23 نوفمبر، 2024 10:13 م
Search
Close this search box.

الفضائيات الدينية .. إحتكار “مسألة الله” الذي مهد لانهيار الحضارة

الفضائيات الدينية .. إحتكار “مسألة الله” الذي مهد لانهيار الحضارة

كتب – عمر رياض :

أصبح التنافس على الدين الآن ظاهرة كل المجتمعات.. لأنه يستجلب السلطة بخلفية “الشريعة” ويمنح المتنافسين حق التصرف المطلق.

هذا ما يؤكده عدد كبير من الباحثيين، وما يمكن ان يستخلصه المشاهد الواعي لخريطة القنوات الدينية وما وصلت إليه طبيعة هذا التنافس (العقائدية التجارية) بين القنوات الفضائية الدينية  لزمن تجاوز – جيل – 10 سنوات تقريباً من بداية الانتشار الواسع لها.

ويذكر أن التنافس الفضائى بدأ سياسياً، وعندما استنفذ بعض من طاقاته تحول إلى تنافس إعلامي بخلفيات سياسية وعقائدية ومذهبية.

وبدا التقسيم الشيعي السني.. والإسلامي المسيحي.. بل الإسلامي اللاديني والمسيحي اللاديني، أكثر ملامح التنافس والأستقطاب وضوحاً بين هذه الفضائيات.

وجاءت الثورات العربية بالمزيد من القنوات الدينية، بسبب الحضور السياسي لكل التيارات بما فيها التيارات المتشددة، فصعدت مع ثورة كانون ثان/يناير فى “مصر” مثلاً طوائف دينية أكثرها سنية مقابل اخرى شيعية، تحالفت مؤخراً، فيما بعد، مع السلطة الممثلة لمصلحتها السياسية خاصة وقت حكم الإخوان المسلمين.

القنوات السنية

خريطة الفضائيات ونشأتها..

فى يوم 21 تشرين أول/أكتوبر عام 1998 بدأ بث قناة “إقرأ” الإسلامية السنية، تحت شعار “متعة الإعلام الهادف”، وهي أول قناة إسلامية سنية عرفها جمهور المنطقة العربية، وكانت أول قناة فضائية عرفها جمهور نفس المنطقة هي القناة الفضائية المصرية في آب/أغسطس 1990.

وبدأ بث قناة “سَحَر” في عام 2003، وكانت تعتبر القناة الأولى للشيعة في البث المباشر للمحاضرات لأهم الخطباء الحسينيين، وكانت موجهة في البداية إلى الشعب العراقي، ولكن بعد ذلك توجهت نحو الشعوب العربية.

من طوائف أخرى خرجت قنوات تتخذ نفس الخطاب الجذري، بل خرجت قنوات تمثل الديانة المسيحية بطوائفها موجهة للمنطقة العربية، وأخرى تمثل الدولة ومؤسساتها الدينية.

مع “سقوط بغداد” في آذار/مارس 2003، كانت بداية أنطلاق جديد – الإنتشار الواسع – للقنوات الدينية، كفيروس سريع التطور.. عشرات من قنوات الطوائف السنية والشيعية، وقنوات إسلامية متشددة وآخرى تصف نفسها بالمعتدلة وقنوات مسيحية أيضاً.. قنوات تتبع الدول أو انظمتها، وآخرى يمتلكها مستثمرين من الخليج أو حتى رأس مال اجنبي، حتى وصل عدد القنوات الدينية إلى 150 قناة عربية تقوم كل قناة من القنوات بإقناع جمهورها انها صاحبة “الدين الصحيح” في منافسة تهدف بالأصل إلى استقطاب أكبر عدد “تارجيت” من المشاهدين.

منذ ذلك الوقت، ومع الهجرات الشيعية بسبب الغزو، احتدم الصراع لاثبات الهوية الطائفية على الفضائيات، وذهبت قنوات تابعة لطائفة تبث مادتها المتضمنة للفتاوى والتفسيرات، ثم تظهر  قنوات آخرى تبث الرد عليها عبر الهواء مباشرة.

مساجد إفتراضية وإعلام طائفي..

صارت القنوات “مساجد” ودور فتوى إفتراضية لمنتوج ديني يشكل عقل المتدينين ويعيد صياغة المفاهيم الدينية لديه، ويتحكم في التحولات الدينية، والاجتماعية، ومنظومة إنتاج القيم من خلال التحكم في “منسوب التدين” لبناء مجتمع متدين “على المقاس”.

“قناة الناس”، أشهر تلك الامثلة، فقد بدأت رسمياً فى كانون ثان/يناير 2006، بشعار “قناة تأخذك إلى الجنة”. الذي أنقلب اليوم ليصبح: “شاشة تأخذك للجنة، بالعلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله على بصيرة وهدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال سلفنا الصالح”، بعد تنويه عن اقتصارها على تقديم برامج اجتماعية ذات طابع ديني.

ويملكها رجل الأعمال السعودي “منصور بن كنسة”، ويديرها “عاطف عبد الرشيد” مصري من مدينة أوسيم.

طريقة ادارة “قناة الناس” لا تختلف عن بقية القنوات السلفية في التسويق الدعائي بإسم الدين، فقد عينت القناة مدير التسويق “سعيد توفيق”، من أجل جلب الأرباح التي تعتمد على جمهور الدين والمتدينيين.

تحت شعار “أشتري وأدخل الجنة”، روجت القناة لمنتجات “رخيصة”، تستهدف المتلقي الفقير، مشتري المنتج “مضمون بضمان الرب”.

و كانت أشهر تلك المنتجات على الطراز الخليجي، مثلاً “العباءة والجلباب” للرجال والنساء، والمفروشات، وهي منتجات للشركة التي يمتلكها بالأساس مدير القناة ذاته، بالإضافة إلى منتجات أخرى وهمية كـ”المقويات الجنسية والادوية والاعشاب” واخيراً تجارة “الدجل وفك السحر”.

أتخذت أيضاً بقية القنوات شعار مثل قناة “دليل” بشعار: “ليطمئن قلبي”، وقناة “الحكمة”، بشعار: “إن تطيعوا تهتدوا”.

منحت الثورة في البلاد العربية مساحة أكبر لانتشار القنوات الدينية بسبب مساحة السياسة التي فتحت للتيارات والطوائف الدينية.

وإذا ما تتبعنا الخريطة الآن سنجد أن القنوات قد زادت بنسبة ما بين 50% إلى 70% من بعد ثورات المنطقة العربية، النصيب الأكبر منها للقنوات “السنية” التي ارتفعت من ٤٣ إلى ٥٥%. القنوات “الشيعية” من ٥ إلى 11%، و”المسيحية” من ٢ إلى ٩%. اتخذت كل قناة شعاراً يؤكد على أنها القناة التي تحتكر “الدين الصحيح” للتأثير على المتلقي.

من نفس الفكرة ظهرت قناة “الرحمة”، قناة متخصصة في شرح علوم القرآن وعلوم فقه السنة بفهم سلف الأمة، “بلا إفراط ولا تفريط”، المشرف العام “محمد حسان”، قناة مصرية، أغلقت في عام 2010 وأعيد بثها 2013.

“محمد حسان” هو نموذج تيار سياسي سلفي.. تمتلئ القنوات بعدد كبير من شيوخ السلفية ومقرئي الخليج على نفس الطراز، الذي ينقل دور الفتوى للفضائيات التي تدر أرباح، تبدأ برسالة على الهواتف المحمولة والذكية فى مقابل تسويق الوهم لهم.

كما دعمت شركات تجارية إقتصاد تلك القنوات، كل وفق مصالحه، مثل “الشركة السعودية” ذات المنتجات الاستهلاكية .

وكانت رسائل الهواتف المحمولة والمكالمات المدفوعة، مصدر دعم كبير أيضاً.

وإذا ما تتبعنا خريطة القنوات، سنجد أمثلة كثيرة كقناة “صفا”، فضائية إسلامية حوارية، تقوم القناة ببث العديد من البرامج الحوارية بين مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب الشيعة الإمامية. “قناة صفا”، تهدف إلى “القيام بدور الإعلام في خدمة قضايا الأمة، والسعي إلى ترسيخ مفاهيم الهوية الحضارية الإسلامية، وعلى رأسها التوحيد، والذب عن ثوابتها، والرد على شبهات المغرضين وأباطيل المضللين من أصحاب الفرق والمذاهب الهدامة”.

تظل القنوات المسيحية  الأكثر غموضاً.. الأقل عدداً، ربما لارتباطها بسياسة الدولة المصرية منذ نهاية التسعينيات، وهو وقت ظهور قناة “سات 7″، ثم تلتها قنوات أخرى، وتعد قناة “أغابي” (المحبة) قناة “الكنيسة الأرثوذكسية” برعاية الآنبا الراحل شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والتي بدأت إرسالها في اواخر 2006، وكان شعارها “الإعلام المسيحي البديل للأسرة” وخاصة “جمهور الشباب والأطفال”.

كما انشأت الحكومات المصرية المتعاقبة قنوات مثل “قناة ازهري”، لتدخل صراع اثبات الهوية.

وهي تشترك مع مثيلاتها “السنية” في خطاب الإستقطاب، ونفي الآخر ولم يخرج بعضها عن مخاطبة الذات.

القنوات المسيحية

“سوسيولوجيا الدين” في مرحلة التمهيد للطائفية..

في دراسة للباحث “محمد الغيلاني” يقول انه يبدوا جلياً أن لدى الجمهور طلب على التدين وعلى رموزه، لكنَ هناك أيضاً فراغاً وعجزاً تاماً عن الاستجابة لهذا الطلب.

ويؤكد: “مع هذه الفضائيات تحول التدين إلى منتوج إعلامي يخضع لمقتضيات المنافسة في سوق الإعلام والإشهار، كما يخضع لمقتضيات توجهات السياسات الدينية. ولذلك نجد هذه القنوات تعتمد على “منشطين دينيين”، ليس فقط على فقهاء أو علماء متخصصين، حيث يقوم هؤلاء باستخدام القرآن والموعظة الدينية والسير السلفية استخداماً براغماتيا يعتني بالاستقطاب أكثر مما يعتني بالمضمون، ولأن الاستقطاب يفترض الإعجاب، فإن المضمون يغلب عليه طابع انفعالي، لا يخاطب العقول بقدر ما يخاطب الوجدان الديني، ويُستثمر في الموروث العقدي من خلال نَفَس تعبوي وشحن متواصل. وهنا تكمن استراتيجية هذا الخطاب وفعاليته، لأنه يشتغل على “اللاوعي الديني”، ويربط المؤمن بحالة نوستالجية وجدانية لا تساعده على المساءلة أو النقد أو التحفظ. فبنية الخطاب يخترقها المقدس، ومن ثم تستمد شرعيتها التي لا يجوز الطعن فيها أو ردها”.

متابعاً: “هذا الخطاب تهيمن عليه متطلبات التدين لا ضرورات الدين، لكن المتدين في العالم العربي لا يقيم تمييزاً ولا فصلاً بين الدين والتدين، مع أن الفارق بينهما كبير، بل إن المنشط الديني نفسه لا يدرك القيمة الجوهرية لهذا التمييز، فهو متحرر من المساءلة، لأن الموقع الرمزي الذي يحتله يخول له سلطة الكلام والوعظ، ولأن المتدينين، من وجهة نظره، إما زبائن أو مريدين. ولذلك، فلا مانع من أن يكرس إرشاده الديني على علمنة الخطاب الديني من خلال فصل الجوانب الروحية عن مقتضيات السياسة والمجتمع، والتركيز على خطاب وعظي إرشادي نوستالجي عاطفي تعبوي، يتورط في مذهبية مفرطة في الانغلاق تسد الحاجة الدينية بوصفها حاجة غريزية أكثر من كونها حاجة روحية”.

قنوات داعش: صناعة الإعلام الإنتحاري لاقامة دولة خلافة..

بعد انحسار السياسة بدأ تنظيم الدولة “داعش” في الترويج لفكرته ومفهومه للدين، وكسابقته صعد في المشهد السياسي بتراكم عنيف.

ورصدت دراسة حديثة أعدها “صبرة القاسمي”، القيادي المصري السابق بتنظيم “الجهاد”، أن تنظيم داعش يملك سبع أذرع إعلامية يبث من خلالها العنف والإرهاب حول العالم، وهي: “أجناد، الفرقان، الاعتصام، الحياة، مكاتب الولايات، إذاعة البيان، مجلة وموقع دابق” بالإضافة إلى 90 ألف صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة شبكتي “فيس بوك” و”تويتر”.

وإن “داعش قد رصد من ميزانيته 3 مليارات دولار لتمويل القنوات السبع، والإذاعات والمواقع الإلكترونية والمجلات التي تروج لفكر التنظيم في جميع دول العالم بأكثر من 12 لغة”، مشيرة، دراسة صبرة، إلى أن التنظيم تمكن من تكوين ثروة هائلة، بسبب سيطرته على معظم آبار النفط بالعراق، واستيلائه على 480 مليون دولار من بنك الموصل بعد اقتحامه، بخلاف 250 كيلو ذهباً من البنك ذاته، ومؤكدة على أن عدد المقاتلين وصل إلى 200 ألف مقاتل بالتنظيم في سوريا والعراق

“فقد أصبح الطريق إلى الجنة ممكناً من دون تبني نمط تدين يستعمل قاموساً دينياً يستلهم روحيته من الخطاب الديني الحركي مثلاً، والذي يركز في بعض توجهاته على مفردات: “الجهاد”، و”التضحية”، أو”المفاصلة” وإنكار الحياة الاجتماعية المعاصرة.. كما سهل عليه التعاطي مع إكراهات الاقتصاد الرأسمالي من دون الحرج من الوقوع في المعاملات الربوية، فمع هذا النمط من التدين أصبح ممكناً للمتدين أن يعيش تدينه بطمأنينة”.

ربما تناولت آراء لا حصر لها، موضوع الطائفية والإعلام الديني وذهبت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. كالرأى القائل بأن “الله مسألة رأى عام مثله مثل مشاهير المجتمع وكرة القدم”، حيث لا يمكن أن يحتكر التفسير والفتوى قناة أو شيخ بل تتسع الفكرة لكل الآراء خطأ أم صواب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة