تُدرك وزارة التجارة عِظم أهمية العدس في حياتنا، لاسيما في رمضان، فتحرصُ، مع كلّ إطلالة للشهر الفضيل، على أن تَعِدَ الصائمين بطبق من لذيذ حسائه. التجارة تعرف، بالخبرة، استعمالات العدس المتنوّعة، فهناك من يخلطه مع الرز، وآخرون يفضلونه جزءاً من مرق (التشريب)، وبعضنا يظنّ أن إفطاراً بلا (شوربة) سيكون محبطاً كحمْل كاذب!!
لا نشكّ أبداً بوعود المسؤولين، فتجاربنا تؤيد حُسن ظنّنا بهم.. قيل لنا أننا سنكون من الدول التي تصدّر الكهرباء، وها نحن ننعم بساعة (وطنيّة) كاملة كلّ ست ساعات.. لدينا مشاف ومستوصفات ابتكرت أنجع طريقة لعلاج الأمراض والعلل عن طريق استئصال المرضى.. قضينا على الأميّة بحلّ بسيط فات الأمم والشعوب الأخرى، فمنحنا الجهلة شهادات تخرّج جامعيّة.. تعمّدنا أن تكون السيطرات العسكرية مزدحمة لنوفّر عملاً للباعة الجوّالين والمتسوّلين.. وعدونا بحساء رمضانيّ لم يتوسط موائدنا، فالعبرة في الوعد فقط، وربَّ وعدٍ بطعام خير من ضرر التهامه!!
بعضُنا، مع الأسف، يتصيّد في الماء العكر، ويحاول أن يجد مثلبةً في أيّ منجزٍ عظيم ومكرمة سخيّة. يشكون غياب الكهرباء برغم أنّها (تنتل)، ويسبّب تماسُ (وايراتها) مئات الحرائق.. يتبرّمون من سيطرات عسكرية قضت على أيّ فراغ في الوقت قد نشعر به.. يلعنون تكاسلَ الموظفين في الدوائر الرسميّة، والبيروقراطيةَ التي يتعمّدونها وينسون أنّها توفرّ رزقاً ودخلاً آخر لإخوة لهم في الوطن.. يشعرون بالحسد من نجاح مقاول (شاطر) يعرف من أين تؤكل أكتافنا.. يجهلون الطرق (الصحيحة والمختصرة) لبلوغ أعلى الرتب والمناصب، وسهمزون ويلمزون مَن سار عليها!!
من المؤكد أن المسؤولين في التجارة يعرفون أشياء قد لا نعلمها، ومن المؤكد أيضاً أن وراء تأخر وغياب العدس حكمةً ما. قال المنبئون الجوّيون أن أيام الصيام، هذا العام، ستكون الأطول في عدد ساعاتها، وفي جوّ هو الأكثر حرارة. والتجارة تعرف، مثلما لا نعرف، أنّ العدس يمنح طاقة حرارية عالية ستضرّ الصائم في يوم قائظ شديد السخونة.. يفهم مسؤولو التجارة طريقة إعداد نسائنا لشوربة العدس بجعلها كثيفة القوام، ثقيلة بما قد يؤدي إلى انتفاخ معدة الصائم، وتكوّن (الغازات) المحرجة والعياذ بالله!!
لم تخسر الأعرابيّة ثقة بنيها، حين طبخت حساء الحصى، فقد وجدت مَن يدفع عنهم الجوع وعنها الحرج. على الصائمين ألاّ يغامروا بخسارة الماء والوقود على قدر لن يأتي عدسه في رمضان!!
[email protected]