كيف نفسر تحولات المالكي الطائفي المتشدد الذي لا يطيق السنة وعدهم سابقا من معسكر يزيد، إلى داعية وطني ينشد الوحدة بين العراقيين جميعا ويحمسهم للدفاع عن استقلال البلاد.
منذ ثلاثة أسابيع ومناطق حزام بغداد ذات الكثافة السكانية السنية تتعرض إلى حملة أمنية منظمة تقودها فصائل في الحشد الشعبي، أبرزها ميليشيا بدر وعصائب الخزعلي وكتائب حزب الله ومجموعات أخرى، هدفها المعلن تشكيل وحدات قتالية من أبناء هذه المناطق وخصوصا في الطارمية والتاجي وأبي غريب، مهمتها التصدي لإنزال أو انتشار عسكري أميركي يتوقعه مسؤولو الحشد، كما جاء على لسانهم وهم يتعاطون مع السكان برفق غير مسبوق ويوزّعون استمارات التطوع على البيوت بود، ويسجلون أسماء المتطوعين بأريحية، في وقت بات سكان الحزام يعيشون في قلق مما يحمله المستقبل لهم، ويتوجّسون من هذه المعاملة الحسنة التي يشهدونها لأول مرة من ميليشيات عرفت بالقسوة.
وما زاد من مخاوف سكان هذه المناطق هبوط مروحية أميركية اضطراريا في محافظة ديالى نهاية الأسبوع الماضي، كما جاء في بيان صحافي لقيادة عمليات بغداد، ذكر أن الطائرة اضطرت إلى الهبوط لعطل فني حدث لها، وأن قطعات الجيش العراقي قامت بحراستها حتى أمكن تصليح العطل فيها وعاودت الإقلاع دون توضيح للمهمة التي كانت فيها والجهة التي كانت تقصدها.
ومسألة الانتشار المتوقع للقوات الأميركية في مناطق حزام بغداد، التي أخذها قادة الحشد على محمل الجد وبدأوا يتعاملون معها وكأنها حقيقة لا جدال فيها، كانت في الأصل من ترويج مجموعة من العراقيين يقيمون في الولايات المتحدة ويتعاونون مع الأجهزة والمؤسسات الأميركية وخصوصا وزارة الدفاع منذ تسلّمها الجنرال جيمس ماتيس، وأغلبهم سـنة وقلة من الشيعة، وعدد منهم شغل وظائف وزارية وعسكرية وإدارية عقب الاحتلال، نشطوا منذ تسلم الرئيس دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض بحملة رسائل ومنشورات تكاد تكون يومية.
واضح أن وراءها جهة أو جهات أميركية ركزت منذ بداية عملها على حتمية الصدام العسكري بين القوات الأميركية والميليشيات الشيعية الموالية لإيران وحددت حزام بغداد ميدانا للصدام، على اعتبار أن سكانه مضطهدون ومهمشون ومتهمون بالإرهاب دائما، حيث دعتهم تلك الرسائل والمنشورات إلى التعاون مع الأميركيين لإنهاء النفوذ الإيراني وتقويض ميليشيات قاسم سليماني، وأحد أفراد المجموعة، وهو عضو ناشط في الحزب الجمهوري وكان وزيرا في حكومة إياد علاوي المؤقتة (2004-2005) بشّر السنة والشيعة العرب (الليبراليين والعلمانيين) في العراق قبل يومين بمقال وُزع على نطاق واسع على صفحات التواصل الاجتماعي، بأن موعد الخلاص قد قرب، وأن الرئيس الأميركي ذاهب إلى السعودية كأول دولة يزورها منذ تولي منصبه لوضع اللمسات الأخيرة على خطة “التحرير” كما وصفها، مؤكدا أن حكومة مدنية ديمقراطية سيتم تشكيلها في بغداد مهمتها ملاحقة أتباع إيران ومحاكمة المسؤولين السابقين والحاليين الفاسدين، واسترداد الأموال المسروقة، مؤكدا أن ما ذكره معلومات استقاها من دوائر صنع القرار وليست استنتاجات أو تحليلات.
ومما عزز هذه المعلومات أو الادعاءات تغريدة خطيرة لرئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم الذي يشغل أيضا رئاسة التحالف الشيعي، لم يتوقف عندها المراقبون كثيرا، ويبدو أنهم يتابعون التصريحات العلنية فقط ولا يلتفتون إلى التغريدات والتعليقات على صفحات السياسيين التي قد تكون أصدق من الأحاديث الاستهلاكية والتصريحات التقليدية، حيث قال في تغريدته “العراق مقبل على الكثير من الأحداث والمتغيرات، ونحتاج إلى قرارات صعبة وجريئة وحاسمة، وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية المناطة بنا”.
ومن يتمعّن في هذا الكلام الذي يقوله أبرز أقطاب الشيعة في هذا الوقت، لا بد أن يصاب بالاستغراب والحيرة، خصوصا تأكيداته بحصول “أحداث ومتغيرات” يبدو أنها صادمة لمجلسه وتحالفه وجمهوره، ولا يريد الكشف عن طبيعتها وتفاصيلها، رغم أنه كان واضحا في الشق الثاني من كلامه لما قال “نحتاج إلى قرارات صعبة وجريئة وحاسمة وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية المناطقة بنا”، والمعنى هنا لا يحتاج إلى تفسير وقصده أن أمام القيادات الشيعية الحاكمة في العراق مواجهة متغيرات قريبة وعليها أن تتخذ قرارات صعبة في التعاطي معها.
وقد تتوافق تغريدة عمار في دوافعها مع تصريحات لزعيم ميليشيا بدر هادي العامري، الأحد الماضي، والتي جاءت مطمئنة للخائفين من الصدام الأميركي الإيراني المرتقب عندما صرح أن “الجنرال الحاج قاسم سليماني يعادل وحده ستة آلاف مستشار أميركي ينتشرون حاليا في العراق” ومع أن مثل هذه التصريحات من النوع التعبوي، إلا أنها تؤشر إلى احتمال وقوع الصدام المنتظر الذي لا يخشاه العامري، على حد قوله، ما دام سليماني وحده يعادل ستة آلاف أميركي.
وإذا ربطنا تغريدة الحكيم المحذّرة وتطمينات العامري المفتعلة مع تصريحات كررها زعيم حزب الدعوة نوري المالكي في أكثر من مناسبة مؤخرا، تدعو إلى ترصين الصف الوطني وتمتين الوحدة العراقية على طريقة “إخوان سنة وشيعة وهذا البلد ما نبيعه” والاستعداد للدفاع عن “سيادة واستقلال” العراق، فإن ذلك يعني أن أشياء في الأفق تلوح وأهل السلطة خائفون منها ويتحوّطون من وقوعها، وإلا كيف نفسر تحولات المالكي الطائفي المتشدد الذي لا يطيق السنة وعدهم سابقا من معسكر يزيد، إلى داعية وطني ينشد الوحدة بين العراقيين جميعا ويحمّسهم للدفاع عن استقلال البلاد؟
ننتظر الآتي من الأيام، والخوف مشروع من مواجهة أميركية إيرانية ساحتها العراق.
نقلا عن العرب