومن أجل تثبيت القاعدين في كراسيّ السلطة أو إعادة من نبذتهم كراسيّهم.
يعمل السيد العبادي وحكومته خيراً بتوظيف “القليل” المتوفر من الأموال لتقديم الخدمات، بحسب ما أعلن في مؤتمره الصحافي، لكنّه وحكومته سيُسديان صنيعاً عظيماً للشعب العراقي إنْ هما تقصّيا آثار المليارات المنهوبة واستعاداها، أو جزء منها في الأقل، ففي وسع حتى هذا الجزء أن يجعل العراق عراقاً مختلفاً عن عراق البؤس والفقر والبطالة والظلم والموت القائم الآن.
نقلاعن المدى

أحدث المقالات