اليوم عصرا سمعت صراخا في بيت الجيران ، هرعت مسرعا وأنا اذرع المسافة بين مطبخنا وباب الجيران حافي القدمين ظنا مني بأن عصابة اجرامية مسلحة تتحرك وسط بغداد بكل – حرية ونزاهة وشفافية – كتلك التي اختطفت الطلاب الناشطين السبعة من وسط شقتهم في منطقة البتاويين ، احمد نعيم رويعي . حيدر ناشي حسن . علي حسين شناوة ، سامر عامر موسى ، عبد الله لطيف فرج ، زيد يحيى حمزة، من دون ذكر سابعهم وكلهم من الناشطين في تظاهرات ساحة التحرير وبشكل دوري وإقتيادهم الى جهة مجهولة ليبدأ بعدها مسلسل المفاوضات على قيمة الفدية ومكان التسليم والاستلام والوساطات بين عصابة وأخرى وبيع الضحايا من واحدة الى الثانية كما يحدث في المقاولات الرسمية وليتم الافراج عنهم بعد ارهاب بقية النشطاء وقبض الثمن او قتلهم او اختفائهم كما حدث مع الناشط جلال الشحماني قبل عامين وليظهر مطلقو السراح ابطالا ﻻيشق لهم غبار يستحقون نظم قصائد المديح والثناء صباح مساء – بكل اريحية وديمقراطية وبعجلات رباعية الدفع- مع الحرص على إلقاء علبة مشروبات كحولية فارغة بعيد الاختطاف لأبعاد الشبهات عن اية ميليشيات راديكالية يمينية ، وان كان الترياق والافيون والحبوب المخدرة والحشيش التي يتناولها اليمينيون ويتاجرون بها ويصنعونها ويزرعونها ويهربونها اشد فتكا من – البيرة – الملقاة على قارعة الرصيف والتي عادة ما يعاقرها اليساريون – لتدويخ الجمجمة الثورية واراحتها قليلا من أعباء النضال من اجل الوووووطن !!!- وكلاهما محرم وفي الهوا سوا – المهم اقتحمت منزل الجار وسحبت “سركي” باب قديم احتفظ به للطوارئ لأيهام اللصوص بأنني اسحب اقسام كلاشينكوف وهي خدعة – اعتك من الباميا – يستخدمها المسالمون في عصر الخيبة و – جججججق، سلم نفسك احسلك ، المنزل كله محاصر كما في فيلم اللص والكلاب – ولكن الصراخ مازال مستمرا واذا بالجارة تبكي وتولول وتهرب من المنزل صارخة – زنننننننبوووووور أحمر !!!
وبمجرد ان سمعت بأسمه الموسيقي – زنبووووور -حتى تحولت الى مخلوق ملائكي مسالم وبدأت هالات الكهربائية الاستاتيكية تظهر فوق رأسي تباعا كما في الصور المنسوبة الى القديسين – في افلام الكارتون – وتذكرت كيف كنا في عصر الزنابير الحمراء والصفراء التي انقرضت منذ زمن بعيد نذهب الى المدرسة مرتدين ملابس واحذية وقمصان من صناعتنا الوطنية بعد تناول الفطور من منتجات مصانعنا المحلية – ﻻبضائع ايرانية تعبانه وﻻ صينية هلكانه – بكل امان وسلام في الباص الاحمر ذي الطابقين او الاصفر – سكول باص – ذي الطابق الواحد بعد ان نصحو على صياح الديك وزقزقة العصافير وهديل الحمام – كوكوختي وين اختي- لنودع بدعوات الجدات والامهات والجارات والعمات والخالات – الكل كان يدعو لنا بالحفظ والموفقية والنجاح حتى زوجة ابو خالد العطار الحسودة وعمة صديقي منير الحقودة – ، كانت الفراشات تحوم من حولنا فتبعث في نفوسنا الدفء والسكينة، حاملين حقائبنا المدرسية على ظهورنا ونحن نتغنى بـ” البلبل الفتّان يطير في البستان ، غنّى على الأغصان بأعذب الألحان” وسط عالم ملئ بالدعاسيق والمغزل دادا وفرس النبي والشعر بنات ، ولكنه خال من الميليشيات المسلحة والعصابات الاجرامية والمخدرات الفكرية والرقمية والصناعية ، خالية من الانتحار والسطو المسلح وقطع الطريق وسرقة المال العام والتزوير والاختلاس ، ، صديقي جودة كان تركمانيا ،صديقي سردار كان كرديا ، صديقي دانيال كان مسيحيا ، صديقي عمر كان سنيا ، صديقي كرار كان شيعيا ، صديقي فيصل كان صابئيا ، كنا نحب بعضنا بعضا ولم نكن نعلم بل ولم نكن نريد ان نعلم بأن الحواجز والخنادق والاسلاك الشائكة وحقول الغام وخطابات الكراهية ، ستفرق بيننا عنوة ذات يوم بغياب الزنبووووور ..وظهور المحذور ، فلهيبة الزنبووووور وإبره اللاسعات حضور وان كره اللسع او خاف هيبته وطلته بعضهم ، حتى بتنا نردد :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم …ولا سراة إذا جُهّالهم سادوا
اودعناكم اغاتي