18 ديسمبر، 2024 8:09 م

أمراض قوى التيار العلماني وسبل معالجتها.. ورقة لمشروع مؤتمر

أمراض قوى التيار العلماني وسبل معالجتها.. ورقة لمشروع مؤتمر

سنبدأ بتشخيص هذه الأمراض في العلمانيين بشكل عام،نتبعها بقوى اليسار العراقي.

أولا:أمراض العلمانيين
1. تضخم الأنا
لدي شك يتاخم اليقين بأن عددا كبيرا من العلمانيين العراقيين مصابون بـ ” تضخّم الأنا ” وانه متورّم ” لدى عدد منهم. ومع إن هذه العلة موجودة على مستوى النخب: سياسيون، أكاديميون،فنانون،ورؤساء عشائر.. لكنها تعلن عن نفسها بوضوح أكثر لدى المثقفين الكبار. واعتقد إن هذه العلة ” تضخّم ألانا ” مرض العراقيين المزمن،وإنها شائعة لدى العامّة منهم ، وإلا لما ضربوا على أنفسهم المثل القائل : (( إذا أنت أمير وأنا أمير فمن يسوق الحمير )) .
و ” تضخّم الأنا ” غير ” قوة ألانا ” ، فالثانية حالة صحية نابعة من الثقة بالنفس والتقدير الموضوعي ـ الواقعي لقدرات وقابليات صاحبها،ومعبّرة عن الاعتزاز الإيجابي بالنفس واحترام الذات.
أما ” تضخّم الأنا ” فهو حالة عصابية ” مرضية ” ناجمة عند العراقيين من تراكم الشعور بالاضطهاد والاغتراب وتوالي الخيبات. غير ان العوامل المؤثرة والخفية في شخصية ” الأنا المتضخم ” إنها تجمع صفات في ” توليفة ” من ثلاث شخصيات مختلفة هي : النرجسية والتسلطية والاحتوائية . فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب .. أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها ، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء . فحالها في الإعجاب كحال جهنم ، يسألونها : هل امتلأت ؟ تقول : هل من مزيد !. وتأخذ أيضا منها شعار النرجسي : ” أنا مميز ” ، وخاصيتها الأساسية المتمثلة في الإحساس بتفخيم أهمية الذات ، والتظاهر بامتلاك قدرات فريدة ، وان على الآخرين أن يتعاملوا معه على أساس أنه مميز ، وأن تقديمه على أنفسهم هو استحقاق لا يستوجب حتى الشكر منه !.
وتأخذ شخصية ” الأنا المتضخّم ” من الشخصية التسلطية ، انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها،وتصنيفها الناس بثنائيات،وفي مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء،أي من كان معي فهو صديقي وما عداه فهو عدّوي،وتصرفها بالتعالي والعجرفة نحو من هم أقل منه منزلة ( والمفارقة أنها تتصرف بتواضع شديد وانصياع وتملّق لأصحاب القوة والمال !).
وتأخذ من الشخصية الاحتوائية السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم ، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية.
و ” الأنا ” يمارس ــ لدى كل إنسان ــ ما نسميه الآليات أو الحيل الدفاعية ، التي تعني:
استراتيجيات لا شعورية مشوهة للواقع يعتمدها الأنا لحمايته من القلق أو خفض القلق لديه عندما يرفض الاعتراف بواقع سواء كان خارجيا” آم داخليا”.ومع أننا جميعا” نمارس هذه (التقنيات) النفسية ، فان الفرق الرئيس بين الإنسان السوي والمصاب بتضخم الأنا ، أن الأول يمارسها جميعها بمرونة في المواقف التي تستدعيها ، فيما المصاب بتضخم الأنا ، يمارس عددا محدودا نذكر منها ثلاثة :
• الإسقاط : ويعني ترحيل عيوب الأنا إلى شخص أو موضوع أخر . فإذا كانت “س” حسودة فإنها تنفي عن نفسها ذلك وتتهم زميلتها “ص” بممارسة الحسد . وتشيع آلية “الإسقاط ” كثيرا بين المثقفين الكبار المصابين بتضخم الأنا . منها مثلا ما حصل مؤخرا بين الشاعر الكبير سعدي يوسف ومثقفين كبار عندما تم تأسيس ” المجلس العراقي للثقافة ” عام 2008. والواقع أن شيوع ” الإسقاط ” بين المثقفين الكبار لا يقل سوءا عن شيوعه بين قادتنا السياسيين .
• الحذلقة الفكرية : وتعني التلاعب بالأفكار والتمويه وإجادة صناعة الكلام . فالمثقف العلماني الكبير المصاب بتضخم الأنا حين يتحدث في موضوع معين فأنه ” يبدع ” في صناعة الكلام ، في حال يشبه لاعب كرة السلة المحترف..يبهر الجمهور بلعبه في الساحة لكن معظم كراته تكون خارج الحلقة.
• العدوان :لدى المثقف الكبير المصاب بتضخم الأنا نزعة عدوانية صريحة أو ضمنية . فهو إذا انتقده أحد في أفكاره أو سلوكه بحق أو بدونه فأنه يشهر بوجه كل أسلحته ، حتى لو كان ناقده صديقا” له . وغالبا” ما تشيع بين المثقفين الكبار تهم ” العمالة ” لدولة أو مخابرات معينة وقد تتعداها إلى النيل من الأخلاق والشرف.
ولدى شخصية ” الأنا المتضخّم ” حاجة قسرية إلى المبالغة والاستعراضية وعطش دائم إلى التفخيم ، وانتقاء رموز وأوصاف دالة عليه ، تدفعه الى ان يطرح نفسه كما لو كان انسكلوبيديا عارفا” بكل شيء . فإذا كان اختصاصه النقد الأدبي او الاقتصاد مثلا” ، تحدث في السيكولوجيا كما لو أنه فرويد.
وشخصية ” الأنا المتضخّم ” لديها حساسية شديدة نابعة من الشعور بالنقص، وهو (يغار) من شخص له نفس تاريخه النضالي او نضجه المعرفي ولديه (رادار) حساس يلتقط ما لدى الآخر من مآخذ..فيعمد الى تضخيمها او (يغمسها) بايجابيات بطريقة خبيثة.
2. الانتهازية:
من معاصرتنا لأحداث ما بعد التغيير،اكتشفنا حقيقتين مؤلمتين، قاسيتين بخصوص البعض ممن يدعون العلمانية ا.وكلامنا هنا ليس انشائيا بل من مواقف كثيرة قرأناها وأخرى عشناها نلتقط منها حادثتين حصلتا فعلا:
الأولى: قمنا في العام (2003 )بتشكيل وفود لمقابلة رؤساء مجلس الحكم للمطالبة بمساواة اساتذة الجامعة في العراق باقرانهم في دول الخليج.وبوصفي رئيس رابطة اساتذة جامعة بغداد ورئيس الوفد فانني اخترت اكاديميين واكاديمييات علمانيين وعلمانييات بينهم من يحمل مرتبة (الأستاذية).وحصل ان ثلاثة منهم استغلوا المناسبة وحصلوا على مناصب وتركوا متابعة مهمة الوفد.
الثانية:في العام (2004) كان هنالك خمسة علمانيين من حملة الدكتوراه اقترح احدهم ان يذهبوا الى الراحل عبد العزيز الحكيم بحجة السلام عليه.ومع ان احدهم حاول اقناعهم بان هذا العمل يتعارض مع مبادئهم،فان الأربعة الآخرين ذهبوا ،وحصلوا على مناصب رفيعة (مستشار،ملحق ثقافي،مدير عام،وعميد كلية).والمخجل ان اثنين منهما قاما بتقبيل يد السيد عبد العزيز.
وما حصل ان (الانتهازية) هذه كبر حجمها في السنوات الأخيرة بين العلمانيين. ففي استطلاع عبر الفيسبوك أفاد اكثر من 80% بينهم مثقفون معروفون بان الانتهازية تفشت بين العلمانيين،لأسباب براغماتية(نريد نعيش ونأخذ فرصتنة) ومبررات سياسية(ليكون لنا دور من داخل مؤسسات الدولة)..مع انه يأتمر بأمر (الأسلامي السياسي) الذي عينه في المنصب!
ومع ان انتهازية هذا الصنف من العلمانيين،مفضوحة وان مرضهم هذا قابل للانتشار بالعدوى في اجواء موبوءة بالشعور باليأس من تراكم الخيبات ،فانك تراهم يحضرون ندوات ومؤتمرات ذات توجه علماني،ويتحدثون كما لو كانوا علمانيين أصلاء،لدرجة ان علمانيين آخرين يأخذون بالتودد لهم.
في ضوء ذلك نخلص الى اربع نتائج اساسية:
1.ان قوة تيار الاسلام السياسي تكمن في تشتت قوة التيار العلماني،
2.ان بقاء انفراد احزاب الاسلام السياسي بالسلطة،يلحق المزيد من الأذى بالقوى العلمانية،
3.ان مشتركات المصالح الوطنية والحزبية والكتلوية والشخصية بين مكونات القوى العلمانية ،هي اقوى بكثير من قضاياها الخلافية،
4.ان خلاص الوطن والناس من أفشل ادارة حكم وأفسدها في تاريخ العراق،لن يتحقق إلا بتوحّد كل القوى الساعية الى إقامة دولة بهوية علمانية.
وعليه فان المعالجة العقلانية لهذه الأمراض القاتلة تكون بالدعوة الى عقد مؤتمر للقوى العلمانية والمدنية الساعية الى اقامة دولة مؤسسات حديثة،تعتمد هذه الورقة مشروعا للحوار ،ونرى ان تتولى( مؤسسة المدى) هذا المشروع الوطني الكبير الذي سيغير مسار العراق في انتخابات 2018..إن حسُنت النوايا واغتسلت النفوس بحب الناس والوطن.
نقلا عن المدى