الإنسان ما انفك باحثا عن السعادة منذ ساعات الفجر الأولى وحتى مطلعه في دورته الجديدة ، لا يعرف معنى للراحة إلا في أحضانها ، وهذه الميزة هي من صميم خلقة الإنسان بدليل حاجة الجميع إليها ،بيد أننا نلمس و بوضوح تباين هذا المفهوم مصداقيا في سعي الإنسان إليه ومن ثم اختلاف السعادة من شخص إلى آخر، هناك من يرى أنها في كثرة الأموال ، وآخرون يجدونها حيث الشهرة ، وبعضهم يبحثون عنها بين أحضان الشهوة ، وكل هؤلاء لم يتعرفوا بعد على المعنى الحقيقي لهذه المفردة التي باتت عصية على جميعهم .
بحسب ما أرى هناك معادلة لا تقبل القسمة على إثنين لو تم تطبيقها بصدق لأمكن للإنسان أن يتناوش السعادة و يهنأ تحت ظلها الظليل .
وهي أن يعيش الفرد بين حالتين الأولى شعوره أنه كائن فقيرمفتقر إلى كل شيء في وجوده لا يمتلك ذرة رمل باستقلال إلا ما مكنه الله فيه ، هذا الشعور سينتج آثارا منها التواضع و عدم التكبر على الآخرين ومنها أن يبتعد عن الغرور بنفسه و يتحرر من المبدأ الفرعوني ( إنما أوتيته على علم عندي ومنه ) ، و الأهم في هذه النتائج أنه سيتقدم نحو طرف المعادلة المكمل لها وهو ( حب الكمال ) .
فالأفتقار إلى ما هو أفضل يحث الفرد أن يبحث عنه دائما ليحضى به ، فلا يهنأ له العيش و لاتقر له عين إلا بالحصول على ما يكمل به وجوده ،لأن الإنسان إنما وجوده في حقيقته بإنسانيته وهنا تجده لاهثا وراء ذلك لكنه قد يضل الطريق و لسرعان ما يدرك أن ماعثر عليه لاينسجم مع إنسانيته فيعود أدراجه ليبحث عن الكمال في طريق جديد وهكذا تستمر الحياة .
هذه المعادلة نجد لها صدى في موروثنا الروائي عن أبي (عليه السلام) يقول: (إنه ليس من عبد مؤمن إلا في قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا ) ميزان الحكمة .
فالإفتقار الذاتي يولد لدى الإنسان الخوف ، الخوف من النقص الخوف من عدم التكامل ؛ لأنه عين الحاجة إلى كل شيء حوله ، ولذلك فهو يرجو أن يحصل على ما يكمل به ذاته و يسد هذا النقص فيه وهذا هو الرجاء لحب الكمال ، ولطيف تعبير الإمام ( لو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا ) مما يجعل هذه المعادلة لا تقبل التفريط بجانب على آخر أو إغفال أحدهما لحساب الثاني وإنما ينبغي أن تكون هذه المعادلة حاضرة في وعينا لنترجمها سلوكا إنسانيا .