لم يأت إرتفاع أسعار الطماطة من فراغ، وإنما هو نتاج خلل في السياسة الإقتصادية السائدة، التي فرطت بالمنتوج الوطني لصالح المستورد، ولطالما كنا نطالب بإجراءات حمائية، لتقليل المنافسة السعرية في أقل تقدير بين المحلي ” البلدي”، والأجنبي، لكن المؤامرة الخارجية، كانت تمتلك قوة التصدي والمباغتة، لإسقاط القطاع الزراعي العراقي، بالضربة القاضية، بعد جولات من بسط الهيمنة على السوق العراقية، من خلال عروضها الميسرة التي وضعت الفلاح العراقي في منافسة غير متكافئة لتسويق محاصيله الزراعية، فيما أغرى إرتفاع أسعار النفط ، بغداد، لإغراق البلاد بالمستورد، والتنصل عن التزاماتها إزاء القطاعات الأخرى، ولاسيما القطاع الزراعي، والقطاع الصناعي، ما زاد من كلف الإنتاج الوطني، مقابل إنخفاض مثيله المستورد.
كان البديل يشكل حالة الإكتفاء الغذائي، وبأسعار مشجعة، في الوقت الذي تختفي فيه الخضراوات والفواكه العراقية، وإذا ما وجدتها عند هذا البقال أو ذاك، فإن أسعارها تبلغ أضعاف أضعاف مثيلاتها المستوردة، ولا غرابة أن يتحول بعض الفلاحين الى مستوردين، مجبرين، لأن الإنتاج الزراعي، بات مكلفاً لهم، وبالتالي خسارة التسويق محسومة سلفاً، فيما سحبت الدولة يدها من أي يدعم كان يقدم لهم، بما في ذلك شراء المحاصيل وتسويقها بطريقتها.
من هنا، أدركت الدول المصدرة، أن العراق أصبح عاجزاً عن توفير أقواته بنفسه، وبلع الطعم الذي صنعته له، لذا فأي زيادات تفرضها، حاضراً ومستقبلاً، ستكون مقبولة، ولايستبعد أن تجتاحنا موجات أخرى من إرتفاع الأسعار، وسنرضخ مكرهين لها، لا أبطالاً.
ربما يقول قائل، أن أسباب إرتفاع أسعار الطماطة، يعود الى الرسوم الكمركية التي فرضتها الحكومة، وهذه قضية أخرى، كنا نطالب بها لحماية الطماطة العراقية، لكن توقيتها جاء متأخراً، بل لم يكن فرض الرسوم مرتبط بالحماية، وانما بالأزمة المالية التي تعيشها البلاد، ومع تعدد الأسباب تبقى المشكلة واحدة، هي إهدار إنتاجنا الوطني، لحساب المستورد.