18 ديسمبر، 2024 6:29 م

الاعلام والارهاب – ج2

الاعلام والارهاب – ج2

يُحدثُ البث الفضائي انقلاباً في المفاهيم وتداخلا في القيم بين المجتمعات مما يجعله الوسيلة الاكثر تأثيراً على الجمهور ، يصل ذلك الى مستوى تغيير بعض الأنماط السلوكية السائدة في المجتمع واكتساب عادات وقناعات جديدة، ولاشك ان طرق التقديم واساليب الاعداد والتهيئة وترتيب الاولويات تساهم مجتمعة في تعزيز ذلك وحتميته مع مراعاة قدرة المتلقي الثقافية ومستواه الاجتماعي والمالي وارتباطه الديني، حيث ان تأثير وسائل الاتصال مشروط بالدرجة الأولى “بردة فعل المتلقي التي هي مرتبطة بثقافة وسطه الاجتماعي أو انتسابه العقائدي . وعادة ما يعمد التنظيم الإرهابي إلى التركيز على المبررات العقائدية وإهمال التبريرات السياسية في خطاباته ، فهو وإن كان تنظيما إرهابيا يحمل أيديولوجيا دينية، إلا أنه منظمة سياسية، تريد أن تقيم “الخلافة” وتحكم “دولة” وتسير أمور “أمة”. فهوية التنظيم السياسية جزء أساسي من مبررات وجوده، ومن تنظيراته حول “إقامة حكم الله” وقتال حكومات طواغيت كما يصفها ، وبالتالي يجب أن تؤخذ عملياته في هذا السياق كمظلة أوسع. لذلك فان عملية مواجهة الثقافة المتطرفة التي تنتج الإرهاب تحتاج إلى جوانب عديدة وعينات خاصة، كذلك أسس الحوار ونوع البنود التي يتم الحديث فيها. وهو ما ينطبق على المواجهات الأمنية مع الإرهاب . ويرى كلود مونيكيه الخبير في قضايا الإرهاب الدولي خلال حوار أجراه معه غريغوار لوري لقناة يورو نيوز حول العمليات إلارهابية التي حدثت في بروكسل إن الخلل في عملية تقييم الإرهابيين هو إن أجهزة المخابرات الغربية تعمل بادوات قديمة منذ فترة الحرب معتادة على العمل وفق هيكلية معينة مرتكزة على الحكومات والأحزاب والمكاتب السياسية. بينما نحن اليوم أمام هيكلية مختلفة معقدة جدا، هي ما يعرف بمنظمة (داعش). لدينا صورة عامة عن هذه المنظمة ومع دخولنا بالتفاصيل نجد أن الخطورة تكمن في الأفراد الذين لم يكونوا إرهابيين أو متعصبين في الماضي وقد تمكن التعصب من استدراجهم في غضون ستة أشهر أو سنة وهؤلاء لايُكتشفون بسرعة بسرعة. ولذلك ينبغي التركيز من خلال وسائل الاعلام على هذه الشريحة من خلال خصوصية الخطاب خلال مناقشة ظاهرة الإرهاب على الفضائيات . ورغم ان قضايا مثل هذه لا يمكن للأجهزة الأمنية السيطرة عليها ولا يمكن للفضائيات مواجهتها بالطريقة التقليدية. فالمطلوب ليس المعالجات الأمنية وحدها، بل من خلال حملات توعية وتثقيف تؤخذ فيها عينات دينية وثقافية واقتصادية لإطلاق هذا الحوار .

برامج الإرهاب

يرى الدكتور حسن علوان الذي أجرى مسحا حول التقارير والأفلام والبرامج الخاصة التي تنتجها الفضائيات وتلك التي تنتجها التنظيمات الإرهابية، . إن من بين (150 ) فيلماً وبرنامجاً هي عينة بحثه ظهر أن الأفلام التي أنتجتها التنظيمات المسلحة كانت بعدد (140) فيلماً، فيما أنتجت الفضائيات سبعة أفلام وبرامج فقط وظهرت ثلاثة أفلام مجهولة جهة الإنتاج، وكانت النسبة المئوية للأفلام المنتجة من قبل التنظيمات المسلحة هي(93.33%) فيما بلغت النسبة المئوية للأفلام والبرامج التي أنتجتها الفضائيات (4.66 %) فقط من مجمل العدد الكلي للأفلام والبرامج. ولم تقدم التنظيمات المسلحة على إنتاج برامج حول العمليات التي قامت بها وذلك بسبب احتياج مثل هذه البرامج إلى مستلزمات فنية وتقنية وكوادر متخصصة تفتقر إليها هذه التنظيمات. ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى تنظيم القاعدة الذي أنتج أفلاماً وفر لها إمكانيات فنية ومالية كبيرة مثل الذي حصل في إنتاج الأفلام الخاصة بــ( أبي مصعب الزرقاوي ) في العراق، والفلم المكون من جزأين حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر الذي أسمته القاعدة (غزوة مانهاتن)، أما التنظيمات المسلحة الأخرى فكان إنتاجها محدوداً وفقيراً ويصوَر بكاميرا واحدة ويفتقر إلى التقنية الفنية المطلوبة . ( )إنّ كمية التقارير والبرامج التي تتحدث عن الإرهاب في التلفزيونات العربية لاسيما الإخبارية والوثائقية منها، تأخذ مساحة بارزة من الإنتاج العام، لكنها في الغالب غير فعالة للأسباب التالية:1- عدم إتفاق التلفزيونات العربية على تعريف محدد للإرهاب، ولذلك تقوم كل دولة وإعلامها بتعريف الإرهاب من زاوية الإضرار بمصالحها فحسب، فترفض إرهابا ضدها وتدعم إرهابا ضد غيرها. وقد لعب إعلام الجماعات المسلحة على هذه الازدواجية واستثمره . فالبرامج التي تعنى بشؤون الإرهاب تقدم بشكل تقليدي من خلال ضيوف غير مؤثرين وغير مختصين، حيث شاعت في الإعلام العربي ظاهرة، (المختص بشؤون الجماعات المسلحة ) أو الخبير في قضايا الإرهاب . وهي عناوين كبرى لكنها خاوية في مضامينها، وأطاريحها وصفية .2- هناك من الفضائيات من قام بإنتاج برامج تناولت موضوع الإرهاب وكانت هذه البرامج متكاملة فنياً من حيث الإعداد والتناول والإخراج، بعضها تم فيه تناول وجهتي النظر المؤيدة للإرهاب والأخرى الرافضة له، مستعينة بمسؤولين رئيسين في هذه التنظيمات، خاصة تنظيم القاعدة الذين قدموا وجهة نظر تنظيماتهم، والرأي الآخر كان يمثل مسؤولين في هذه التنظيمات خرجوا منها بسبب الاختلاف في المنهج وفي الرؤيا الآنية والمستقبلية لعمل هذه التنظيمات أو مثّل رأياً لمتخصصين في موضوع الإرهاب، أي أن بعضاً من هذه البرامج والأفلام التي أنتجتها الفضائيات تبنّى وجهة النظر التي قدمتها تلك التنظيمات ، والبعض الآخر تبنى وجهتي نظر مختلفتين وترك للمتلقين أمر الانحياز أو الرفض. وقد افادت التظيمات الارهابية من الحالتين جهل بعض وسائل الاعلام واجندة بعضها الاخر فالصور الاجرامية التي تعرضها هذه القنوات من حلقات الجلد والابادة وقطع الرؤوس بهدف ادانة هذه التنظيمات وتحشيد الراي العام ضدها، هي في حقيقتها خدمة لاهدافها، لكون داعش لايريد ان يقدم صورة آمنة للمناطق التي يسيطر عليها او التي ينوي ذلك في مخططه ، بل هو في الاساس يعمل على استعراض البشاعة والقسوة لفرض سلطة الخوف قبل السلطة الدينية والسياسية . هذا التداخل بين العرض والتاثير يتطلب ايجاد استراتيجية اعلامية خاصة جدا لكي لاينزلق المحتوى الى اهداف خارج السيطرة ،ويتحول مبدأ تقديم الحقيقة والراي والراي الاخر ، الى ساحة لاستعراض ثقافة المجرمين ومبررات ارهابهم .—————
مصادر – بدر الراشد، بيانات داعش، مضامين ورموز الإرهاب ، بحث منشور على موقع العربي الجديد بتاريخ 6-12-2015- كلود مونيكيه، حوار أجراه معه غريغوار لوري لقناة يورو نيوز حول العمليات إرهابية في بروكسل، – نصيره تامي، دور الإعلام الفضائي في التصدي لظاهرة الإرهاب: الإعلام الفضائي العربي نموذجا، – حسن علوان، موضوعة الإرهاب في الفضائيات العربية، دراسة في الشكل والمضمون، أطروحة دكتوراه في الإعلام والاتصال، مقدمة الى مجلس كلية الآداب والتربية. الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك لنيل شهادة الدكتوراه 2008.