25 نوفمبر، 2024 10:42 ص
Search
Close this search box.

ابناؤنا .. ماذا صنعنا لهم؟

ابناؤنا .. ماذا صنعنا لهم؟

ينصح علماء النفس والاجتماع الآباء بعدم طرح المشاكل التي تحصل بينهم أمام الأطفال وكذلك ينصحون بعدم إشراكهم في مشاكلهم ويفضل مناقشة مشاكل الآباء بعيدا عن الأطفال وخلف الأبواب الموصدة وذلك مراعاة للحالة النفسية للأطفال وعدم انعكاس هذه المشاكل على سلوك الأبناء، هذا ما ينصح به داخل الأسرة ، إلا إن ما يحصل في العراق ألان تجاوز أسوار الأسر وامتد إلى كل المجتمع لذا يجب أن يكون النصح هنا اكبر وأوسع لأننا سننصح أولا ساستنا وثانيا أحزابنا وثالثا أنفسنا ويكون النصح مفاده أن أطفالنا ليس لهم ذنب بما يحصل ألان وليس من حقنا ان نعكس خلافاتنا عليهم وليس ذنبهم انهم خلقوا في بلد الكل فيه يلهث خلف الكرسي، وليس ذنبهم إنهم وجدوا ضمن مجتمع لا يقدر ولا يعرف ولا يفهم معنى الطفولة لذا يجب ان نعزلهم عن خلافاتنا ونصنع لهم مستقبلا يليق بمعاناتهم طوال سنين لأنهم هم المضطهدين سابقا وحاليا وهم السجناء بلا تهمة وهم المغيبين بلا هوية وهم المهجرين بلا عنوان وهم المنفيين عن براءة طفولتهم ، فماذا صنعنا لهم ؟ إنهم ينتظرون منا الكثير ، وهذا الكثير ليس بعسير، فهم يستحقون منا اللطف بهم والرفق واللين في معاملتهم وان نعرف أن خلافاتنا تنغص حياتهم وتقتل براءتهم وتحرمهم التمتع بطفولتهم لأنهم أول من يتأثر بهذه الخلافات وأول من يشرب من كأس التعصب ، واليوم نراهم مشغولين بأمور تفوق أعمارهم بكثير كونهم محاصرين بقضايا لاعد لها ولاحصر فرضت عليهم بسببنا نحن الكبار ،فنحن نختلف وهم يتحملون تبعات اختلافنا حتى صاروا يفكرون بعقولنا لا بعقولهم ويتعصبون لمذهبهم وقوميتهم وانتماءاتهم الحزبية والمذهبية عن قصد أو من دون قصد لأننا فرضنا عليهم وجهة نظرنا الخاطئة وهم وفقا لنظريات النمذجة والتقليد التي طرحها علماء الاجتماع والنفس اخذوا يقلدون النماذج التي يشاهدونها كل يوم امامهم وهذه النماذج مختلفة فيما بينها ومتعصبة على طول الخط وبالتالي صار طفلنا نسخة طبق الأصل عنا متعصب عدائي يميل للاستحواذ على كل شيء محب لنفسه فقط يتحدث بلغة الكبار وهذا الأمر خطير جدا لأنه يلغي حقبة زمنية مهمة من حياة أطفالنا ويمنعهم من الاستمتاع بطفولتهم ويلهيهم بأمور ليست من اختصاصهم ولا تتناسب مع أعمارهم الى ان وصلوا درجة إنهم يتفاخرون بأنتماءاتهم العشائرية والمذهبية والقومية ويتعصبون لها ، ذاك يصرخ أنا سني وأخر يتباهى انا شيعي وهذا يقول قوميتي هي الأفضل لاني عربي وذاك يقول نحن أصل العراق لاني كردي ، والمشكلة تعمقت وصارت اكبر حين صار الخلاف داخل المذهب الواحد، السنة اختلفوا فيما بينهم وصاروا وقف سني وهيئة علماء وحزب إسلامي والشيعة صاروا سستانيين وصدريين وحكيميين ودعوة والصدريون صاروا عصائب وتيار والحكيميون صاروا بدريين ومجلس والدعوة صاروا تنظيم الداخل وتنظيم الخارج . وكل شخص يخرج من هذه الانتماءات فأنه يشكل لنفسه حزبا أو إتلافا وكل واحد منهم يرى نفسه هو الأصح وهو من يجب أن يقود والباقون ينظرون إليه نظرة بغض . وطبعا هذا الأمر انسحب حتى على سلوك أطفالنا فهم يسألون احدهم الأخر هل أنت صدري لو سستاني لو حكيمي وهذه اخطر مرحلة لأنه عندما يصل الطفل بتفكيره إلى هذه المرحلة فهذا يعني انتهاء طفولته وبلوغه سن البلوغ قبل أوانه ، ونكون نحن من جنينا عليه بتناحرنا وفرقتنا وإعلامنا الذي ليس لديه إي موضوع يخدم الناس بصورة عامة وأطفالنا بصورة خاصة وإنما كل مالديهم هو الطرح غير المهني وغير الواقعي والمبني على الشائعات والأهواء الشخصية والعداء الشخصي . وسأطرح بعض الأمثلة عن هذا الطرح شخص يكتب يمجد الحكومة ويقول أنها أفضل حكومة وقدمت الخدمات وفعلت كذا للمواطن في حين ان الفقير يستهزئ بالكلام لأنه زاد فقرا ولم يتغير حاله أبدا والكهرباء مازالت هاربة والمستشفيات بالية والتعليم داخل الإنعاش ، ويأتي أخر يعيش في الغربة منذ سنيين يحلل وضع العراق ويضع له الحلول وتحليله يتخلله طبعا الشتم والسب وعدم الاحترام لحزب معين أو شخصية ما في حين يمجد شخصية آخر ويرفع حزب ما إلى عنان السماء… وهكذا غيرهم ممن يريد فرض رأيه على الناس بالقوة أسوة بهدام الذي كان يكذب ويطالب الناس بالتصديق ، وبين هذا وذاك ضاع طفلنا المسكين الذي تلاطمته أمواج آرائنا المتشنجة والمتعصبة والتي لا تقبل النقد أو التشكيك وكأنها منزلة من السماء .
أخيرا أقول إن الطفولة وأطفالنا يحتاجون اليوم الى أناس أكفاء وواعين ومعتدلين يقودون دفة البلد ويخلصون الناس وأطفالنا بالذات من هذه النعرات الدخيلة على مجتمعنا ويأتونا بخطط وبرامج تنمي عقول أطفالنا وتوجهها على الطريق الصحيح لكي تنتج خدمة للوطن لا أن تهدم . وهذا نداء للجميع سياسيين برلمانيين تعليميين إعلاميين أناس عاديين فكروا بما يخدم أجيالنا ولا تفكروا بما يخدم مصالحكم ومصلحة حزبكم ومذهبكم وقوميتكم، فقط فكروا بمصلحة العراق ومصلحة كل أطفال العراق بغض النظر عن انتماءاتهم.

باحث نفسي/ مدير البيت العراقي الآمن للأيتام

أحدث المقالات

أحدث المقالات